الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث عابر لا يخصني

ابراهيم الماس

2014 / 4 / 5
الادب والفن


آدم لم يحتمل عزلته على الأرض فأتهم حواء بضياع الفردوس !


ارتمى مساء آذار على راحتيه المبللتين بالوحشة ، متأخراً جلس على مصطبةٍ خشبها : ربيع قديم لشجرة ما ، وتحت مظلةٍ مكسورةٍ حدث ان صارت قبرها المعلّق بالهواء ، في وسط ساحةٍ تفيض بوحدته ، تشهد ما يتردد في داخله من اشياء ساعة يحاول ان يستعيد ما يشبه نفسه تماماً ، بهدوئه المعتاد يتخلص من فوضى الاحاديث العرضية التي تلطخ يومه الأكثر من . . . !
السماء معبأة بالغيوم حد : قطرة . . قطرتان . . حتماً ستمطر هذا المساء ولكن ما يزال هناك وقت للاغتسال بقدسية الهواء المثقل برائحة الأرض . الساعة الحادية عشر تقريباً . المدينة محشوة بالبسطاء الى اخرها
، هناك من يرتب سريره في هذه اللحظة ، وهناك من اختبأ بشعر زوجته ونام ومن يفكر ماذا سيعد للغد و و و . . . .
ربما هو الوحيد الذي اشتهى ان يتمشى على جسر نينوى القديم ، رغم انه يعرف عاقبة مشتهاه المحرّم في هذا الزمن المتسخ بالموت ولكن لا بأس بالحلم حتى ولو بأشياء اصغر من ذلك . لم انسَ ولا انسى ولا اريد ان انسى طبعا بأنني انسان يحق لي ان احلم مثلما يحق لي ان اتنفس الهواء الحر واصرُّ على ان اجمّل الاشياء من حولي ، كأن اقول لنفسي وانا اعبر صباح كل يوم من الجسر الثالث : ما اجمل الماء الممزوج بالشمس وظلال الشجر على حصباء الجزر الصغيرة حيث مالا يعد من العصافير المنهكة بإعطاء هذه المدينة تغريدها المفقود في المواسير المستعدة لإيجاد حيزاً لها في صدر الحياة .
شيء رائع ان تفاوض الوهم فتتمنى ان تصبح شجرة منتصف الجريان او اي شيء اخر لا يتدخل بما يفعله البشر . الريحُ تهب . . اذهب مع الحفيف ، يجرحني الموج . واقول لقلبي : انتَ سيّد اللحظة العابرة الى الماضي بلا انقطاع ، حمّلها ما تشاء ودسّ في جيوبها وصيتك التي تمليها على فترة العبور الى الرقدة الأخيرة .
بلا احد ، يغير مجرى الخيبات المتعاقبة ويخيب ظن الكدر ، يتحايل على المه العميق ، ليس الخطأ خطأه انما تراكمات المضي الغاص بالدم والشهوة والمصائب الموزعة بلا تساوي على البشر . المكان عقابه الجميل / القبيح / المر / الحلو ومسرح كينونته وفرحه الغامض وعذابه العالي حيث حصّته من الحيرة والسؤال : هل ثمّة جدوى غير هذا البكاء الحديث ؟
ليس من الضروري ان ترتدي قميصا جديداً او ان تأكل وجبة فاخرة ولا طبعا ان تقف بوجه ارادة اكبر من يديك ، بل ــ مرغماً ــ ان ترقص حين يرحل الجميع لتمنح الأخرين فرصةً لممارسة الاشياء التي لم تستطع ان تجد لها مكاناً في النهارات كلها . وان تجعلهم يعاودون ذلك السحر الكبير : صوتك , رفضك وكل النوافذ التي أطليت منها على البحر / الضوء .

