الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لارا و أحمد

طوني سماحة

2014 / 4 / 6
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


ما ذنب الطفولة؟
لارا طفلة، ربما في الثالثة أو الرابعة من عمرها، والدها مرنم في جوقة الكنيسة، تتفاعل مع أنغام الترنيم في إحدى كنائس كيرجيستان، الواقعة على حدود كازاكستان، أوزبكستان و تاجكستان. أحمد صبي في الثامنة من عمره يحمل رشاش كلاشنكوف، يطلق النار، يدخن السجائر، يكبّر (الله أكبر) و يرمي عبوة ناسفة تنفجر على بعد أمتار منه، و الرجل الملتحي الى جانبه يؤكد للعالم أن مدينة حلب مليئة بأمثال أحمد.
يا للعار!
ما ذنب الطفولة؟ ما ذنب أحمد؟ ألا يستحق هذا الصبي، أسوة بأقرانه في العالم، عائلة حنونة و بيتا دافئا و طعاما مغذيا و ماء نظيفا و مدرسة محترمة و أصدقاء أوفياء؟
يا للغباء!
منذ متى كان ابن الثمانية يصلح ان يكون صديقا لابن العشرين و الثلاثين؟ و ماذا يريد ابن الثلاثين من ابن الثمانية؟ و أي مستقبل هو ذاك الذي ينتظر أحمد؟
من يدري؟ قد تكون لارا بعد عشرين سنة قائد فرقة موسيقية ذائعة الصيت في أنحاء العالم. قد تكون ربة بيت تحيا في منزل متواضع أو ربما فخم، تتنعم بعائلتها الصغيرة، تؤمن لهم الطعام و اللباس، تهتم بتوفير افضل وسائل العناية الصحية لهم و ترسلهم الى أفضل المدارس. و سوف يكون أتراب أحمد في سائر أنحاء العالم قياديين و أطباء و مهندسين و عمالا و موظفين و أرباب عائلات بينما قد يكون أحمد أو لا يكون. و إن هو كان، قد يكون مبتور اليد أو الرجل، يعاني من نقص في الغذاء أو البصر، أسنانه تساقطت لعدم الرعاية الصحية، و يعيش في مكان هو أشبه بالمنزل، جدرانه من معدن أو كرتون. بعد عشرين سنة قد يكون أحمد رب عائلة يحوم حوله أطفاله الجياع أشباه العراة بعد أن يكون قد نقل إليهم لعنة الحرب و ثقافة الموت و إرث الجهل و التخلف.
بعد عشرين سنة، سوف تساهم لارا و أتراب لارا حول العالم بتحسين اقتصاد بلادهم، و ايجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية و البيئية، و تحسين أداء المدارس و الجامعات، و إيجاد فرص العمل للأجيال الطالعة، فيما يكون أحمد جاهلا، لا يعرف القراءة أو الكتابة. سوف يكون أحمد جزأ من المشكلة بدل أن يكون جزأ من الحل في بلاده. سوف يكون أحمد و أقرانه عالة على المجتمع، جزأ من منظومة الفقر و الجهل و التخلف، مرفوضين و محبطين.
بعد عشرين سنة، قد تكون لارا مواطنة في كيرجيستان، أو قد تنتقل لتحيا في نيويورك أو باريس، فيما لن يجد أحمد بابا يفتح له سوى باب بيته المهدم و حيّه الفقير و بلاده المدمرة. قد يكون جار لارا مسلما أو أسود اللون، أو فقيرا أو هندوسيا، قد يكون رجلا او امراة، لكنها تتعايش معه بوئام و سلام، لكن أحمد قد يكون قد طهر الارض من الذين لا يشبهونه و بذلك يكون قد سجن نفسه من زنزانة الجهل و الحقد و التخلف.
هنيئا لك يا لارا! فلتفض بركات السماء عليك. مسكين أنت يا أحمد! أنت ضحية موروث و جهل و غباء ثقافي و اجتماعي. أنت تتنشق ثقافة الموت و لا يمكن لك في المستقبل سوى أن تنفث سموم الموت. لا أعرف بماذا غرروك و ضحكوا عليك، فأنت ما زلت صغيرا على منظومة الحوريات، لكنهم استغلوا طفولتك و براءتك ليجعلوا منك مسخا. ليت ملاكا يأخذ بيدك و يخرجك من أتون النار. ليت فارسا شهما ينتزعك من براثن الوحوش. ليت أما حنونا تحتضنك و تعطيك بيتا و حبا. أنت، و الاطفال الذين من عمرك، لا تستحقون الموت، يا أحمد، بل تستحقون ان يكون لكم مدارس و نوادي و مستشفيات. السلاح لن يفتح لك ابواب المستقبل و لا ابواب السماء يا احمد، إنما الكتاب، و الكتاب وحده، هو تأشيرة دخولك الى عالم مشرق و مزهر.
أنا أخشى عليك يا أحمد أن تصير مسخا و تترك وراءك إرثا من الموت و المجازر. لكن إثم الذين ضحكوا عليك و استغلوا طفولتك و براءتك أعظم من إثمك. أرجوك يا أحمد، تب و ارم البندقية و احمل كتابا.

يمكن للقارئ مشاهدة مقاطع فيديو لارا و احمد على الروابط التالية:
https://www.youtube.com/watch?v=gE9r1LkRCV0 (لارا)
https://www.youtube.com/watch?v=lZSzDEh0Ltk (أحمد)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحجاج يتوافدون على عرفات لأداء ركن الحج الأعظم


.. الحرب في أوكرانيا.. خطة زيلينسكي للسلام




.. مراسل الجزيرة مؤمن الشرافي يرصد آخر الأوضاع في مدينة رفح


.. كيف هي الأجواء من صعيد عرفات؟




.. مراسل الجزيرة يرصد أراء الحجاج من صعيد عرفات