الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرلمان الشاحب

محمد ليلو كريم

2014 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


هذا مقال بعنوان : البرلمان الشاحب .. أتمنى أن ينال اعجابكم .. مع تحية محبة لموقعكم العزيز ..... محمد ليلو كريم
يُعبر البرلمان عن الشعب , فهو سلطته التشريعية والرقابية , وفي العراق يتخذ النظام الديمقراطي شكلا" برلمانيا", فتجري انتخابات عامة في البلاد يدلي بها المواطنون بأصواتهم لأختيار مرشحين يمثلوهم تحت قبة البرلمان ويُديرون مصالحهم ويراقبون عمل الحكومة وآدائها , وبعد انقضاء أربع سنوات تجري انتخابات أخرى تفرز برلمانا" جديدا" وتتشكل حكومة جديدة ويستمر النظام الديمقراطي بالعمل ضمن منهجه المنصوص عليه دستوريا" .
أن البرلمان المفعم بالحيوية , ذو الملامح النظِرة , والزاهي بتشريعاته وآداءه , هو برلمان يستوعب الوضع القائم بالبلاد , والظروف المحيطة , والوقائع الاجتماعية , وحالة المؤسسات التي تدير الدولة , وأرهاصات المرحلة وتفاصيل احداثها وتركيبها , هو برلمان قادر على التحليل والاستنتاج , والابداع , وبعكسه سيكون برلمانا" شاحبا" تعلو وجهه الصفرة والهزال , وستشعر أن أعضاءه مصابين بالدوار , أو التخشب العصبي , أو السطحية والتخلف ورتابة الآداء , وفي ظل هكذا برلمان شاحب سيغدو الشحوب لونا" يغطي كل نواحي الحياة الاجتماعية المؤسساتية والثقافية والفنية . . .
البرلمان الشاحب هو برلمان لا يلتفت الى الجوانب الجميلة والراقية من الحياة وانعكاساتها , أنه برلمان لا معرفة فيه ولا ثقافة ولا استيعاب لدور الفن للأرتقاء بالمواطنين عبر تنقية ذوقهم , تنقية اذواقهم البصرية والسمعية والذهنية والتربوية , والعقائدية .. تنقية الذوق عند الناس ليتمكنوا من التذوق بصفاء , ولكن ؛ كم موسيقي ونحات وشاعر وأديب في برلماننا العراقي , وإذا وجودوا ؛ كم نسبتهم الى باقي الاعضاء ؟؟؟..
أن برلماننا في دوراته المتعاقبة ليس إلا حالة من التلوث , وهو تلوث خطير , مثير للأشمئزاز , تلوث فكري وثقافي وفني , تلوث صوتي وبصري وذهني , تلوث سياسي ومؤسساتي , تلوث في الذوق والتذوق والذائقة .. تلوث في الاستعداد الذوقي , وفعل التذوق , واستنتاج الذائقة , وبرلماننا خرب هذه الثلاثية ولوثها وكأنه في بلاد لا تاريخ لها ولا حضارة ولا تراث ولا مبدعين في الموسيقى والنحت والأدب والثقافة , برلماننا لا صلة له بأرثنا التاريخي وفلكلورنا وماضينا الحضاري المتخم بكل أدب وفن وإبداع , فهذه الرقم الطينية والمنحوتات والقيثارة والعِمارة والألوان تشهد على عظم الانجازات الابداعية التي ضلت شاخصة عبر القرون , ويا لعمق خجلنا وخيبتنا ونحن نقارن ماضينا مع حاضرنا وكأن الأرض أجدبت والطين صار عقيما" والماء أمسى شحيحا" والعقول عجزت والأفكار اندثرت .
