الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا حدث للمصريين في ثلاث سنين؟

عماد عبد الملك بولس

2014 / 4 / 6
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ماذا حدث للمصريين في ثلاث سنوات؟
(2011 - 2013)


تستطيع الأعوام الماضية الثلاثة أن تتيه علي قرون مضت، بوتيرتها اللاهثة و استعصاءها علي الفهم، و الكم الفائق من الأحداث الذي حملته، و فوق كل هذا، التأثير العظيم الذي عكسته علي الشعب القاطن في هذه البقعة من الأرض، و اللذان اسمهما مصر.

و أهم ما مر بنا في هذه السنوات الثلاث هي الاستثمارات الكبري التي لم نحظ بمثلها في التاريخ، فكل الدول تقريبا مَوًلت شخصا أو جماعة، له أو لهم أنشطة ظاهرة أو خفية، و تدفقت أموال لم تطلبها مصر لأول مرة في التاريخ. و تعلقت آمال جهات كثيرة بسقوط مصر المنشود، و تعطش كثيرون و اشتهوا دماء المصريين، و انعقد رجاء جارف من هؤلاء علي فناء قوتها و اختفاء أهميتها و زوال تأثيرها، بل و محوها من الوجود و محق اسمها و شعبها.

في هذه الأعوام الثلاث نُهبت مصر كما لم تُنهب علي مدي قرون، و سُرق ما يوازي نصف احتياطيها من الغاز في الشمال !!!! و سُرقت حقوقها المائية في الجنوب، و لا ننسي سرقة بترولها و ذهبها و مائها من الشرق و الغرب المستمرة من أمد ليس بقريب. ناهيك عن عرق أبنائها و نتاجهم الفكري و البحثي الذي يُسرق ليل نهار،أما التاريخ، فحدث و لا حرج، بل و الأبناء أنفسهم يتم سلبهم و اقتطاعهم من رحمها لزرعهم في مزارع أخري لا تدر خيرا إلا لسادة العالم.

ثلاث سنين لا نتحدث إلا عن ثورة، و نحن أبعد ما نكون عن أي تغيير، ثلاث سنين لا نتكلم إلا في المباديء و النظريات، و نحن ندوس المبدأ و ننتهك العلم و نمتهن العلماء، ثلاث سنين لاكت ألسنتنا كلمة "الحق" مئات الآلاف من المرات، و لا مرة عبدناه أو قدسناه و لا استنرنا بنوره لمصر، و لا ابتغيناه سيدالا نرد له أمرا، بل خدعتنا أوهامنا فتصورناه عبدا لأهوائنا و ترفعنا عليه بعقولنا و أضأنا محضره بلهيب أحقادنا و تلبيسنا و خداعنا.

ثلاث سنين هتفنا فيها ملايين المرات باسم "مصر"، و رفعنا أعلامها، و لكن كلا منا كان في قلبه يتساءل عن المكسب، في قلب كل منا كانت مطامع و أهواء ما بعد النصر، و نسينا أن نمسك كل واحد بيد أخيه، بل اختبأت كل يد من الأخري، ثلاث سنين أنكرنا فيها وجوهنا ووجوه إخوتنا و طمسنا ملامح الإنسان في كل محيا.

ثلاث سنين شربنا الدماء و أكلنا اللحوم من أبناء أمنا، و لا نزال نتوهم أننا بشر، ثلاث سنين صمتنا و تكلمنا كفرا و عهرا و شرا و لكن في ثوب الإيمان و البر و الخير، ثلاث سنين لا نقتات إلا بالخداع و لا نرتوي إلا بالكذب حتي نسينا مذاق الصواب و الحق.

ثلاث سنين تعامينا و تغابينا و تغافلنا و تجاهلنا و تلاهينا عن مصر، عنا نحن مصر، و تركناها (و تركنا أنفسنا) فريسة لكل طامع و لكل فاسق و فاجر و لكل كاره لها (لنا)، كنا نخاسيها كلنا، قاتليها كلنا، جاحديها كلنا، يا للعار... و نحن لا نشعر، يا للجحيم.

ثلاث سنين قبلنا أن يعمل الجميع و يعيثوا فسادا في بلادنا و نحن تائهون، خاملون، غافلون... جاءت بلاد الدنيا و دخلت و خرجت محملة بما اشتهت و بما لم تتخيل أن تحصل عليه، فالأعداء السارقون لم يسرقوا الخيرات و الثمرات و الماضي فقط، بل حاولوا (و ما زالوا) سرقة المستقبل أيضا، و لم لا و أهل البلاد غافلون يتقاتلون و يتعامون عن اللصوص و يتذاكون علي بعضهم البعض إن تنفس أحدهم نفسا أكثر من أخيه.

سًرقت مصر، سُرق تقريبا كل ما فيها!!! و عن كيفية ًسرقة الأرض، فبتبويرها، و البحر و النهر و الهواء؟ فباحتكارها أو إفسادها، سًرق أمن مصر يتدمير رجاله أخيرا، و إفساد عقيدتهم علي مدار عقود، سًرق القضاء بتسييسه، سًرقت حكومة مصر بزرع الإهمال و اللامبالاة أخيرا (اللذان هما أشر من الخيانة) في كوادرها و إفساد الإدارة علي مدار عقود... و لم يتبق إلا الجيش، الذي أصابه ما أصاب المجتمع من أمراض علي مدار عقود، و ما زالت محاولات سرقة و إفساد و تدمير الجيش مستمرة.

