الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات مختزلة في الزمن والنسيان

سعدي عباس العبد

2014 / 4 / 5
الادب والفن




لشد ما تربكني الذاكرة ..ذاكرتي المثقوبه ..التي لم تفلح في الحفاظ على تلك الصور .. صور امكنة الطفولة الاوّلى .. لا ادري كيف تسربت من الثقوب ..بالمناسبة كيف تسنى لِثقوب انّ تحدث ؟ او مَن احدثّها .. اعني بالثقوب , النسيان الذي يقابل او يعادل الامحاء او المحو في فعاليته المدهشة وهو يلغي او يمحو ما كتبناه في الورقة .. الورقة تساوي الذاكرة وتعادلها في قوّة الحفظ والأرشفة .. الذاكرة تؤرشف تلقائيا على نحو آلي بمنأى عن القصدّيه .. فيما الورقة تخضع لِفاعلية وإرادة الآخر .. الذاكرة ايضا تساوي الجمال او تنتجه عبر استعادة الصور , استعادة تحوي ضمنا متعة وسحرا ينتجان شعورا بالمتعة , فيما يتعلق بالذكريات او الصور الأثير , التي تركت اثرا ما , جميل له صدى في النفس . اثر يبقى مطبوعا على جدار الذاكرة لوقت ما غير معلوم , قبل انّ يتعرض إلى التلف او ينال من جماله النسيان او يصيبه احد عوارض الزمن .. صور امكنة الطفولة هي الاشد تأثيرا بتلك العوارض الزمنية . وما تبقى من التالف , محض بقايا شاحبة تترواح في عملية الاستراجاع او الاستعادة مابين المتخيّل المنتج من المخيال ومابين الوقائع الباهته التي بالكاد ادراكها ..تلك البقايا تحت تأثير فاعلية التخريب الزمني تاخذ طابعا حلُميا او تنحوى ناحية الحلُم ..فيغدو التالف حلُما . حلُم في امكنة ومشاهد خيّل لنا إنها حدثت ذات وقت ما .. مع إنها كانت حدثا ومشهدا التقطته عدسة كاميرا الذاكرة ذات وقت ما او زمن ما .. الزمن والذاكرة خصمان لدودان . الاوّل ينشط في عملية المحو والتخريب , واتلاف سائر ما اشتغلت عليه الذاكرة في مراحلها المبكّرة ..سيما تلك التي لها صلة او وشيجة بالتجربة الاوّلى او الامكنة الموغلة في البعد والنأي .. الزمن يتضامن مع النسيان فينتج ما يعرّف بعملية المحو .. في المقابل تنشط قوى الذاكرة عبر تضامنها وتعاضدها مع قوى المتخيّل .. فتجهد لترميم وتأثيث صور الامكنة عبر اضافات تسقطها المخيّلة على الاجزاء المغيّبة اوالتي غيّبها الزمن عبر جريانه المطرد .. فلانعود والحال هذا نستطيع انّ نميز فنفقد القدرة على فرز المتخيّل عن الوقائع ..لكن ما الغاية من تفكيك صور الامكنة المتخيّلة المتداخلة مع الوقائع في التحام شديد الوشيجة والاتصال ..اظن هناك متعة جمالية تدعونا لِذلك .. متعة كامنة في الداخل غير واضحة الملامح .. بيد انها تنشط لا شعوريا في الذاكرة كما اظن ولا ادري مدى موضوعية ما اذهب اليه ..غير اني استشف ذلك عبر انطباعي او مايتركه الانطباع من تأثير ..فالفتاة في الرواية التي كنت قد كتبتها .. الفتاة التي كانت حبيبتي وكانت تلك الطفلة التي لها صلة قرابة من بعيد بأمّي قبل انّ تصبح او تغدو لاحقا في طور المراهقة حبيبتي . هل هي حقا تلك الطفلة بكامل صورها وامكنتها المطبوعة في الذاكرة ام حدثت اسقاطات من عندياتي . اسقاطات انتجها الحبّ والوله ..ملامح تلك الطفلة التي غدت حبيبتي فيما بعد , بقيت لوقت عصيب تحتفظ بملامحها في ذاكرتي ..ثم شعرت على نحو ما في وقت لاحق بتخلخل الملامح فتخلخلت صورة المكان تلقائيا في الذاكرة .اقصد حدث انتاج ملامح مغايرة للاصل ..لم اتحسس ذلك عبر مدركات عقلية او لها صلة بالعقل ..انما حدث الامر على نحو اقرب ما يكون الى التدرج غير المحسوس او حدث نتيجة لعمليات شعورية خفيّة متراكمة .. فصورة الفتاة التي كانت طفلة وعلاقتها الحميمة بالمكان لم يعودا نفسيهما . فقد اسهمت الذاكرة في تحولهما او بمعنى اخر قامت المخيّلة في انتاجهما ..هذا التحول في ملامح الاشياء هو على نحو ما , يعد ابداعا تنتجه المخيّلة الموهوبة .. ابداع لم تعمد فيه المخيّلة الى الخلق وانما هو كان نتاج الزمن في تداخله مع نشاط الذاكرة الخفي ..اما النشاط الفني يكون نتاج مخيّلة لا تعتمد الحياد في التصورات انما تجهد لخلق عالما قائما بذاته ليس للزمن او النسيان والمؤثرات الموضوعية الاخرى اي شأن ..عالم قائم جوار العالم الواقعي .. بيد انّ الحنين والانشداد إلى الذكريات وما تركته الامكنة عبر علاقاتها بالنفس من انطباعات تؤدي دورا ياخذ مساحة جوهرية في الانتاج والخلق ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظروا لقاء مع أبطال مسلسل دواعي السفر وحوار مع الفنان محمد


.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال




.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت


.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص




.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..