الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بدرو مارتينيث مونابيث شيخ الإستعراب الإسباني المعاصر في عقده التاسع

خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)

2014 / 4 / 5
الادب والفن


ولكنها تدور، (يا أرض الكنانة).
Galileo Galilei: Eppur si muove, (Egitto)


بدرو مارتينيث مونابيث شيخ الإستعراب الإسباني المعاصر في عقده التاسع

د.خالد سالم
تشهد اللحظة، بداية القرن الحادي والعشرين، ندرة القامات الكبرى في الاختصاصات كافة، فنادرًا ما نجد شخصية شامخة في مجالها، قادرة على استقطاب الآخر كي ينصت إليه ليستزد من علمه وتحليلاته، على عكس القرن معظم عقود القرن العشرين حيث كثرت هذه القامات. وإذا أطللنا على ساحة الإستعراب في إسبانيا اليوم فإننا نجد أن من بين قاماتها القليلة العلامة بدرو مارتينيث مونتابيث الذي يتربع على عرش الإستعراب في هذا البلد الذي يقاسمنا جزءًا مشرقًا من تاريخنا، الأندلس. إنه شيخ الإستعراب الإسباني المعاصر والحديث، بدرو مارتينيث مونتابيث!
فلئن كانت هناك حركة استعراب معاصر في إسبانيا فإنه تعود في تطورها وصعودها إلى أندلسي بعينه وضع بذرة هذه المدرسة الحديثة فنمت وكبرت وصارت له أفرع في جامعات ومؤسسات إسبانيا البحثية المتخصصة. وبدرو مارتينيث مونتابيث، بدأ عقده التاسع منذ أشهر، إذ ولد سنة 1933 في قرية شوذر Jodar، ذات الأصل الفارسي العربي، في محافظة خايين، أو جيان العربيةفي إقليم الأندلس، جنوبي إسبانيا. إضافة إلى هذا فلا يكاد يكون قد درس في إسبانيا في فروع الإنسانيات طالب عربي إلا وعرج على شخصه واغترف من معارف وتوجيهات هذا المستعرب.
عرفته، منذ ثلاثة عقود، قلقًا على العالم العربي ولا يزال هكذا، فهذه البقعة من الجغرافية العالمية لم يتحسن وضعها بل يزداد تدهورًا بأيدي أبنائه وأيادٍ خارجية تعبث به من الغرب من زمن الإمبراطورية البيزنطية إلى اليوم، يوم الثورات العربية التي تفجرت منذ أن أطلقت شعلتها الأولى روح الشاب التونسي محمد البوعزيزي. ومنذ أن اقتربت منه أجد فيه حنينًا للفترة التي عاشها في مصر، فترة التجربة الناصرية، نهاية الخمسينات والستنيات، حيث شغل منصب مدير المركز الثقافي الإسباني ودرّس في كلية الألسن، ومن يومها آمن بتلك التجربة القومية وأن خلاص العرب في أيديهم، في وحدتهم، وليس بيد الأميركيين، أو مستعمر اللحظة.
خرج من عباءته عشرات المستعربين الإسبان والأمريكيين اللاتينيين ودارسي الثقافة الإسبانية العرب في قسم اللغة العربية في جامعة مدريد أوتونوما، القسم الذي أنشأئه في سبعينات القرن العشرين، وظل يحنو عليه برئاسته أكثر من عقدين، والذي ضحى من أجله بمنصب رئيس الجامعة في مطلع الثمانيات ليعود إليه، إلى طلابه وبحوثه.