أين تمضي ؟ وأنت محاصرٌ بالاتساع المطلق ، بنقائك المجروح بالحواجز الكونكريتية ، تلم اخبار الدنيا لتستدل على نفسك فيها ويستبيحك الاخر ، اراك ساعةً تفتّش بين اللحاء عن مكان لانتمائك ، واخرى تخبو وحيداً على حافة النسيان ، تمزّق القادم بأظفار انتظارك لشيء قد يحدث ، ولا يحدث ، تعانق كل ما هو بعيد عن متناول ايامك المرتبكة امام الوداع الفوضوي البطيء ، ودائما . . دائما ترتب ما يصوغ دربك حسب الاحتمال . تخمش المجردات بــ :

تعال معي يا ظلاً بلا احد ، سر بصوتي الى نهايات الصراخ لنردد معاً : يا نهر الفسفور في صحاري الرماد : سنواتي الحادة كخنجر يركض في لحم الافتراض الأميبي ، يا مانحا للموت صفاته وللحياة اسمها ، هي ذي نزلت من وراء الغيم ساحرةً مليئةً بالضوء على ارض اوروك ، فعد على اصابعها عشرين عاما من الحمام ، في اليوم التاسع فاض الفرات واغرق الاعشاش في الادغال ، وقبل يومين اتذكر الظهيرة : اسير معكِ ، نقطع سوق " السراي " خائفين وفرحين اكثر ، نقف عند بائع الالبسة او نشترى زيت شعر ، نشرب الشاي ونتجه صوب " الغابات " والحكمةُ تشدّني الى امّي وتقول :
لا تكن كثيراً كي لا تسقط في شَرَك الأشياء فتضيع في الهواء والشجر .

* * *

في الأول من نيسان
كان الندى يجرح حديد الجنود الذاهبين الى حتفهم !


* * *

تدعّكت ابواب الالمنيوم وارتطمت على الجدران في ( مجمع الفاروق ) خرج الاف من الطلاب متجهين ــ رغم صراخ الجنود بمواسيرهم المصوبة من خلف الهمرات ــ الى (المستشفى الجمهوري العام ) بعد نودي في المساجد على التبرع بالدم !
وكانت " الزنجيلي " نثار ازقة في مهب النار


***
بعد الطوفان
لو اكون جواركِ
عيناكِ وحدهما تتسعان لفوضاي ساعة المطر . . !

على نهر الضوء والأشياء لم يجد ما يفعله صاح : يا ايها العشب ما اجملك هكذا يرتاح اكثر .. ثم عاد الى نفس الهدوء .

***
في هذا العام اصبح عمره ثلاثة وعشرين موجة ماعدا الموت الصغير المتكرر الممزق بالكوابيس ، طبعاً ، متنقلاً بين القرية والمدينة يدرس الأدب الانكليزي ولسوء المصادفات انه امام ( الأرض اليباب ) فلا بد من قول شيء للأستاذة عن الحداثة ، فهو لا يجد اكثر ايلاماً من :
خلف الجدران . . الجدران ثمة ــ دائماً ــ بذرة للنقاء العظيم !

***

كان يردد : الازقة قضبان تحاصرني ! يهمس بصمت لا يسمعه الا من جرب الركض حراً في برية بكر ، تخمشه الريح الخفيفة على المرتفعات المعشبة ، يضنيه الزغب المتفجر تواً . . تأخذه اليوم الى ما وراء الانسان فيشتهي ان يكون شجرة على درب ما ، او حصاة في حقل قمح يذهبها آذار بريشته قبيل الأصيل .

