الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحرش حكومي

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 4 / 8
كتابات ساخرة


أثق كثيراً بمصداقية الإحصائيات القائلة أن أغلب الفتيات في العاصمة اليمنية صنعاء يتعرضن للتحرش..و أتفق أيضاً مع التبرير الذكوري السائد و القائل أن الفتاة هي السبب في معظم تلك الحالات عن التحرش الحاصل لها..لا أبداً لا فخ هنالك و لا تراجع عن مواقفي المُسبقة السابقة..و لكني و أخيراً مللت من مهاجمة المتحرشين و المطالبة بقانونٍ يدينهم..فطالما أن المجتمع اليمني يوافق على التحرش كفعلٍ غريزي يساعد على تفريغ الغريزة -و لو مؤقتاً- فلأنضم إلى ركب الأغلبية و لأكف عن تخلفي الدائم عنه..و لأكون صادقةً أكثر فلقد قررت أخيراً أن أقف مع الجانب الأقوى حتى لو كانت قوته تلك تستند على تكرارٍ مملٍ لحجةٍ واحدة فقط لا غير ألا و هي أن الفتاة بتواجدها الفسيولوجي فقط في أي مكان فهي من تعمل على إثارة غرائز من حولها.

و لهذا و بعد هذا التنازل الخطير و التراجع الكبير في المواقف و التي كنت أعتقد أنها صامدةٌ كصمود سفينة نوح أثناء الطوفان أتمنى أن أحصل في المقابل على ذات الموقف من الجانب الآخر..كيف؟؟..أعني أنه كما نمارس بكرمٍ عربيٍ أصيل خلق المبررات للمتحرش فأتمنى أن نمارسه أيضاً -و بذات الكرم- مع كل الفئات الأخرى..و لنختر كمثالٍ بسيط أكثر البشر إثارةً للإدانة من قبل نسبةٍ لا بأس بها من المواطنين اليمنيين و أعني بذلك علي صالح.

فبعد تفكيرٍ مطول في فلسفة سياسة التبرير لم أجد مبرراً حقيقي لكل تلك الهجمات الشرسة المنطلقة نحو علي صالح لتنهش لحمه ليل نهار و منذ أكثر من 3 أعوام..فعند قراءة تاريخ حياته سنجد أن أغلب المبررات لكل ما فعله بنا ظاهرةً للعيان..فعلي صالح عاش طفولته في بيئةٍ فقيرة لا تعيبه و تمتاز بطبقيةٍ مقيتة تعيب من هم حوله..و بسبب تلك البيئة عرف معنى الجوع الفقر و أن تكون في أسفل السلم الاجتماعي..لهذا عندما أصبح رئيساً لليمن تمثَّل بالنار فكان يردد دائماً بأفعاله "هل من مزيد!!"..و مبرره لهذا التصرف الحكمة العبقرية القائلة:"من لم يشبع على مائدة أبيه لن يشبع أبداً".

علي صالح تحرش بعرض المواطن اليمني عن طريق سرقته خفيةً ثم جهاراً و من خلال عشرات الصفقات التي تم فيها بيع اليمن بما فيه -رغم قلته- و بمن فيه -رغم عدم قيمتهم- و كل هذا في مقابل عمولاتٍ زهيدةٍ نسبياً..تلك التحرشات كانت منتظمة خلال فترة حكم علي صالح الطويل جداً و تدرجت من السرقات المتواضعة إلى بيع البلد في المزاد العلني..أراك ستسألني ماذا كانت ردة فعل المواطن اليمني؟؟..تستطيع أن تقول أن ردة فعله تدرجت كما تتدرج ردة فعل الفتيات تجاه التحرش الجنسي بهن..البعض استمتع بالأمر و البعض الآخر رفضه و لكن بصمت و البعض رفضه بكثيرٍ من الصراخ و الإدانة و البعض رفضه بصوتٍ مسموع فقط بينه و بين ذاته..اختلفت ردات الفعل و لكنها تقاطعت في نقطةٍ واحدة و هي أنك لو سألتهم جميعاً و علناً:"هل تعرضتم للتحرش؟؟" سيخبرك أغلبهم بكل كبرياءٍ زائفٍ لا يملكه:"بالطبع لا".