تعرفت إليه شخصيًا في مطلع الثمانينات حيث كان رئيسًا لجامعة مدريد أوتونوما حيث ذهبت إليه أشكو من "ظلم" رئيس القسم، أستاذ اللغويات ماركوس مارين والقريب من عالمنا بدراساته وتعلمه للعربية في المعهد المصري وفي القاهرة، الذي حملني بخمس وعشرين مادة، أي ما يدرسه الطلاب الإسبان في السنوات الخمس، لمعادلة الإجازة الجامعية المصرية بالإسبانية. كان قد سبق لي أن عرفته من خلال كتاب له مشترك مع العلامة الراحل لطفي عبد البديع. وكانوا قد أخبروني أنه عاش في مصر التي يعشقها، إلا أن موقفه من معاهدة كامب ديفيد قطع أواصر العلاقة مع مصر ممثلة في السفارة في مدريد.
لا أزال أتذكر صورة أول لقاء حيث كان ممسكًا برسالة في يده، وطلب مني ألا أناديه بلقبه العلمي، دكتور، مما راعني، حيث جئت من بيئة جامعية تنادي المعيد بالدكتور. أحسن استقبالي لكن الدبلوماسية غلبت على اللقاء إذ كانت أجواء معاهدة كامب ديفيد تخيم على روحه. تحدثنا قليلاً عن كلية الألسن، حيث درّس هو ودرست أنا، ومن منطلق درايته بمستوى مناهجها البدائية في تلك الأثناء نصحني بأن أواصل دراسة مواد المعادلة للارتفاع بمستواي، وقد كان رغم معاناتي الكبيرة من الدراسة بين أبناء اللغة، ما حملني على مضاعفة جهدي والدراسة طوال اليوم وساعات طويلة من الليل. ثم عملت بنصيحته فلم أنتقل إلى جامعة مدريد كومبلوتنسي التي كانت تسهل الدراسة للأجانب بموجب مرسوم ملكي جديد صدر سنتئذ، وخيرًا فعلت. ثم التقينا في حلقات دراسة الدكتوراه حيث اقتربت منه أكثر خلال حلقة عن أدب توفيق الحكيم، ركز على التعادلية التي طرحها الحكيم، دون أن ينسى التعريج على وسطية المصريين. كلنا أدلى بدلوه في هذا الصدد أنطلاقًا من دور النيل وطبيعة الأرض والزراعة في أرض الكنانة. ورغم علمه الغزير وثقافته الواسعة، إلى جانب أنه مفوه، كان ينصت إلى الطلاب العرب بغية الاستزادة وفهم العالم العربي، المستغلق في بعض جوانبه، العالم الذي يعشقه.
يعد المستعرب الإسباني بدرو مارتينث مونتابيث المرجع الأول لحركة الإستعراب المعاصر في إسبانيا، وهو من أبرز المناصرين للعرب وقضاياهم، على كافة المستويات. فهو الناطق المتطوع بلسانهم، ليخاطب ابناء جلدته بلغتهم، في محاولة لتفهم العرب وثقافتهم. إلا أنه وضع ليس مريحًا، فكثيرًا ما تسبب له في ازعاج، كان في غنى عنه كأستاذ جامعة. والغريب في الأمر أن بعض العرب عاداه، إما حسدًا أو رغبة في كسب تأييده واستمالته.
أسس مارتينيث مونتابيث حركة الإستعراب المعاصر في الجامعات الإسبانية، بعد أن كان الإستعراب مقصورًا على الدراسات الأندلسية. وكان من أوائل من ألحوا على تسميته بالإستعراب، وليس الاستشراق، نظرًا للتباين بين العلم الذى يدرس الشرق كله والآخر المتخصص في دراسة العالم العربي. وبذلك فتح المجال أمام دراسة وترجمة الثقافة العربية منذ بداية الستينات، وقرأ كتب كل من نجيب محفوظ وصلاح عبدالصبور وتوفيق الحكيم، وعبد الوهاب البياتى وبدر شاكر السياب، ونزار قبأنى وسليم بركات، وأدونيس، ومحمود درويش، وعبدالله القرشى، بين آخرين.
