الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أصبحت أوكرانيا معضلة للأميركيين، حين أرادوها ورقة ضاغطة على روسيا تقدم معها تنازلات في موقفها الخاص بسوريا؟؟؟

ميشيل حنا الحاج

2014 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


الأميركيون كعادتهم دائما يخطئون في تقييم الأمور، ولا يغوصون عميقا في دراساتهم الاستراتيجية قبل الاقدام على تنفيذها. فقد أخطأوا في"ايران" عندما قدروا أن تقديمهم الدعم للاسلاميين ممثلين بآية الله"خميني"، سيأتي لايران بنظام يقاتل السوفيات (الكفرة) نيابة عنهم، اذ سرعان ما انقلب الايرانيون عليهم وتوجهوا لمناهضة الأميركيين عوضا عن مقاتلة السوفيات,
الأمر ذاته وقع في "أفغانستان". فعندما نجح الاسلاميون المتشددون المسلحون من قبل الأميركيين، في اخراج السوفيات من بلادهم، انقلبوا على الأميركيين الذين سلحوهم ودربوهم على فنون حرب العصابات.
الشيء ذاته تكرر في "سوريا". فقد شجعوا "تركيا" على فتح حدودها أمام المقاتلين القادمين من الخارج بتمويل وتسليح خليجي، ليقاتلوا النظام السوري، فاذا بهم يقتتلون فيما بينهم، ويسعون لاحلال نظام ارهابي متشدد محل نظام علماني، وهو نظام سيبادر الى مقاتلة الأميركيين أنفسهم اذا استقر الأمر لهم، كما حصل في "ايران" وفي "افغانستان".
وها هو الأمر يتكرر في "أوكرانيا" التي أشعلوا الفتنة فيها، ليشاغلوا بها "الاتحاد الروسي"، ساعين لتحقيق ثلاثة أهداف، كما اعتقدوا في دراساتهم السطحية، وهي:
أولا) ابعاد "الروس" عن مطالبتهم بتكريس نظام تعدد الأقطاب ليحل محل نظام القطب الواحد،
ثانيا) اشغال "روسيا" عن القضية السورية والتخلي عن بعض طموحهم، بل طموح قدامي القياصرة، في الوصول برا الى البحر الأبيض المتوسط، مع ابعادهم أيضا عن المياه الدافئة المتوفرة في البحرالأسود نتيجة ما ستؤدي اليه الثورة الأوكرانية من الغاء لاتفاقية تواجد الأسطول الروسي في ذاك البحر،
ثالثا) اكتساب "أوكرانيا" كسوق جديدة للسوق الأوروبية المشتركة، وذلك كخطوة تمهيدية لضمها الى حلف "الناتو" واحكام السيطرة على "روسيا" بتوسيع القبة الحديدية المحيطة بها والمناهضة لها.
ولكن كما سارت الأمور في الاتجاه الخاطىء في كل من "ايران" و"أفغانستان"، وهي تسير أيضا في الاتجاه الأكثر خطأ في سوريا، فانها قد بدأت مرة أخرى تسير بعكس السير الذي ابتغي من وراء اشعال الأزمة الأوكرانية.
ولا بد من ملاحظة أمر هام، وهو أن النار الأوكرانية لم تشتعل من تلقاء نفسها، اذ كان هناك مخطط بادي الوضوح لاشعالها. فرغم العديد من التنازلات التي قدمها الرئيس الأوكراني "يانوكوفيتش"، استمرت المظاهرات ضده في التصاعد. وبلغت ذروتها بعد ساعتين من توقيع اتفاق بين الطرفين - المعارضة والحكومة - رعته دول الاتحاد الأوروبي، وجرى التوقيع عليه من الطرفين تحت اشرافهم في 21 شباط، وتضمن موافقة "يانوكوفيتش" على اجراء تعديلات دستورية توزع بموجبها السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، كما تضمن التعهد باجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل نهاية العام.