و لكن رغم ذلك الكم الهائل من التناقضات الأخلاقية لم أعد أصب بالدهشة عندما أجد أن الأشخاص الذين يدينون علي صالح و بكل قسوةٍ من منطلقِ أخلاقي أو ديني أو كلاهما تتساقط تلك المنطلقات لديهم كجسرٍ خرِب عندما يصبح موضع الإدانة هو ذكرٌ في مقابله شخصٌ كُتب في خانة الجنس الموجودة في هويته الشخصية كلمة "أنثى"..فهنا أجد أن اللهجة الأخلاقية المتشنجة و الدينية الهستيرية تتوارى كما يتوارى الفأر عندما تحاول اصطياده بحذائك..و لهذا أجد أيضاً أن تلك الملايين الجوفاء مدعية الطُهر و الأخلاق و التدين الزائف العفن لا يحق لها إدانة علي صالح طالما أن تلك الإدانة ليست بالمبنية على أفكارٍ أخلاقية أو حتى دينية غير قابلةٍ للتفاوض لديها.

لا ألوم علي صالح كثيراً..فهو بشرٌ في نهاية الأمر..بشرٌ كانت حدود صموده -كما أغلبنا- قابلةٌ للتمدد و الانكماش تبعاً للمتغيرات المحيطة به..و جميعنا بشكلٍ نسبي نجيد لعب كرة القدم باحتراف فقط عند متابعتنا لإحدى مبارياتها من خلال التلفاز..علي صالح أخطأ مرة و لكني أجد هذا الشعب هو من أخطأ في الـ 99 مرة الباقية..فعلها بإن إمتهن التذلل كركنٍ من أركان إسلامه كما يمتهن تمجيد غرائزه و إطلاق سبيلها كما الحيوانات و التبرير لذلك الأمر بشتى السُبل و لو اقتضى الأمر أن يستخدم القرآن الكريم لذلك التبرير!!..المواطن اليمني -في المُجمل- يعشق أن يبرر لغرائزه انفلاتها فلماذا لا يمارس ذات الأمر مع من يدعي أنهم أهلكوا وطنه و بذات القدر من التسامح الصوفي!!..فإذا كانت ثقافة التبرير للخطأ موجودة كركنٍ من أركان الإسلام فلماذا نرتد بإسقاط أحدها فنكون في جهنم خالدين!!.

قبل أسبوع انتشرت إشاعة رفع أسعار المشتقات النفطية فما كان من المواطن اليمني إلا أن مارس الأمر الوحيد الذي يجيده ألا و هو المسارعة لنيل نصيبه منها قبل أن تنفذ تلك السلعة من الأسواق..شعرت حينها أن الشعب بتصرفه هذا أصبح من تلك الفئة التي كلما تحدثت عن التحرش كجريمة تقفز فوق كتفيَّ لتخبرني بكل ثقةٍ -لا أعلم مصدرها- أن لدى الفتيات استمتاع خفي بتلك الجريمة الواقعة ضدها بل إنها قد تلهث وراء حدوثها لها!!..الشعب اليمني لا يمتهن الكرامة الإنسانية فحسب بل و لا يجيد أبجدياتها على الأغلب..و لو كان يفعل لما استغرب هجومي على التحرش الجنسي الذي هو في أساس تكوينه فعلٌ يقوم على إهانة كرامة الآخر..و لكن يبدو أن المواطن اليمني يقبل التفاوض في كل شيء يتعلق بالمرأة..لديه استعداد تام لأن ينتهكها رغماً عنها و لديه استعداد تام ليبرر هذا الانتهاك إن قام به "محظوظ" آخر سواه و لديه الاستعداد لأن يشجع هذا الانتهاك و لكنه يرفض في ذات الوقت و لو "ظاهرياً" أن يتم انتهاكه هو شخصياً بشكلٍ علني على الأقل..فأصبح ذكور هذه البلد كما فتياتها يصرخون بكل إنكارٍ يميز الشخصية العربية:"لا تحرش في وطني"..لأن هناك في أعماقهم توجد تلك القناعة العفنة أن التحرش بالآخر ما هو إلا فرض كفاية أما التحرش الحكومي بنا كمواطنين فما هو إلا فرض عين يسقط بعذرٍ شرعي ألا و هو انعدام الرجولة..فهنيئاً لنا بكم و بعذركم "الشرعي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأهلي هياخد 4 ملايين دولار.. الناقد الرياضي محمد أبو علي: م


.. كلمة أخيرة -الناقد الرياضي محمد أبو علي:جمهور الأهلي فضل 9سا




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 34.5 مليون جنيه إيرادات


.. … • مونت كارلو الدولية / MCD جوائز مهرجان كان السينمائي 2024




.. … • مونت كارلو الدولية / MCD الفيلم السعودي -نورة- يفوز بتنو