الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جينالوجيا الأخلاق : دراسة في أصل الأخلاق و قلب القيم

عزالدين بوركة

2014 / 4 / 6
الادب والفن


في كتابه جينالوجيا الأخلاق الصادر سنة 1887، تناول نيتشه الحديث فيه عن أصل ونقد القيم الأخلاقية. وطرحِ أسئلة متعلقة ببعض المسوشميات Masochismes (البحث عن اللذة عبر الألم) الأخلاقية والاجتماعية والسياسية..
طارحا اشكاليات فلسفية، عن أصل الأخلاق و محددات القيم وأصولها التي عرفها الإنسان مند النشيئة الأولى ..
******
كيف ظهر هذا (الشيء الغامض) الذي هو الشعور بالخطأ، كيف ظهرت هذه الآلهة التي نسميها "الشعور بالذنب"؟ [أليس] التصور الأخلاقي الأساسي لكلمة "خطأ" يرجع أصله إلى فكرة "دَيْن" المادية؟ أو إلى العقاب باعتباره انتقاما قد تطور في استقلالية تامة عن أية فرضية تتعلق بحرية الاختيار والإكراه؟ (جينالوجيا الأخلاق)ّ

الصالح والشرير-الحسن والقبيح
>>احتراماتي إذن للأرواح الحارسة التي ربما ترعى مؤرخي الأخلاق هؤلاء ! ومن المؤكد، مع الأسف، أن الحس التاريخي ينقصهم، وأن كل الأرواح الحارسة عبر التاريخ قد تخلت عنهم.<< 1
بلا شك، كل كتب نيتشه نُظِر إليها برؤية مهاجمة/مضادة للهيكلية anti-hégélienne كما أشار إلى ذلك جيل دولوز في كتاباته وخاصة كتابه المعنون Nietzche، لأن نيتشه هاجم المسيحية في عمقها اليهودي المنشئ pre--script--eur للأخلاق.. الهجوم attaque الذي ليس له أي علاقة مع هجوم بوير Bauer (1809-1889 فيلسوف الألماني تأثر به كار ماركس أنجلس وغيرهما) .
في كتابه جينالوجيا/أصل الأخلاق، يعتبر نيتشه ، أن الأقوياء les puissants /النبلاء "الارستقراطيين" من اعتبروا/وفعّلوا/ أفعالهم actes على أنها الصالحة، مانحين أنفسهم الحق في خلق القيم التي فُرضَت على الضعفاء/العبيد/الخاضعين.. وثم العبيد المستضعفين عملوا على قلب القيم (قيم النبلاء) وإعطاءها معاني جديدة تخدم مصالحهم. لقد حقدوا على السادة فقرروا الانتقام. يقول عن الحقد اليهودي أنه "أعمق وأسمى حقد عرفه العالم"، هو الذي أدى إلى رفع العبيد ووضع السادة من خلال أكذوبة الإله الذي يصلب نفسه من أجل خلاص البشر. 2 "هذا هو ما جرى: من أرومة شجرة الانتقام والحقد اليهودي، وهو أعمق وأسمى حقد عرفه العالم، من الحقد المبدع للمثال، من حقد الذي يغير العالم، الحقد الذي لم تعرف له الأرض مثيلا" (ج. الأخلاق ص-27-28). هذه الأخلاق الجديدة [أخلاق العبيد]، ما هي إلا أخلاق الفقر، والمأساة، والزهد renoncement. الأخلاق القائلة (لا) للعالم الخارجي، المُضْطهِد، (لا) للنبلاء القائلين (نعم) لسعادة العالم الممتلئ باللذة الحيوانية، العالم العُدواني. إن اللذة والسعادة اللتين هما موضوع المسألة هنا، بالإضافة إلى الرغبة ترضيان ولكن لا تميزان سوى نموذج ما عن الحياة، الحياة الضعيفة والمنحطة التي عقيدتها الأخلاق.. بتأثير هذه الأخلاق، انعدم الوجود المثالي بإله الديانة المسيحية. وكانت الفلسفة دائما إما على خط اللاهوت