ولكن المظاهرات المعادية للرئيس الأوكراني المنتخب شرعا وبطريقة ديمقراطية، عادت للتفجر بعد ساعتين فقط من توقيع الاتفاق، وتخللها عمليات قنص أدت الى وفاة قرابة السبعين شخصا. وعندما وجه اللوم للمعارضة على تنكرهم للاتفاق والعودة الى التظاهر والعنف، برروا ذلك بأن الرئيس الأوكراني لم ينفذ تعهداته بتعديل الدستور. وكان ذلك المبرر يشكل مهزلة واضحة كشفت عن وجود نوايا مبيتة يرجح أنها بتشجيع أميركي أوروبي. فكيف يتم تعديل دستور دولة ما خلال ساعتين، مع أن الدعوة لاجتماع المجلس النيابي بصفته مجلسا دستوريا، كانت تقتضي لالتئامه بعض الوقت وربما أياما. فاجتماع كهذا، وقرار دستوري كهذا، لا يعقل أن يتم خلال ساعتين.
ومع ذلك، فان خطأ الدول الأوروبية التي رعت الاتفاق وأشرفت على الوصول اليه، بعدم ردعها للمعارضة على سلوكها ذاك، قد أكد وجود مطامع مبيتة لديها، دون أن تدرك مدى عواقب عملها ذاك، لعلها مقدرة أن "روسيا الاتحادية" سوف تستسلم للأمر الواقع الذي كان يجري تغييره على الأرض الأوكرانية، وأن تلك الدول سوف تجني خيرات ذاك التغيير الجاري فرضه بأساليب القوة والعنف. ولكن الرياح لم تأت كما تشتهي السفن.
فعلى الصعيد الاقتصادي، فان السوق الأوكرانية قد يكون فيها بعض المنافع لأوروبا، لكنها في المقابل تضع أعباء كبرى عليها من حيث اضطرارها لتمويل أوكرانيا بغية تغطية العجز المالي لديها والمقدر بثلاثة وثلاثين مليار دولار ستنوء دول أوروبا بها، بعد أن تحملت مؤخرا أعباء العجز المالي في "اليونان" و"قبرص" و"اسبانيا"، في وقت تستبعد فيه امكانية سرعة ضم "أوكرانيا" الى الاتحاد الأوروبي وخصوصا في الوقت الحاضر.
وفي مقابل المنافع العائدة من اكتساب السوق الأوكراني كسوق جديد لبضائعها، فانها ستدفع ثمنا باهظا يتمثل في خسارة الغاز الروسي الذي يزود مصانعها بثلاثة وثلاثين بالمائة من احتياجاتها من الوقود، اضافة الى خسارة السوق الروسي الذي يستورد ثلث احتياجاته من دول أوروبا، وخصوصا من المانيا، مع قدرة روسية على استبدال استيرادها من الدول الأوروبية الى دول مجموعة "البريكس" التي هي عضو فيها، وتتشكل من دول صناعية كثيرة منها البرازيل، الصين، الهند، اندونيسيا وبلدان أخرى.
أما على الصعيد العسكري، فان روسيا الاتحادية قد كشرت عن أنيابها، وأقدمت على خطوات فاجأت أميركا والدول الغربية، عندما قامت باسترداد "شبه جزيرة القرم"، بل وقامت بحشد قواتها على الحدود الشرقية لأوكرانيا حيث أكثرية السكان من الروس، بل وألمحت الى اهتمامها بالمواطنين الروس المتواجدين في دول أخرى ضمن القبة الحديدية، ك "لاتفيا وأستونيا وليتوانيا"، حيث يقطن هناك قرابة المليون وسبعمائة ألف مواطن روسي، اضافة الى غيرها من الدول التي كانت تشكل جزءا من "الاتحاد السوفياتي" السابق وتضم مواطنين روس، مما شكل تلميحا الى اعادة بناء الاتحاد السوفياتي بقيادة رأسمالية.
وهكذا تحول الاعتراض، بل والقلق الأميركي والغربي من ضم "شبه جزيرة القرم" ل"روسيا"، الى السعي لاقناع "الاتحاد الروسي" بعدم الدخول الى شرق أوكرانيا والتخلي عن فكرة حماية المواطنين الروس في الدول التي تضم ضمن رعاياها عددا كبيرا من المواطنين ذوي الانتماء الروسي.
فالموقف الروسي المتشدد المتصرف كصاحب حق، وكقطب قوي في عالم متعدد الأقطاب، كشف ليس عن رفضه فحسب للأمر الواقع الذي حاولت أميركا وحلفاؤها من الدول الأوروبية فرضه، بل أكد أيضا رفضه للمخطط الأميركي بالتوجه نحو ضم "أوكرانيا" كخطوة لاحقة الى حلف "الناتو" تمهيدا لاحتوائها ضمن مخطط القبة الحديدية المشكلة من مجموعة من الصواريخ المتطورة تحمي دول "الناتو" من خطر هجوم مفاجىء، اضافة الى تجاهل الروس لتوقعات أميركية بتنازلات روسية في مواقع نزاع أخرى كسوريا مثلا.
