الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدعاية الانتخابية... 1 انهم يشبهوننا

اسماعيل شاكر الرفاعي

2014 / 4 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الدعاية الانتخابية

1 ــ انهم يشبهوننا

اسماعيل شاكر الرفاعي

انطلقت أكبر فعالية من فعاليات الدعاية الانتخابية للدورة الثالثة من الانتخابات البرلمانية .. لم يستبق المرشحون الزمن الذي حددته الهيئة المستقلة للانتخابات للبدء بالاعلان عن الذات ، لقد تقيدوا بالموعد المحدد ، ولم يدفعوا صورهم الى الهواء الطلق قبل تاريخ الاول من نيسان .. وهكذا اكتظت شوارع بغداد وساحاتها العامة بصور المرشحين منذ صباح ذلك اليوم ...
قلت في نفسي وانا امعن النظر بهذه اللوحات الزاهية : ــ انهم يشبهوننا ... لا غرابة في سحن الوجوه ولا في تقاسيمها الاخرى ، فهم عراقيون لحماً ودماً وعظاماً ... ولكنني تساءلت : هل يكتفي الناخب العراقي من مرشحه بهذا الشبه ، ويعلق آماله على المشترك الجغرافي والبيولوجي في وقتنا الراهن ؟ وهو وقت لا يشبه الاوقات المنصرمة التي كان فيها الانتساب الى جد واحد ، أو مفترض ، هو الحاضنة الفعلية لنمو عصبية الفرد للقوم أو الجماعة ؟ ...
يكتشف المرء ان ثمة تناقض صارخ ، بين ما يجب ان يكون عليه المرشح / السياسي ، من وعي ضروري بجوانب حركة الاحداث التي يتشكل منها التاريخ : تاريخنا وتواريخ الامم الاخرى ، وبين ما يتشبث به من لقب عائلي أو قبيلي أو مناطقي ... لقد لاحظنا في انتخابات مجالس المحافظات شعارات رافقت صور المرشحين مكتوبة بخط عريض من قبيل : محافظتي أولاً ، وبعضها امعن في زاوية النظر الانطوائية هذه ( خاصة في المحافظات والاقضية والنواحي ) وخط الى جانب صورته : مدينتي اولاً ، وهو تعبير يفصح عن المسكوت عنه : عائلتي أو قريتي او قبيلتي أولاً ... هذا الالتصاق بالمحلية يعبر بدقة عن ان عموم المرشحين يشيرون مطمئنين الى فوزهم القادم بالانتخابات ، نظراً لكون اللقب الذي يذيلون به اسماءهم ، يدل على مجموعة بشرية هي قبيلة او مدينة ، تضم حضوراً سكانياً تكفي اصواته لفوز المرشح ، وهذا ما يؤكده اسراع تلك المجموعة البشرية التي ينتسب اليها المرشح الى الاعلان عن فوز قريبهم في الانتخابات ــ قبل ان تقررها صناديق الاقتراع ــ بتعليق لافتات تزف البشرى بالفوز الى مرشح القبيلة او المدينة او القرية ...
انهم يشبهوننا.. اسماؤهم هي اسماؤنا ، والقابهم هي القابنا ، ولاجسادهم ما لاجسادنا من متانة وطول ، ولفروة شعر رؤوسهم ما لشعر رؤوسنا من لون اسود او مائل الى السواد ، وتغلب عليهم مثل ما تغلب علينا هموم ثلاثة عقود من الحروب الخارجية ، وما قادت اليه من حروب داخلية ، وما اسفرت عنه هذه الحروب من بشاعات في القتل والتدمير ، وصلت الى درجة تفخيخ الجسد البشري وتفجيره في الاماكن العامة ، وفي دور العبادة وفي الاسواق ، وفي دوائر الدولة ...