يعرفه كافة طلاب الدراسات العليا من العرب الذين تخرجوا في جامعات إسبانيا، فهو مرجعهم الأول ومذلل مشكلاتهم العلمية والجامعية. ويعرفه الإٍسبان خارج الجامعة من خلال مناظراته التلفزيونية حول العرب وقضاياهم ومقالاته الصحافية حول عالمنا. وخلال مسيرته الطويلة في هذا الحقل المعرفي حافظ على مواقفه، فلم يفت في عضده التقلبات ولا الاغراءات، ولم يتحول إلى الضد كما فعل البعض من تلامتذته وزملائه، إذ تحول إلى مناهض لما هو عربي وإسلامي من خلال مؤسساته تسانده.
بدأت علاقته بالوطن العربي من خلال دراسة لغته في جامعة مدريد، فأثارت هذه اللغة اهتمامه، ليس فقط على المستوى اللغوى بل القضايا الثقافية. ويعترف بأنه كان محظوظًا بأن تعلمها على يد مستعرب كبير آخر، الراحل اميليو غارثيا غوميث، الذي أسره بشخصيته الجذابة التي كانت تفوق الوصف فسحره في الكثير من الجوانب: "ربما كان طابعي كأندلسي المولد له دور في هذا الامر."
عالمنا العربي يشغله دائمًا، إذ أنه يمارس استعرابًا حيويًا، أي أنه لا يقتصر على الجوانب العلمية، بل يمتد ليشمل الجوانب الأنسانية والاجتماعية. ورغم قلقه فإنه يرى أننا، أبناء يعرب، لسنا ذوي طبيعة معقدة، يصعب التعامل معها، كما يدّعي البعض في الغرب: " العرب ليسوا أكثر تعقيدًا أو صعوبة من الشعوب الغربية. وكل ما هنالك ببساطة، أنهم مختلفون عنا. وأمام هذا الوضع علينا أن نحاول فهم الآخر، المختلف، ويمكن فهمه أنطلاقًا منه، على ما هو عليه، وليس على أساس مفاهيمنا ومعاييرنا. وإذا حاولت تفسير الآخر على أساس مبادئك وأفكارك، فلن تحصد سوى الفشل. أي أنه إذا لم تفهم الآخرمن داخله، من أعماقه، كما هو، فلن تفهمه اطلاقًا."
وعن عدوانية الغرب تجاه العرب قال لي:"كثيرون من الغربيين لا يفرقون بين معنى مسلم ومعنى عربي. وفي إسبانيا على وجه التحديد، يستخدم لفظ moro ، لغويًا يعنى مسلم ولكنه يستخدم للتحقير- للمفهومين، أي لكل ما هو عربي وما هو مسلم. والعدوأنية تقف وراءها أسباب عدة، فتاريخيًا نجد أنها اسباب فريدة تضرب بجذورها في التاريخ، وتقوم على اساس أقوال مطروقة، ولم يتم الرد عليها أو مضاهاتها. أنها أسباب معاصرة وقوية، من بينها أن الغرب لايزال يرى في العالم العربي منطقة يملكها، منطقة احتلال. وبما أن الاحتلال السياسي صعب، يلجأ إلى أساليب اقتصادية للتوصل إلى امتلاكه، أي احتلاله بأساليب غير مباشرة، والعمل على اخضاعه بكافة السبل. إلا أن أحد هذه الأسباب يكمن في العرب أنفسهم، إذ لا يعرفون كيف يقدمون أنفسهم، ولا يعرفون الآخرين. يوجد خطأ كبير في الاتصال، فوسائل الاعلام الغربية، باستثناء حالات معينة، ليست مستعدة بما فيه الكفاية للتعريف بالعرب، ووسائل الاعلام العربية ليست مجهزة لمعرفة الغرب، والتعريف بالعرب أنفسهم."