الصريح، وإما معينة باحترام العقائد عندما لم تكن التبعية المفتوحة مصرحا بها. وكان التجريد الفلسفي ينشط من جهة ثانية في المحافظة على التبعية لأنه يستطيع المرور مرتاحا بترجمة الكلمات المفتاح في الإيمان الديني بلغة علمانية. وفي النهاية كان يكفي صيانة الأسس الأخلاقية. بيد أن هذا الحذر لم يلجأ إليه إلا في العصر الحديث بعد الهجمة العنيفة الموجهة إلى الديانة في عصر الأنوار. قبل هذا لم يتردد إما بتأليه القيم والطرق التي كانت وظيفتها تقوية تمثل الوجود المثالي، وإما بتدخل الله كأساس لعقلنة الوجود وسعادته.3
احتقر نيتشه الدين المسيحي بشكل ليس له مثيل , كما اعتبر أن الحضارة الأوروبية على وشك الانهيار في حال ما واصلت تمسكها بالدين المسيحي والمثل العليا القديمة لأن انهيار تلك القيم القديمة سيؤدي لحالة فراغ أو فجوة هي ( العدمية ) . من هنا تبدأ تظهر ملامح الإنسان الخارق لنيتشه ومفاتيح تلك الشخصية أي الإنسان المتعالي أو السوبرمان وفلسفة إرادة القوة حيث يرى أن الضعفاء في العصور السابقة قاموا بابتداع المثل العليا لتحقيق مآربهم , فقام بمهاجمة كل القيم والمثل العليا القديمة..*
الضعفاء خدعوا وأخضعوا أنفسهم للحفاظ على أخلاقهم.. أوهموا وتوهموا بكلام وإيمان وأفكار- هم صانعوها- يراها النبلاء، انتقاما باطل.. من أخلاقهم وقيمهم.. بالنسبية لنيتشه فأخلاق الأقلية(النبلاء) والأغلبية(الضعفاء/العبيد) ما هي إلا قلب للقيم ذاتها...
*****
في المبحث الثاني من كتاب ج. الأخلاق، يشرح نيتشه كيف استطاعة العبيد جعل السادة يتحولون من سباع ضارية إلى أناس رحماء يؤرقهم تثبيت الضمير على ما اقترفته أيديهم. 4 "إنهم يتحولون فيها إلى التفكير والاستنتاج والحساب وخلط الأسباب بالنتائج، هؤلاء التعساء ! إنهم يتحولون إلى ضميرهم إلى أعضائهم الأضعف والأعوج. أعتقد أنه لا يوجد على الأرض مثل الشعور بالضيق أكثر إزعاجا وثقلا"( نيتشه- جينالوجيا الأخلاق).
بقلب القيم يُحكم على الحياة بالزوال. واجتياز مرحلة العدمية، هذه المفردة [العدمية] التي نجدها سابقا عند جاكوبي، وجون بول تورغيف والفوضويين الروس، التي استعارها نيتشه نفسه من بول بورجيه، تستخدم للدلالة عند نيتشه على ماهية الأزمة المميتة التي ضربت العالم الحديث، سقوط القيم العامة إلي أغرقت الإنسانية في غم العبث وذلك بأن فرض عليها اليقين المتشائم الذي لا قيمة لشيء معه.5 هذا الاجتياز للعدمية يؤدي حسب نيتشه إلى الطريق نحو الإنسان السامي. ونستطيع القول أن أول محاولة فلسفية جدية في هذا الشأن [القيم] كانت هي محاولة نيتشه. فالفعل الأكبر لنيتشه ليس في السبق إلى هذا المبحث الفلسفي الجديد، مبحث القيم (ولو أن هذا وحده فضل لا يمكن الحط من قيمته) بقدر ما هو في تصريح بما كانت تنطوي عليه النهضة العلمية الحديثة ضمنيا. وفي التعبير عن الفلسفة الكامنة في كل تقدم أحرزه العقل البشري.. أعني في تأكيد خلو العالم من القيم، التي لا يخلقها إلا الإنسان ذاته، ولا تضفيها على العالم إلا مطالبه وحاجاته. 6