و الآن ليس مطلوبا أقل من ثورة حقيقية، نسترد بها مصر، ثورة علي أنقسنا، و علي مثالبنا و أخطائنا، ثورة ننتظر أن يقودها فينا رئيس مصر القادم (كلي أمل!!!) إذا أحسن ترتيب أولوياته. انسوا الأمن و الاقتصاد اللذان خدعنا بهما أنفسنا ثلاث سنين، الأولوية لضبط الإدارة حيث أصبحت البلاد سائلة بلا كيان، إدارة علمية تكتشف قوة سوق عمالة من أكثر من ثلاثين مليون عامل يستطيعون بناء هرم كل يوم، و بعد الإدارة و معها القضاء علي الفساد القاتل لأي عمل صائب أو تجمع بناء، ثم وقف النهب و السلب المنظمين (و هذان فوق الفساد المسكين الذي يرتزق فقط) فالنهب نهب منهجي، يهدف إلي لتدمير إرادة البلاد حرفيا و استعبادها لرغيف الخبز، ثم بعد هذا فصل الدين عن السياسة و آخر الأولويات البطالة.

هذه هي إجراءات العناية المركزة لمصر علي يد الرئيس القادم من وجهة نظري، و التي بدونها لا معني للأمن و لا حياة لاقتصاد، هذه هي شروط إعادتنا للحياة و ذلك بالقضاء علي مسببات الموت الحقيقي، و إذا فعلنا هذا، استقام الأمن و شعر الناس بالعدل ووجد المهمشون سبيلا للحياة بدلا من الاحتجاج و التظاهر التي لا طائل من ورائها.

هكذا خًدعنا ثلاث سنين، و تلاعب بنا و بعقولنا كل من هب و دب، و كل عابر سبيل، هانت علينا مصر (هًنٌا علي أنفسنا) فهًنٌا علي العالمين، فهل نفيق؟ هل نتعافي؟ هل نلفظ موتنا و نفتح أبوابنا للحياة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الواقع المصرى
Sherif.H ( 2014 / 4 / 7 - 13:51 )
الأستاذ الفاضل : عماد عبد الملك
أحيانا اكون من المتابعين لكتاباتك و أرائك من خلال منبرك فى الحاور المتمدن وأود التعليق على رأ ى اليوم تحديدا حيث أنى أرى المفهوم أشمل و أوسع من الثلاثة اعوام المنصرمة لأنى ببساطة أرى أنه مصر بعد ثلاث سنوت هى نفسها مصر قبل 30 سنه و إن كنت أتفق معك فى ان جرعة السنوات الثلاث أكثر تركيزا ...ليس هناك فى مصر من لا يتكلم عن -الازمة - او -المحنة- فسواء كان الموضوع هو الاقتصاد او المجتمع او السياسة او الثقافة - ما اسرع ان ترد عبارات مثل محنة الاقتصاد المصرى ، او تدهور الاخلاق و القيم ، او مأزق السياسة فى مصر او انحطاط الثقافة المصرية ،إستعادة الملف الأمنى .هيبة الدولة .....الخ ..وكأن هذه العبارات لم تكن موجودة من قبل
فالاقتصاديون المصريون ما زالوا يشكون من اختلال الهيكل الانتاجى وعلماء الإجتماع مستمرون فى ترديد مصطلح الفساد و المحسوبية و السياسيون يشكون من ضعف روح الولاء و الإنتماء للوطن و الناشطون لم يسكتوا عن حق ممارسة العمل السياسى و الراى و الديموقراطية ومازال هناك من يحمل هموم قضية الثقافة فى مصر..أنا معك فى العلاج الإدارى ولكن ما رأيك بعلاج الأخلاق اولا.


2 - الأستاذ شريف
عماد عبد الملك بولس ( 2014 / 4 / 7 - 14:21 )
شكرا لمروركم و تعليقكم

أوافقكم أن الأزمة أزمة قديمة زادها حراك الأعوام الثلاثة المذكورة حدة، و هذا ما ذكرته إجمالا في المقال بذكر تداعيات العقود السابقة لهذه الأعوام

أما التركيز علي ما حدث مؤخرا، فهو محاولة للفت النظر لتفاعلاتنا، و التنبيه أن بأيدينا نحن - المصريين - و ليس بأيدي غيرنا أن نتغير و نُغَيٍر للأفضل، أما كيف نُغَيٍر فلا أري - من وجهة نظري - سبيلا إلا العمل و العلم و العدل، و هذه تحمل الإطار العام للعمل الجماعي في أي دولة، أما الأخلاق فعامل قيمي فردي، و يمثل قيمة عليا لكنها لا تحمي المجتمع و إنجازاته و تماسكه و تطوره بقدر العمل (لا يقدر جائع عاطل أن يتمسك بالأخلاق كثيرا) و العلم (الذي يضمن التطور و التقدم) و العدل (الذي يعطي كل ذي حق حقه)، و أخيرا أشكركم مرة أخري

تحياتي

اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