لا يشبه عضو البرلمان الياباني عضو البرلمان البريطاني ، لا في النسب ولا في الجينات الوراثية ، ولا حتى في ما هو عليه من تقاليد ومن عادات ، ولكنهما يتشابهان الشبه كله في زاوية نظرتدفعهما للعمل على تعظيم شعور مواطنيهم بالانتماء الى هوية كبرى جامعة هي الدولة الوطنية .. وهما يشبهان في زاوية نظرهما هذه عضو البرلمان الاوربي والروسي والهندي ، وكل اعضاء برلمانات الدول التي درجنا على تسميتها بالمتطورة والمتقدمة والمرفهة ، والتي نتطلع الى محاكاتها في الوسائل والطرق التي ابتكروها وجعلتهم يعيشون حياتهم برغد وهناءة ، ويصرفون شؤونهم العامة بالكثير الكثير من العدالة والمساواة...
يكرس برلمانيو البلدان ذات العراقة الديمقراطية اوقاتهم ، طيلة الفترة التي تستغرها عضويتهم في البرلمان والحكومة لصالح ترقية الهوية الكبرى : الوطن ، أي انهم لا يضمنون ممراً الى قلوب ناخبيهم الا بالانجاز .. وماذا يعني الانجاز في وعي ناخب هذه البلدان ؟ ترقية شروط العيش في الحياة ، والتي لا تتم من غير تطوير الاقتصاد ، والبحث عن المنافذ الداخلية والخارجية التي تسرع من وتيرة هذا التطوير ، والنجاح في هذا المسعى لا الفشل فيه ، فناخب هذه البلدان لا تغريه سحنة الوجوه ولا نقاء الدم ، ولا طول القامة وثخن الشارب : انما يغريه برنامج المرشح ، ثم برنامج حزبه او تكتله السياسي الذي لا قيمة له عنده ، ان لم يكن برنامج العمل على تحسين شروط العيش في هذه الحياة لا في حياة أخرى ...
هل الارتفاع بمستوى شروط العيش في الحياة يتطلب الالتصاق بكل ما هو محلي والتغني بالالقاب ؟ وهل تحسين شروط العيش في الحياة يتطلب الادمان على الاستمرار بكتابة القصائد العصماء للتغني بالجغرافيا الصماء ، واهمال كل ما هو ناطق ، وما ينطوي عليه هذا الناطق / الانسان من توق الى انهاء شكل الحياة السائد في المكان / العراق : بما فيه من اضطراب وفوضى ، وبما تشير اليه هذه الفوضى من تمرد فردي وجماعي على القانون ، تلعب فيه السلطة السياسية ( وانا لا اعني بالسلطة السياسية هنا ائتلاف دولة القانون فقط بل كل الكتل السياسية الممثلة في الوزارة ) دوراً اساسياً من خلال التصاقها بما عليه الناس من اعراف ، وتمجيدها على انها هي الاصالة ، والدعوة الى احلال هذه الاعراف الموروثة محل قوانين الدولة في ادارة شؤون الناس ( كمثال : مبادرة وزير العدل في الدعوة الى احلال القانون الجعفري محل القوانين المعمول بها منذ 1959 وما حضي به من تزكية من قبل مجلس الوزراء ) ...
نحن نفترض بان الدعاية الانتخابية التي ابتدأت بصورة صماء غير ناطفة ستنتهي كما ابتدأت بوجوه صماء هي الاخرى وغير ناطفة : اذ ستعيد استنساخ الدورة الانتخابية السابقة بما قادت اليه من ازمات وكوارث ، وليس بما حققته من انجازات : اذ خلت تماماً الدورة المنتهية من اي انجاز على كل المستويات وانتهت نهاية كارثية : بان جعلت الناس تلتفت بقوة الى قواقعها القديمة : القبلية والطائفية وتحتمي بها ، بل ودفعتها الى المطالبة بدولها الخاصة .. هكذا زيفت الممارسة السياسية للدورة الانتخابية السابقة وعي الناس ، واخرجتهم من عصرهم ورمت بهم الى صحارى عصور سحيقة في القدم ، وجعلتهم يشعرون بأن لا أمل بالخروج من تخلفهم الا بالارتداد الى الوراء ، الى تخلف أشد وانكى : التسبيح بحمد طوائفهم وقبائلهم ورفض كل تنظيم للحياة يقع خارج هذه التظيمات البدائية .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس