الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقاسيم (قصة قصيرة )

سمرقند الجابري

2014 / 4 / 7
الادب والفن


هل كانت ملامح وجهي هي التي تربطني بكم ، إذن لماذا لم اعد احبكم فجأة بعد عودتي من ساحات القتال مشوهاً ، أكلت الانفجارات تضاريس وجهي ونخرت تلك المأساة أجمل زوايا اتزاني من دون ان تعرفوا، كما حصل لعصا النبي سليمان(ع).
لا زلت اتذكر خميس انكساري قبل عشر سنوات كأنه اليوم ، حين ألقوا القبض عليّ في بيت خالي (علاء) وأنا لم ازل أحلم بمزيد من الحمامات الزاجلة لقفصي الصغير ،كنت بطلاً حين خبأت عن فطنة امي تمردي على ارادتها وهي التي تحلم بي مهندساً وانا كاره للمدراس ومن يدخل إليها ، لا حلم لي غير زواجي من " فاطمة" إبنة خالي التي تعلمتُ معها بان الحب ممكن في زمن الموت الازرق، كنتُ اتوق الى من يفهم خارطة حزني ، لإمرأة تفهم حبي للطيور وخوفي من الاماكن المرتفعة وعشقي للخبزالساخن ،لانسانة لا اخجل امامها من قمصاني المثقوبة ومن أبي السكير ومن فقر عائلتي الذي تأسس منذ الطوفان الاغر لنوح (ع).
حلمت دوما بالعمل مع خالي سليل الصبر كالاتقياء، والاقتران بأبنته ، ولكنهم القتلة ، أقصد من يعشقون الحروب ويدفعون لها خيرة الحالمين بالغد، حينما ساقوني كالخروف الى معسكر التدريب ، وأجبروني على ارتداء بدلات بلون الطحالب تفوح منها رائحة من سنقتلهم ، لنتدرب على تمزيق الارانب التي أحببناها منذ فجر البراءات الاولى، ولنقاتل رجالاً اعلم انهم تركوا ورائهم أشياء كثيرة يحبونها وحملوا بدلها الاسلحة مثلنا مرغمين!
ثكنات الجيش لا خبز فيها ، غير اني اشم رائحة الارغفة كلما دفنتُ المساء بحروف الحبيبة ، لأزف كل الاحلام لهودج فاطمة ، وأنحت خيالاتي متصوراً أن كل الرصاصات التي عبأت بها بندقيتي ما هي إلا حبات حنطة لأرشها فوق حماماتي في سطح خالي المنتظر لعودتي .
الرسائل رابطنا الوحيد ، تأتي كل أسبوع مثل ماء الجنة على قلب تائه في صحراء تحمل اخبار الحي ،أهل الدار، هديل الشباب على أغصان نهاراتي، اشتاق بعدها لصراخ أبي فهو أهوّن من وقع الصواريخ وأوامر الضباط ، اشتقت للعاطلين عن العمل الذين كنت اقرضهم ما استطعت كي لا يفوا بديونهم وان أقسموا بكتب الله ،أفتقد رائحة الحساء الذي تطبخه جارتنا كل مساء وترسل لنا طبقا منه كي لا ننام بلا عشاء.
أعادوني الى بيتي بعد معارك " ديزفول"* مشوهاً ، لم أكن احلم بغير الشفاء ، استجمعت الكثير من حب الله لارمم وجعي، واقدر على النظر في المرآة ،استجمعت حبي لفاطمة كي استجيب للعلاج الطبيعي في مستشفيات بنتها الدولة ذاتها التي دفعتنا للحرب، ذات الدولة التي دفعت ثمنا للاسلحة التي نحارب بها أكثر من الادوية التي قد تصلح بعضاً مما قد يجازي تعب امهاتنا وانتظار الحبيبات على شرفات صارت نهشاً للاتربة، من يصلحنا من ذكرى سرفات تلوك أضلاع اصدقائنا وتمر ساخرة على حقائب براءاتنا المنتحرة.
تزوجتْ من كنتُ اُمني سنواتي بالاكتحال بعطرها من رجل آخر، لانهم يأسوا من اعوام قضيتها في المشافي لاصلاح خرائب عمري ، باع خالي طيوري كلها وغادر البلاد بما تبقى من اولاده كي لا يزجونهم في المعارك عنوة ، اختار المنافي على وطن شبانه ينضجون مبكراً فتأكلهم الاسئلة ويستردهم الله هرمين كسفنٍ قديمة.
وحدها أمي بقيت على ابتسامتها وصلاتها ، لا زالت تبحث عن عروس ترضى برجل له ثلاثة اطراف يعتاش من راتبه الاعرج ، ولم تعلم باني لستُ حاقداً على أحدغير اني صرتُ اكرهُ كل الناس بالتساوي!
وحدها فاطمة ظلت كل إسبوع ترسل لي بيد زوجها أرغفة ساخنة، وحساءا يحمل رائحة الامس المسلوب ،لا شيء يرممنا كالحب إذن ، لذا عدتُ لشراء الحمائم ، والبحث عن عمل يناسب قلب رجلٍ يظن ان الحرب لا يجب أن تهزم الاحلام.
ـــــــــــــــ
* ديزفول: اسم مدينة ايرانية حصلت فيها معارك شرسة بين العراق وايران .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خسائر الحرب
أسعد محمد تقي ( 2014 / 4 / 8 - 01:20 )
يميل الكثيرون عند محاولتهم ذمّ الحرب إلى تعداد خسائرها في القتلى والمال وقطع السلاح وربما في الحصيلة النهائية عدد الكيلومترات التي خسرها هذا الجانب أو ذاك , ولكنهم يتناسون حقيقة مهمة هي - حجم التخريب - في أرواح من بقي من الجنود المشاركين وكم هو عدد الأحلام المجهضة وكم هو عدد الذين اكتسح نفوسَهم الكره لهذا العالم وباتوا لايرون فرقا بين أن يتنفسوا هواء الأرض أو تُدْفن أجسادهم خامدة تحت التراب نهبا لديدانه, باختصار-كم هو عدد الزهور التي أُجهِض إنباتُها ونموها في حديقة هذه البلاد التي ابتليت برعونة لا مثيل لها,رعونة العم سام الذي أراد أن يملأ الفراغ البريطاني في مناطق نفوذ بحاجة الى سياسيين محنكين فعهد بها إلى سياسيين هواة أداروها بواسطة دمى لا تعرف غير الجريمة منطقا ويبدو إن القاصة سمرقند بدأت بحساب الخسائر الحقيقية لتلك الحرب المجنونة وليس غريبا أن نكتشف حجمها الهائل من خلال هذه اللغة الجميلة وهذا الأحساس الذكي بما يمكن أن يكون خسارة حقيقية . أن يحب المرء أرنبا ويجد نفسه قاتلا له ذلك هو الجنون ,أن يتخيل المرء رصاصات يعبئها في بندقيته حبات حنطة يرشها على حماماته ذلك هو شكل الموت الحقيقي

اخر الافلام

.. الأهلي هياخد 4 ملايين دولار.. الناقد الرياضي محمد أبو علي: م


.. كلمة أخيرة -الناقد الرياضي محمد أبو علي:جمهور الأهلي فضل 9سا




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 34.5 مليون جنيه إيرادات


.. … • مونت كارلو الدولية / MCD جوائز مهرجان كان السينمائي 2024




.. … • مونت كارلو الدولية / MCD الفيلم السعودي -نورة- يفوز بتنو