يعود ويعاود السؤال المر : كيف انسلخ عنهم ، اولئك الراكضون مثل ارقام الدعايات والمتشكلون حسب انهيار الاقتصادات ونموها ، اصمت ساعة . . ساعتين . . أثرثر لا كما يثرثر الاخرون ، بطريقتي الشخصية ، انا العاطفي الذي لا اثق الا بما يمليه عليّ فم اللحظة العابرة ، قلبي يطير خلف نسمة وردٍ تطير من ياقة امرأةٍ حسناء / تشتعل بفتنتها واحترق ! الحرب لا تلد الا الحرب و"ميار " ضحكتها زلال وشمس ، اخاطبها كلما اخرني ألأرق : يا نجمة الفجر الاخير ، هنا ، على هذا التناقض الاقدس ، اقول شعركِ واقصد عمري المنحدر على الصخور / الثواني . احبكِ يا غابة التفاح يا حجر البدايات المبهمة يا خضرة الأرض يا ظلم العالم !
دائماً على هذا التداعي ، لأني عرفت مؤخراً ان الصمت اصلح من الحنجرة وان التشرد بلا ارصفة هو اقسى من الشوارع ، واني حين اشعر بالبرد افكر بصيف جسمك ! واني امسك نفسي واقول : ( يا المي كن عاقلاً ) واعيد تعريف البديهيات :
المرأة : شقٌ في جدار الزمن ، نهرب منه الى الابدية بما يفيض عنّا من شعور بالملل الكبير وماذا بعد . . ؟ الموهبة : هروبنا جميل والمعذب من الذات حيث الجحيم ولا شيء اخر . . !
. . كان جالساً عند زاوية البيت الحجري القديم ،المطل على الحقول المنبسطة بلا انتهاء وعلا بساطه الاحمر متحررا من كل شيء الا المكان ، يدخل في صحوٍ يتيم ، الأخبار رماد اوجاعنا ، تنثره تمام الساعات على البسطاء !
كان جالساً في مقهى شعبي ، يقلد عادات الناس ويشرب الندم ، كم انفجار علي ان اعبر حتى اصل ( المجموعة الثقافية ) ؟ كم جميلة ستكون معي في الباص ليكون الموت اسهل ؟ اي شظية لا تخطئني و رواية ستفوتني في الليل ــ بعدي ـ عند شباك اول المطر ؟ ماذا يبقى مني في ذاكرة ( ميار ) تلك الجميلة التي اخرتني سبعة انهار حين تحدثت عن حبها لي ؟
اي . . اي . . اي ؟ لن تموت حين تفكر بالموت . لكن من علمني ذلك ؟
هل نسيتُ ذلك الذي كان يضحك قبل موته بــ . . . تماماً قبل موته ولم يجدوا جثته ؟

كان جالساً في حديقة اطراف عينيها .. ميار ، يحدق في النمش الخفيف على صدرها ، ذلك المأخوذ من ريش القبرات في فجر القرى وتلك الشامة في عنقها الشبيه بمساء ريف منقوع ، ويفقد تركيزه ، يخبرها بذلك فتضحك ، كانت تسأله عن النهر الذي يمر بمحاذاة الجبل ولا يعرف كيف يقول لها : كم هو رائع لو نسكب دجلة في كأس ان نكون معاً هناك !

كان على سريره مستيقظاً حين نام القمر ، يخاطب الاغنية التي تقول : ( عيونكم تبرالي نجمة تدور بيه شما تريد .. طافت بروحي حنان وقربت مني البعيد . . )

لا تسكري جرحي بخمر التي رأيتُ على صدرها جزر الحصى
فمنذ ذلك اليوم وانا اندم . .

كان جالساً قرب النهر يحلم بــ ميار و يشتهي النوم مع الحصى تحت الجريان !
كان جالساً على مصطبة خشبها : ربيع قديم لشجرة ما ، كسر وحدته سؤال صديقه بعد برهة من جلوسه على المصطبة ذاتها :

ــ ماذا تريد من الحياة ؟
ــ لا ادري تماماً ، لكنني وفي هذه اللحظة بالذات ، احلم ببيت بسيط يطل على نهر ، و امرأة جميلة تفلّ مساء ضفائرها على شبابيك روحي ساعة الريح !


*انتهت *









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الجمال والالم
مطلق الماس ( 2014 / 4 / 6 - 14:39 )
اين تمضي وانت محاصر بالاتساع المطلق ، تمزّق القادم بأظفار انتظارك لشيء قد يحدث ولا يحدث ، انه لشيء رائع ان تفاوض الوهم وتعد على اابعها عشرين عاما من الحمام فهي الشق الاخير في جدران الزمن نهرب منه الى الابدية . نص شعري مليئ غاص بالحيرة والتساؤل والتامل .العميق لمدينة تفترسها الحرب

اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال