الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجريمة والعقاب

محمد كمال

2014 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


عنوان مقتبس من رائعة فيودور دوستوفيسكي وهي من الروايات البارزة والشهيرة في عالم الأدب الروائي تتناول قضية سيكولوجية في شخصية طالب فاشل يعاني الفقر والهوس الذاتي ويقرر قتل مرابية عجوز من أجل المال تحت ذريعة أخلاقية تبرر جريمة القتل.
تبرير جريمة القتل أمر خطير وقد يكون موضع ترحاب وقبول دون أن نعي، ويأتي هذا التبرير بفعل الجريمة الأولى التي قد نجد في آليتها وحيثياتها ونتائجها كل مبررات الحكم القاضي بعقاب من نوع الفعل الأول المصنف جريمة قتل، أي أن جريمة القتل تقابل بعقاب قضائي من نوع الجريمة في نزع الروح من جسد المجرم، ويكون هذا مبرراً ومقبولاً من وعي الضمير الجماعي في المجتمع بالمسوغ الأخلاقي المطلق غير القابل للنقد على ذاك المقاس المطلق من إرث المبدأ القديم «العين بالعين والسن بالسن»، دون مراعاة لفارق الزمان والمكان والتدرجات التطورية للفكر والتي هي من نتاج التراكم المعرفي المبني على التجارب وتفاعل الأفكار في عمليات مراجعة نقدية والاستقراءات المنبثقة منها، مما يعني ضرورة تغيير أنماط الفكر وكذلك تغيير مبادئ كانت ذات يوم من البديهيات الطبيعية والأخلاقية.
جرائم نزع الروح من جسد الإنسان ثلاثة أصناف. أولاً جريمة فردية بفعل إنسان ضد إنسان آخر ولأسباب مصلحية متعددة، وثانياً جريمة مؤسساتية منظمة بقرار من سلطة متنفذة في هيكل هرمي سياسي أو اجتماعي، والأمثلة السياسية كثيرة عندما يقرر أحد المتنفذين التخلص من الأعداء السياسيين بغدر الاغتيال السياسي، أو تلك الجرائم الكبيرة المرتبطة بقرار شن الحروب والتدخلات العسكرية والتي تندرج ممارساتها تحت قائمة جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وثالثة الأثافي في «جرائم» نزع الروح من الجسد تتجسد بكل مآسيها وتبعاتها هي الحكم القضائي تحت طائلة العقاب، هذا العقاب المبني على مبدأ «العين بالعين والسن بالسن» الذي قضى عليه قرون من الزمان وأصبح في وعي الإنسان العصري وخاصة الوعي التنويري شيء من الماضي والذي تخطاه الإنسان في مسيرة الفكر والحضارة، هذه المسيرة التي تنأى بنفسها أن تكون سجينة أعباء إرث الماضي بأفكاره ومبادئه ونصوصه المنغلقة؛
الصنف الأول من الجريمة متفق عليه بالمطلق اجتماعياً وقانونياً بأن الفعل يندرج تحت وصف الجريمة، أما الصنف الثاني وهو جريمة القرار المؤسساتي فتختلف فيه الآراء بناءً على المواقف السياسية والمصلحية والموقع الفكري، بينما الأهم من هذين الصنفين هو قرار الحكم القضائي الذي يكون فيه العقاب من صنف الجريمة، وهذا الحكم القضائي ينحصر فقط في الصنف الأول من الجريمة، بينما الصنف الثاني فلا يطاله القضاء المحلي والوطني، ولكن يكون عرضة للمساءلة على مستوى مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية الراعية لحقوق الإنسان والمناهضة للحروب والجرائم ضد الإنسانية.