فالدب الروسي الذي نزع رئيسه"بوتين" عن نفسه جلد الدب البطيء في تحركه، وارتدى ثوب الثعلب سريع التنقل والحركة، في وقت غلف فيه "لافروف" وزير خارجيته نفسه برداء الذئب، أكد أن "روسيا" مستعدة لكل شيء الا تقديم التنازلات، لا على صعيد القرم، ولا على الصعيد السوري، مع احتمالات بالهجوم على شرق اوكرانيا لتحرير المواطنين الروس من الحكم الأوكراني اذا لم تجر الأمور على هواها.
وعلى ضوء ذلك، كان طبيعيا أن يتبدل الموقف الأميركي من المضي بفرض مزيد من العقوبات على روسيا، الى مفاوضات صامتة بالحفاظ على ما تبقى لهم من "اوكرانيا". وقد يجري نوع من التبادل الصامت بين الطرفين: لا تهاجموا شرق اوكرانيا، ونحن لا نهاجم "سوريا"، بل وربما لا نزود المعارضة بأسلحة ثقيلة او متطورة، مع احتمال بأن يتم الاتفاق على العودة الى "جنيف" على أساس الاتفاق الضمني السابق قبل جنيف 2 بالسعي لمحاربة الارهاب قبل كل شيء.
ويعزز هذا الاحتمال ، أن التصريحات التي جرى الادلاء بها أثناء زيارة الرئيس "أوباما" للرياض في نهايات شهر آذار، وتضمنت وعودا بتزويد المعارضة السورية بصواريخ أرض جو محمولة لتعزيز موقفها في مواجهة الطيران السوري المتفوق، قد تم لحسها مؤخرا بذريعة المخاوف من وصول تلك الأسلحة لأيد المعارضة الشريرة، أي المتزمتة والمرطبته بالقاعدة، واستعيض عنها بوعود بتدريب المعارضة المسلحة تدريبا أفضل.
وهكذا نلاحظ أن ما أريد تحقيقه من وراء اشعال الأزمة الأوكرانية دون دراسة وافية للعواقب المحتملة، ربما بدأت تعود بالوبال على "أوكرانيا" والمصفقين لها. فلا تراجع روسي عن موقفها من تعدد الاقطاب، ولا تراجع عن موقفها من القضية السورية التي يمثل بقاءها دولة علمانية حديثة مستقر ة، ضمانة للحفاظ على المصالح الروسية في المنطقة، مع خروج الروس بصيد ثمين، هو استعادة "شبه جزيرة القرم" الذي سيبدأ الغرب تدريجيا بتقبله كأمر واقع، مقابل تعهد روسي بعدم مهاجمة شرق أوكرانيا، وعدم ملاحقة مطالبها الخاصة بالرعايا الروس في دول الاتحاد السوفياتي" السابق، وخصوصا أولئك المتواجدون في الدول الاسكندنافية الثلاث والذين يشكل عددهم نسبة واضحة من السكان.
ميشيل حنا الحاج.
عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية (Think Tank).
عضو في مجموعة (لا للتدخل الأميركي والغربي) في البلاد العربية.
عضو في ديوان أصدقاء المغرب.
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية.
عضو في لجنة الشعر في رابطة الكتاب الأردنيين.
عضو في جمعية الكتاب الأليكترونيين الأردنيين.
عضو في اتحاد دول المقاومة: ايران، العراق، سوريا ولبنان.
عضو في تجمع الأحرار والشرفاء العرب (الناصريون(
عضو في مشاهير مصر.
عضو في منتدى العروبة – وفي عدة مجموعات أخرى كثيرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدم المنازل الفلسطينية وتوسيع المستوطنات.. استراتيجية إسرائي


.. مجدي شطة وا?غانيه ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. قتلى واقتحام للبرلمان.. ما أسباب الغضب والاحتجاجات في كينيا؟


.. الجنائية الدولية تدين إسلامياً متشدداً بارتكاب فظائع في تمبك




.. فرنسا.. أتال لبارديلا حول مزدوجي الجنسية: -أنت تقول نعم لتما