أليس من نفس طبيعة الأشياء تولد مولوداتها , أو على الأقل تأتي الولادة بمولود يحمل بعضا" من طبيعة وطبائع الوالد , وإذا كان المولود من صنف السلالة التي وُلِدَ منها , وإذا كنا متأكدين من هذا الانتساب , إذن ؛ لماذا انجب جسدنا الاجتماعي ظواهر سياسية عبرت عنه وحملت ملامحه , ولكن ؛ أتت الظواهر السياسية أكثر قتامة وتركيز , فانقلبت القاعدة وصار العقل الموبوء عاملا" فاعلا" لتفشي الأوبئة الاجتماعية , ومن العقل الموبوء خرجت تشريعات وقوانين وسياسات وأنماط سلوكية وذهنية سلبية غذت التسارع في الانحطاط الشامل والأنزلاق الى كل هاوية وبؤس .
هذه ليست نبوءة , ولا تكهن , أو توقع قال به شخص يدعي الذكاء ومعرفة خبايا المستقبل , فالأساسات والركائز تتحكم بالبناء وتححد مصيره ومدى صلاحه وصلاحيته , وبرلماننا الشاحب يسن التشريعات الاساسية , والقوانين , ويراقب أسس العمل السياسي والإداري وفق دستور وضعه هو , وأن التشريعات والقوانين تساهم بعمق وقوة في صناعة الثقافة الاجتماعية , أو على الأقل تؤثر فيها .
لإحداث اصلاح جذري في المجتمع , وللتأثير في وعيه المعتاد على الكثير من الاشياء الخاطئة , يستلزم أن يكون البرلمان هو ( المغالطة المنشئية )1 التي تكون الشيء الذي يُنشيء شيئا" في المجتمع برمته , ومع مرور الوقت سيغدو الشيء ( التغيير ) كيانا" منفصلا" له ديالكتيكية حركية مستقلة هي وليدة ( المنشأ) ونستطيع أن نسمي هذه العملية بالإبداع الفني السياسي , وهو تشبيه أكثر منه نظرية أو منهج , مع ما نتوخاه من قصدية .
أن البرلمان المنشأ يقوم بدور ( المغالطة ) التي تؤدي دورا" غير مباشر في تغيير اجتماعي مرجو ومطلوب , والقاعدتين المعروفتين تبينان أن الدولة تتحكم بشق من ثقافة المجتمع , وأن القوانين تغير في ثقافة المجتمع , وعلى هذا الاساس يجب أن يكون البرلمان مثقفا" بالتنوع , متنوعا" بالثقافة , لكي تعالج قوانينه وشرائعه حتى المشاكل الذوقية الاجتماعية , ولا تقتصر على الجوانب المعهودة من صرفيات مالية وتخصيصات غذائية وتوفير فرص عمل ومصادقة على اتفاقيات , وللصراعات والتنافرات والمشادات الحظ الأوفر في جلسات برلمان الشعب , وإذا كان الصراع سمة البشرية كما هو واقع باقي الكائنات , فأن الانسان يختلف , إذ يمكنه أن يُحدث تجربة جمالية ( من خلال عقل واع )2 , وهكذا تنتج الطبقة السياسية فنا" سياسيا", أي عملية ابداعية لها شكل الدراما والتناغم والانعكاسات الصورية تؤدي حين اسقاطها على الواقع المجتمعي الى بلورة وقائع جديد تحول الكم الى كيف .
لست أنكر بأني بألاساس أقصد الارتقاء بالبرلمان عبر تغذية مقاعده بذوي الفن والأدب والثقافة , فغياب هولاء عن الواقع السياسي أدى لإنتاج برلمان شاحب , ولست أعلم , كيف ستتنفس الحضارة عبر رئة العصر ؟؟؟....
1. تسمية أطلقها جيروم سنولنيتز على منشأ العمل الفني .
2. فلسفة الجمال ودور العقل في الابداع الفني , ص الحاشية 70 , الدكتور مصطفى عبده .
3. ملاحظة :استخدمت الفكرة والمصطلح الفني في هذا المقال كأستعارة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتيجة خسارة التحدي.. قمر الطائي تعاقب بطريقة قاسية ??????


.. بعد رحيل -رئيسي- .. إيران أمام أخطر 50 يوما في تاريخها




.. فتح تحقيق بأسباب تحطم طائرة رئيسي.. ووفد رفيع يصل مكان الحاد


.. شبكات | انتقادات لمخرج مصري بعد مباراة الزمالك ونهضة بركان




.. شبكات | احتفاء بأمانة طفل يمني