إذاً فبيت القصيد من هذا الطرح هو قرار الحكم القضائي وما يترتب عليه من طبيعة العقاب وتبعات العقاب؛ لقد كان هذا الحكم القضائي المبني على قاعدة العقاب من صنف الجريمة موضع مراجعة نقدية مبنية على قاعدة إنسانية تحرم قتل الإنسان تحت أية ذريعة كانت، وأن عقوبة الإعدام هي جريمة بحد ذاتها، وأن الجريمة لا تُواجَهُ بجريمة مماثلة، وفي حقيقة الأمر فإن هذا الحكم القضائي ليس حكماً قضائياً بالمعنى القانوني والحقوقي، بل هو إرث من ماضي الثأر والقصاص والذي كانت تقتضيه تقاليد بدائية في مجتمعات صغيرة، وأن هذا المبدأ القانوني تحول إلى إرث فاعل في القضاء لاحقاً مع تشكل التجمعات البشرية الكبيرة والتي تطورت إلى دول لها كيانها وحدودها ومؤسساتها ومن ضمنها المؤسسة القضائية؛ ورغم هذا التطور البشري والفكري إلاّ أن مبدأ الثأر انزلق في مسيرة الإنسان التطورية وترسخ في البنية القضائية في معظم الدول العصرية دون مراجعة نقدية.
يعود الفضل لعصر التنوير والمفكرين التنويريين في أوروبا بأن طرح هذا الإرث القضائي للدراسة النقدية والمساهمات الأدبية المصاحبة والمكملة، ففي القرن التاسع عشر أصدر الشاعر الفرنسي الشهير ڤيكتور هوگو دراسة نقدية حول موضوع حكم الإعدام وخلصت الدراسة إلى ضرورة إيقاف حكم الإعدام بالمطلق وأن العقاب يجب أن لا ينزلق إلى هاوية الجريمة، وقد أعقب دراسته برواية قصيرة تحت عنوان «مذكرات محكوم بالإعدام» يصف فيها قصة أب محكوم بالإعدام وأن لهذا الأب بنتا صغيرة كانت تزوره في السجن في ايام ما قبل تنفيذ حكم الإعدام، وفي اليوم ما قبل تنفيذ الإعدام تزوره كالعادة ابنته، ولهول المفاجأة فإن ابنته لم تتعرف عليه وهي تقول لأبيها بأنها ترى رجلاً ميتاً؛ هذه الرواية تُنَبِّهُنا إلى الجريمة المزدوجة في حكم القضاء الصادر بإعدام الأب، فمن جهة فان الحكم القضائي إزهاق لروح الأب ومن جهة أخرى جريمة بحق الطفلة بحرمانها من أبيها وتركها للمصير المجهول بعد إعدام أبيها إلى المصير المحتوم، بينما هكذا قضاء يكون في غفلة عن هذه الجريمة المزدوجة.
لقد شهد القرن الثامن عشر نشاطاً مكثفاً في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام، فمعظم المفكرين والفلاسفة والأدباء أمثال مونتيسكيو «مؤلف كتاب روح القوانين» وڤولتير «مؤلف كتاب العقد الاجتماعي» وآدم سميث «مؤلف كتاب ثروة الأمم» استنتجوا، من خلال دراساتهم ومراجعاتهم النقدية، المبدأ الذي ينص على: «أنَّ الإعدام عملية قتل يؤيد الحكم بها المجتمع وهذا لا يليق مع ما ينادي به مجتمع الحرية واحترام الإنسانية».
وأوروبا وبفضل الفكر التنويري الذي أنتج لأوروبا والانسانية جمعاء فكراً تنويرياً متجدداً ومنذ القرن التاسع عشر بدأت في إلغاء عقوبة الإعدام؛
ومنظمة الأمم المتحدة من جهتها قدمت قراراً خلال جلسات 62 للجمعية العمومية عام ٢٠٠٧ تنادي فيه بالحظر العالمي لتطبيق عقوبة الإعدام.
نستخلص من هذا الطرح بأن القضاء عندما يصدر حكمه في قضية جريمة قتل يجب أن لا يكرر جريمة قتل أخرى تحت أية ذريعة أو قاعدة كانت، فحكم الإعدام يعني قتل إنسان وبهكذا حكم يتساوى الحكم القضائي ضد القتل مع القتل؛ القضاء مهمته حماية المجتمع ضد الجريمة عن طريق إصدار أحكام تعزل المجرم وتبعده عن الحياة الاجتماعية، وبهذا العزل يكون الحكم قد أدى مهمتين، الأولى عقاب المجرم وحرمانه من الحياة الاجتماعية وفي نفس الوقت تعريضه لبرنامج إصلاحي، والثانية حماية المجتمع ضد تكرار الجريمة المحتملة من المجرم المعزول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السداسية العربية تصيغ ورقة لخريطة طريق تشمل 4 مراحل أولها عو


.. آخرهم ترامب.. كل حلفائك باعوك يا نتنياهو




.. -شريكة في الفظائع-.. السودان يتهم بريطانيا بعد ما حدث لـ-جلس


.. -اعتبارات سياسية داخلية-.. لماذا يصر نتنياهو على اجتياح رفح؟




.. ماذا قال المطرب الهندي شبيه الرئيس الراحل مبارك للشعب المصري