فمن أين أتت القيم إذن؟
يجيبنا نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زرادشت" بأن خالق القيم هو الإنسان وليس لها خارج الفعالية الإنسانية، أي كيان واقعي، فالإنسان هو الذي أضفى على الكون كل ما فيه من معنى، و يظن مع ذلك أنه قد "اهتدى" إلى ذلك المعنى فحسب..7 : "الحق أنهم لم يتلقوه، ولم يجدوه، ولم يهبط إليهم من السماء !"-نيتشه
.
أصل العدالة: الوعي الخاطئ
الفعل الأخلاقي، جعل الإنسان كائن متوقعة أفعاله، ومحكوم gouvernable.
العقاب وتذكر الألم، سمحا لإخضاع الكائن الضعيف، الذي يخزن في ذاكرته وعوده السلبية "لن أفعل هذا مجددا" أو "لا أريد". غاية في الفوز بامتيازات تعويضية لخضوعه للمجتمع.. ليكون هذا الكائن سيدا على الآخرين/الأضعف. بالنسبة لينتشه فهذا يتطلب أن يكون الإنسان l’être سيدا حرا في ذاته ولذاته ولوعوده ses promesses : "هذا بالضبط هو التاريخ الطويل لأصل المسؤولية. ولمهمة انتخاب حيوان يستطيع إعطاء وعود شرط أولي، مثلما سبق أن رأينا، هو جعل الإنسان إلى حد ما حازما ومتسقا وشبيها بأمثاله ودقيقا، وبالتالي متوقعا. العمل الضخم الذي أسميته "أخلاقية العادات" [...] فالذي جعل الإنسان متوقعا هو أخلاقية العادات وقميص المجانين الاجتماعي لا غير.." 8
الخطأ، والدين، والألم، والشعور بالذنب، و الأسف: كلها متشابهة، كما ينظر إليها نيتشه في أطروحاته، ما هي إلا تعويض ودعوة إلى القسوة/المرض/ cruauté (مرض/حب النظر إلى/و الإحساس بالألم) بين الدائن والمدين الذي أُخْضِع للا ينسى وعوده.. (مهاجما كانت) "لا شك أن الشعور بالذنب مرض، ولكنه أشبه بالحمل" (ج. الأخلاق). تذكر الوعود يترسخ في لاوعي الضعيف/العبد، فيصير هو نفسه الوعي الخاطئ و الإحساس بالذنب "أعتبر الشعور بالذنب مرضا خطيرا كان لابد أن يصاب به الإنسان تحت تأثير ذلك التحول الأكثر جذرية من كل التحولات التي مر بها، التحول الذي حدث لما وجد نفسه مقيدا بغُل المجتمع والسلم." (نيتشه-ج الأخلاق).
فيكبت الإنسان تمرده وينقلب على نفسه، مانعا ظهر فطرته الداعية للتحرر. "أضف إلى ذلك أن الغرائز القديمة لم تتخل دفعة واحدة عن متطلباتها ! ولكنها كانت تجد صعوبة، وأحيانا استحالة، في تلبيتها، مما أرغمها على البحث عن تلبية جديدة وخفية. كل الغرائز لا تتحرر إلى الخارج، أي التي لا تتم تلبيتها، تعود إلى الداخل، وهذا ما أسميه استبطان الإنسان: بهذه الطريقة ينمو فيه ما سنطلق عليه لاحقا اسم (النفس)" –ج. الأخلاق.
يعكس بالتالي ببساطة عدالتهم: الدولة لم تكن أبدا نتاجا لعقد. الدولة في بداية ظهورها قد دخلت مسرح الأحداث متخذة طابع المستبد المرعب، طابع الجهاز القاتل والعديم الشفقة، استمرت في ظهورها بهذا المظهر إلى أن تم لها، بعد أن صارت المادة الخام ل شعب لا يزال غارقا في الحيوانية عجينا لينا، تشكله على طريقتها.
ينظر نيتشه للدولة غلى كونها جماعة من السباع الشقر، أنها عرق الفاتحين والسادة الذين يَنْقَضّون دون تردد، وهم مسلحون بنظامهم الحربي وبقوة التنظيم.. هذا هو أصل الدولة على الأرض.. يقول نيتشه "وأظن أننا قد أنصفنا أنفسنا من ذلك الوهم الذي يَرُدّ هذا الأصل إلى "العقد".
لنأت في النهاية إلى فكرة القوة المثقلة هي نفسها بلوازم ثقيلة. في مواجهة على المستوى النفسي حيث يحلل شعور القوة، يرجع الأساس في حكم نيتشه إلى النص التالي"وجدت القوة حيث لا يبحث عنها، عند الناس البسطاء، اللطفاء، المفضلين، والأقل ميلا للسيطرة-بالعكس يبدو لي ذوق السيطرة إشارة إلى الضعف الداخلي، إنهم يخافون لأنفسهم العابدة فيذكرونها بمعطف ملكي (وينتهون بأن يصبح عبيد أنصارهم ومحازيبهم، وعبيد شهرتهم). إن الطبائع تحكم ضرورة دون أن تحتاج ولو لرفع الإصبع، ولو إنعزلت في كوخ". بيد أن فكرة القوة تحيط بالإطار النفسي وتكون كلية الوجود في الأعمال الفيزيائية التي كان نيتشه يحب مراجعتها.
كلمة الختام:
نيتشه شاعر الفلسفة وفلسفة الشعر..وجوديته -أو عدميته- قصيدة لأنه بالفعل يفهم الحياة من خلال اللغة والكلمة.. قال: أن مجمل فلسفاتنا هي إعادة تركيب وبناء للغة..
اللغة هي الفهم.. إذا تغيرت..تفجّرت .. تغير الفكر.. تغيرت النظرة.
المراجع:
1- نيتشه جينالوجيا الأخلاق-ترجمة محمد الناجي ( ص-20)
2- (ص-6)- نفس المصدر-المقدمة
3- جان غرانييه-نيتشه(ص-64)
4- جينالوجيا الأخلاق
5- (ص-33)- نيتشه-جان غرانييه
6- زكرياء ابراهيم-نيتشه (ص-54)
7- نفس المصدر (ص-56)
8- (ص-50) ج. الأخلاق
*-موقع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