كثيرًا ما يرتبط الاستشراق أو الإستعراب في أذهاننا بالإستعمار، إذ نشأ في كنفه، إلا أن الإستعراب الإسباني مختلف، ويبرر مارتينيث مونتابيث ذلك "بأن الإستعراب الإسباني كان قائمًا ومحصورًا في الدراسات الأندلسية، فكل ما كتب في الماضي كان حول الحضارة الأندلسية التي نعدها حضارتنا، وهذا لا يعنى أنها ليست عربية، فهي جزء من التاريخ العربي الإسلامى، يتقاسمه الإٍسبان مع العرب، وبقدر ما تنتمي إليكم تنتمي إلينا نحن الإٍسبان.
وعلى ضوء ذلك، سلك الإستعراب الإسباني طريقًا مختلفًا، فلم يكن كحركات الإستعراب الغربية، ملتزمًا القضايا السياسية، كان مسيسًا بدرجة أقل من الحركات الأخرى. أي أنه كان أقل ارتباطًا وخدمة للاطروحات والمصالح الاستعمارية، على عكس ما حدث في دول أخرى.
أعتقد أن هذا الاتهام لا ينطبق على الإستعراب الإسباني، ولكن هذا لا يمنع أن جزءًا منه مخترق من قبل بعض المؤسسات السياسية، وقد يكون هؤلاء المستعربون على وعي أو دونه بأنهم يقومون بنشاطات تخدم هذه المؤسسات الحكومية، ولا داعي لذكر اسماء أو حالات. عندما تتدخل السياسة بشكل مشين فإنها تقلص حرية هذا المفكر.
الإدارة الإسبانية تحاول التعاون مع الإستعراب حاليًا، وهذا شئ طيب، ولكن ليس لها أن تتدخل في طروحات وعمل بعض المستعربين. ومن يخالف القاعدة لا يحظى بالاعتراف الفكري الذى يستحقه على بحوثه ودراساته. إننى لا أزال أعتقد أن المستعرب عالم إنسانيات، فالإستعراب شكل من أشكال العلوم الإنسانية، وعليه فإن الدراسات العربية بلا إنسانية لا يمكن أن نطلق عليها صفة الإستعراب.
بيد أن العقود الاخيرة شهدت تحولاً في الإستعراب الإسباني، ليصبح معاصرًا، وأنت تعرف ذلك من واقع خبرتك، فأصبح أكثر ثراءً، يعالج القضايا العربية المعاصرة بلا مصالح، ودون أن يتخلى عن معالجة الثقافة الأندلسية، وهكذا اثبت أن دراسة هذا الجانب من الثقافة العربية لا يحول دون دراسة العالم العربي المعاصر والحديث، وهو ما يحدث في الوقت الراهن وبشكل جيد بصفة عامة. هذا في الوقت الذى يقوم بعضنا بأداء عمله في هذا المجال دون اللجوء إلى المواجهة، بل من خلال منظور التكامل الممكن والتقارب على أسس علمية ومن أجل التعاون والتفاهم ومن خلال البحوث التي نقوم بها. بداياتى أنا شخصيًا كانت في الدراسات الأندلسية. وكان تحولي إلى الإستعراب المعاصر استند إلى أن مشكلات العالم العربي مشكلات متكاملة، ولكي تفهم وتفسر الكثير من المعاصر منها عليك أن تعرف جذورها وبتعمق."
حري أن نذكر أن الإستعراب الإسباني رغم تخصصه في غالبيته في الدراسات الأندلسية، فإنه لم يحظ بالدرجة نفسها من العالمية التى نالتها حركات استعراب أوروبية أخرى، إذ نجد، على سبيل المثال، أن مستشرقًا مثل لوي ماسينيون أوجاك بيرك وغيرهما نالوا شهرة عالمية، الأمر الذى يفتقر اليه الإستعراب الإسباني. وهو أمر مؤسف رغم نزاهة الإستعراب الإسباني في مجمله: "هناك عدة أسباب، أولها ذو طابع عام، خاص بالثقافة الإسبانية المعاصرة، إذ لم تنتشر دوليًا وعالميًا، نظرًا لأن إسبانيا بقيت ردحًا من الزمان معزولة، إلى حد كبير، عن الثقافة العالمية. إضافةً إلى أن اللغة الإسبانية، رغم أنها إحدى اللغات الأكثر أهمية في العالم من حيث عدد المتحدثين بها والدول التى تستخدمها، مما يجعلها لغة عالمية، فإنها ليست معروفة بدرجة كبيرة دوليًا، وبشكل خاص في العالم العربي، فوصولها إليه جاء في مرحلة متأخرة. وحتى تلك اللحظة لم تكن منتشرة، ومعها الثقافة الإسبانية، بالشكل المطلوب. إلا أن المغرب في هذا السياق يمثل حالة خاصة. أضف إلى ذلك أن العالم العربي لا يزال يتبع، وبشكل مخيف، لغتين وثقافتين بعينهما، الإنجليزية والفرنسية، لسبب تاريخي، الإستعمار الفرنسي والإنجليزي لغالبية العالم العربي.
هذا في الوقت الذى لم تدرك إسبانيا بعد أن الوسيلة الرئيسة، على المستوى الدولي، هي اللغة، وهي ضرورية في اتصالها بالعالم الخارجي، كما أن الإسبانية لم تكن لغة إستعمار في العالم العربي. إسبانيا لم تحسن بعد استغلال ثقافتها ولغتها مثلما فعلت فرنسا، وهنا يجب الاعتراف بأن الفرنسيين أساتذة في هذا المجال في نشر ثقافتهم ولغتهم."
أفكاره عن عالم الإستعراب الإسباني التقليدي والمعاصر واضحة، ورؤيته ثاقبه في هذا الصدد. وهو من المثقفين الإٍسبان الذين يرون أن الأندلس تنتمي إلى الثقافتين، العربية الإسلامية والغربية. أما عن حضور الأندلس في الثقافة الإسبانية المعاصرة فيقول:" أعتقد أن الأندلس كانت دائمة الحضور في الثقافة المعاصرة بشكل مختلف ومتنوع، حسب كل كاتب وحسب رؤى ما هو إسباني في كل كاتب، فإذا قرأت كاتبًا إسبانيا شغوفًا بمعالجة قضية تغريب إسبانيا، أو البحث عن طابعها الغربى، ستجد أنه لا يعالج موضوع الأندلس، إذ أنه يبحث عن وهم الهوية الغربية لهذا البلد. أما إذا أخذت أعمال كاتب ذي نظرة عالمية، أكثر شمولًا واتساعًا وتعددية لما هي إسبانيا وثقافتها، فستجد أن الأندلس حاضرة دائمًا. المثال الواضح على الملاحظة الأخيرة هو الكاتب خوان غويتيصولو، وهناك كتاب آخرون، يمثلون الأدب الإسباني المعاصر ويعالجون هذا الأمر في كتاباتهم، منهم فرناندو سانشيث دراغو. الفارق إذن يكمن في الاختلاف في وجهات النظر والافكار بين كاتب وآخر. في الوقت الراهن يرون ما هو عربي من خلال ما هو أندلسى.
في الأدب العربي نجد أن الأندلس كانت ولا تزال موضع ألم، درسًا، وتجربة أليمة، ابتداء من أحمد شوقى إلى نزار قبأنى، وأدونيس. الأندلس تصاحبكم، أنتم العرب، بشكل دائم، من الناحية التاريخية والمعاصرة. إنها مصدر قلق على المصير العربي، فوضع العرب الحالي يجعل من الأندلس محورًا لتذكر أكثر فترات الحضارة العربية ازدهارًا، وفي الوقت نفسه ذكرى أليمة ومريرة، وهو ما تحمله الأندلس من معنى. إنه وضع يميز الأدب العربي المعاصر عن الأدب الإسباني، إذ أنكم تتعاملون مع هذا العنصر من جانبيه، العظيم والأليم."
وعن استقبال القارئ الإسباني للأدب العربي: "كما تعلم حدثت طفرة في ترجمة وانتشار الأدب العربي بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب، فحتى تلك السنة كانت الأعمال الأدبية المترجمة تواجه صعوبات في الانتشار بين الإسبان. إلا أنه قبل نوبل محفوظ كانت قد ترجمت أعمال، وعامة بشكل جيد، لكتاب مثل توفيق الحكيم، وطه حسين، وعبدالوهاب البياتى، ونزار قباني، وأدونيس، ومحمود درويش.
وابتداء من فوز نجيب محفوظ بالنوبل تحولت الترجمة إلى ثقافة عامة واجتماعية، اذ بدأت الترجمات تنتشر، ليس لأعمال محفوظ فقط، بل لأعمال كتاب آخرين، فكثر الكم بشكل ملحوظ وهو ما دعاني إلى التفكير في جودة هذه الترجمات، ففي الكثير من الحالات اختيرت النصوص على عجل، ولم تنق، تماشيًا مع لغة السوق. كل هذا في غياب خطة او برنامج لترجمة الكتب العربية، تختص به المؤسسات التى تهتم بالعالم العربي، وهو ما تفتقر اليه الدراسات العربية بشكل عام. هناك كثير من الدخلاء على هذا العمل، اشخاص يكتبون عن الأدب العربي دون ادنى إعداد مهني في هذا المجال، فيكتبون آراء وتعليقات بها تجاسر وغير متسقة مع النص.
على أية حال فإننى أرى الوضع مطمئنا، ويدعو إلى التفاؤل اذا تمكنا من تلافي هذه العيوب والاخطاء، خاصة أن الأدب العربي المعاصر ثري، وفي بعض الحالات صعب ومعقد، إذ كُتِب في جو يفتقر إلى حرية التعبير، وهو ما يجب أخذه في الحسبان عند ترجمته ونقده. ورغم هذه الصعوبات فأن هذا الأدب يستحق مزيدًا من الإنتشار والعالمية، وهو ما تحاوله إسبانيا."
بعيدًا عن الخطاب السياسى الاجوف عند الحديث عن العلاقات التاريخية والصداقة بين إسبانيا والعالم العربي، كان لبدرو مارتينيث مونتابيث رأي في حقيقة هذه العلاقات: " هذا حبكة سياسية، لها أهداف معينة، وهو الغزو الاقتصادي وادخال رسائل أيديولوجية. إلا أنه من حين لآخر تدرج الثقافة في هذا الاطار السياسي البحت. السياسيون قليلو الاحترام للثقافة، في كل مكان، بما في ذلك إسبانيا والعالم العربي، وعلينا الاعتراف بأن هذا خطأ. يجب التعامل مع الثقافة بما يليق بها من احترام وكرامة، فلا يمكن اعتبارها القريبة الفقيرة أو الخادمة للسياسة، ولا يمكن ترويضها ووضعها في خدمة السياسة بطريقة رخيصة ومزرية."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العنصرية سبب تباعد الشعوب
مكارم ابراهيم ( 2014 / 4 / 5 - 21:18 )
جزيل الشكر للدكتور خالد سالم على المجهود الثقافي والتاريخي الذي تقدمه للقراء
للاسف الشعوب الغربية فيها الكثير من التقدم لكن في نفس الوقت العنصرية في نظرتهم للعرب والشرقيين سببت فجوة كبيرة بين حضارتنا وحضارتهم والسبب العنصرية وعدم اعطاء فرصة للمثقفين بفهم الثقافة العربية لتقريب وجهات النظر وتقريب الشعوب من بعض بدل التباعد والتنافر وقد تناولت هذه المشاكل انا شخصيا في بداية كتاباتي على صفحة الحوا في محاولة مني لازالة الحواجز بين ثقافاتنا وتقريب الافكار لتقبل الاخر المختلف حتى عندما عملت في الراديو العراقي في كوبنهاكن كنت اختار واترجم واعد الاخبار للاذاعة مايقرب ثقافاتنا ويزيل حاجز العنصرية وعم فهم الاخر المخالف
وللاسف لايوجد الكثير من المثقفين يولون الاهتمام لهذا الموضوع
تقبل مني خالص المودة والاعتزاز


2 - نحن نتحمل مسؤولية تقزيم أنفسنا قبل الغرب
خالد سالم ( 2014 / 4 / 6 - 15:42 )
الأستاذة مكارم:
أشكرك على كلماتك وصوابك في الرأي.
بيد أنني أود أن أشير أن الأمر بأيدينا وليس بأيدي الآخرين، فنحن من نقوم بتقزيم أنفسنا طوال فترات من التاريخ. أي أننا نتحمل مسؤولية ما يحدث لنا على يد جار قوي، حافظ بشكل شبه دائم على تفوقه علينا، فكما تعلمين السياسة لعبة مصالح ولا مكان فيها للاستجداء أو التعزيم لننال رحمة ومغفرة الآخر. كلنا عنصريون، أعني البشر، وإن اختلفت درجة العنصرية حسب ثقافة كل شريحة جمعية أو فردية.
لا ننسى أن غربيين كثيرين حاولوا الخروج على سرب مجتمعاتهم تجاه العرب والمسلمين، في محاولة لتقريب المسافات، وتخفيف النظرة الاستعلائية الغربية لنا، ومنهم هذا المستعرب الإسباني العظيم، بدرو مارتينيث مونتابيث، الذي أمضى حياته كلها دفاعًا عن العرب، وما جناه مننا كان سوءًا أكثر منه خيرًا.


3 - إطلاق مبادرة لتكريمه!!
مصطفى علي ( 2014 / 4 / 9 - 11:20 )
الدكتور خالد سالم: أشكرك على افساح المجال لاعادة التواصل مع هذا المستعرب الإنساني.
لكن ما لفت نظري هو أن لا وجود لأساتذة الإسبانية والمستغربين للدلو بدلوهم حول هذا الأمر. كان حريًا بك أن تطلق مبادرة لتكريم هذا المستعرب الذي أسدى لثقافاتنا وقضايانا الكثير. أعرف أنه ساعد في الأخذ بيد الكثيرين من الطلاب العرب وأوضح الأمور السياسية والثقافية التي تخص الوطن العربي في وسائل الإعلام الإسبانية وفي المؤتمرات التي عالجت الكثير من القضايا العربية. إنه عربي أكثر من الكثيرين من العرب الذين يعيشون في إسبانيا وفي بلادنا.
أرجو أن تطلق مبادرة لتكريمه على المستوى الإقليمي، خاصة وأنه وصل سن الثمانين، كما تعلم، وبعد ذلك لن يكون للتكريم فائدة عندما يطعن في السن أو أن يقام بعد وفاته كما جرت العادة لدينا.
أكرر شكري واعجابي بالمقال الثر الملئ بالمعلومات والمواقف.


4 - تكريم جماعي بمبادرة من جامعة الدول العربية
خالد سالم ( 2014 / 4 / 9 - 20:45 )
حتى لا نغالي في جلد الذات أُذكّر بأن هذا العلامة كُرم في أكثر من مناسبة بمبادرات فردية، كان أهمها اختياره رجل العام على يد القائمين على جائزة الشيخ زايد سنة 2009، إضافة إلى مؤتمرات اقيمت له في مصر وتكريم في المعهد المصري في مدريد. كما أنني بجهدي المتواضع أعددت ملفًا كبيرًا عنه نشرته في مجلة -أخبار الأدب- في القاهرة، عام 1997، وشارك فيه كوكبة من مثقفي إسبانيا، وصديقه الراحل نزار قباني.
إلا أن هذا ليس نهاية المطاف فيجب أن يكون التكريم بشكل عربي جماعي، بمبادرة من جامعة الدول العربية.
شكري لك.

اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب