الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد دكروب .. تكامل الرؤية

فريدة النقاش

2014 / 4 / 9
الادب والفن


شاركت قبل أيام في احتفال نظمه الحزب الشيوعي اللبناني في بيروت لذكري المفكر والناقد محمد دكروب، هذه هي المرة الأولي التي أزور فيها بيروت في غياب «محمد إبراهيم دكروب» رغم أنني لم أكن أراه في كل زيارة لكن كنت أشعر دائما بحضوره العميق السخي، فأطمئن، وأجدد ثقتي بكل قناعاتنا المشتركة خاصة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي، وهو الانهيار الذي أصاب أيضا بعض الأحزاب، وعري التوجهات الانتهازية لدي شخصيات كانت اشتراكية حين كانت الاشتراكية منتصرة ثم قفزت إلي الشاطئ الآخر. بعد السقوط، وأصبح البعض أكثر ملكية من الملك، وأخذ البعض الآخر ينظر لليبرالية الجديدة متفوقا علي أوهام الليبراليين الأوائل وهو الوصف الذي استخدمه محمد إبراهيم دكروب.

ولطالما كنت أغري نفسي وأقول وأكتب إن ما سقط هو البروفة الأولي للاشتراكية واستدعي قول الزعيم الوطني الصيني «صن يات صن» وهو يخوض المعركة تلو الأخري لتحرير الصين من الاستعمار وحين كان يفشل كان يقول إن هذا هو فشلنا رقم كذا ثم يواصل الطريق. وقد واصلنا الطريق. ومازلنا علي ثقة أن الاشتراكية ستنتصر وسوف تتخذ صورا جديدة وهي تقطع الدروب المتعرجة الصعبة.

وافقني صديقي العزيز ورفيقي محمد دكروب علي هذا التحليل فاطمأن قلبي الذي سقط في قدمي حين علمت برحيله، وكأن سدا منيعا ضد الزيف واليأس قد انهار ثم أعزي نفسي مرة أخري بقول سعد الله ونوس- صديقنا المشترك- «نحن محكومون بالأمل». فلا بديل أمامنا سوي الأمل بعد مراجعة اخطائنا ومواصلة الطريق.

وحين راجعت بعض عناوين كتبه ثم استمتعت بإعادة قراءة ما كنت قد قرأته سابقا وجدت أن اقتناع «دكروب» بأن الاشتراكية هي مستقبل الإنسانية ليس نابعا فحسب من المعرفة العميقة بحياة وعذاب الطبقات الشعبية في بلاده وفي العالم أجمع، كما أنه ليس وليد الروح الرومانسية الغلابة التي تطبع كتاباته بالحب الغامر للكادحين، ولكنه ايضا وأساسا ابن تكامل الرؤية للصراع الكوني والإقليمي والوطني، الرؤية التي ألهمته القدرة علي الانصات لدبيب الحركة الصاعدة نحو المستقبل رغم تقرحات الطريق. ولكن حسن الانصات ارتبط دائما بثقته في حقيقة أن الجماهير هي صانعة التاريخ عبر الصراع الطبقي الذي يتخذ صورا شتي ويبقي أساسا لكل تقدم .

وبوسعنا أن نتتبع في كل ما كتبه «دكروب» مفهوم الصيرورة كمفهوم مركزي، وهو مبثوث في سيرته هو نفسه حين قهر الفقر وقسوة الحياة. وفي وعيه الثابت بهذه الصيرورة لم يتعال أبدا علي الوعي الجنيني لدي العمال اللبنانيين، بل وضعه في سياق متفاخرا به، وقرأ البدايات في زمنها رابطا بينها وبين كل تقدم لاحق، تماما مثلما احتل هو مكانه تحت الشمس قادما من الفقر والوعي والمعرفة ورعاية الرفاق.

يحرر تكامل الرؤية لديه تجربة كتابة تاريخ الحزب في كتابه الأساسي جذور السنديانة الحمراء من مجرد تجميع وثائق ووقائع وذكريات ليصبح موضوع معرفة أي اكتشاف الجديد في قلب القديم «وهو يدخل في إطار التخصص والتحليل وقراءة الوقائع قراءة جديدة معاصرة، وعلمية تفضي إلي استخلاص قوانين حركة تطور الحزب، ارتباطا بقوانين حركة تطور البلاد وحركة الصراع الداخلي والكوني العام». ولا يصير تاريخ الحزب موضوع معرفة، إلا عندما يتحرر فكر الحزب من الركون إلي البديهيات المتعارف عليها، وإلا إذا تحرر فكر الحزب من تلك النزعات الغريبة علي العلم».. وتلك هي الأسس المنهجية التي بني عليها «دكروب» صرحه الفكري.

وحين يعيد «دكروب» النظر في بعض الوثائق البرنامجية العائدة لعامي 1930 -1931 يري أنها تشكل حلقة أساسية، ومهمة في تاريخ الفكر الماركسي عندنا بقدر ما تحمل أول رؤية علمية ماركسية- وإن كانت أولية- للقضية القومية في البلاد العربية، كقضية تحرر من الامبريالية، ووحدة قومية أساسها اتحاد عمال وفلاحي البلاد العربية».

وهنا يضع «دكروب» يده علي ما أسميه بالأرض المشتركة بين الفكر القومي العربي والفكر الماركسي العربي الذي رغم اشتراكه مع الفكر القومي في الدفاع عن الوحدة القومية كضرورة موضوعية فهو قد أعطي لهذه الوحدة مضمونا طبقيا يكشف عن العجز التاريخي للبورجوازية في قيادة حركة التحرر نحو هذا الهدف.. أي الوحدة القومية لأنها تخشي دائما من انطلاقة الجماهير.

الانطلاق دائما من الواقع إلي التنظير هو أيضا سمة أساسية في إنتاج «دكروب» حتي وهو يمارس النقد الأدبي أو النقد الثقافي إذ رأي دائما أن الممارسة هي عنوان الحقيقة.

وأكسبته هذه الآلية أي الانطلاق من الواقع التي استمدها من عمق تفهمه للجدل وللمادية التاريخية قدرة فذة علي استنباط المعني والمغزي من إعادة تركيب الوقائع، ووضع التفاصيل الدالة في سياق متأثرا أيضا بالسينما ومستخدما ما اسماه مونتاج الوقائع.

ولم تكن مصادفة أنه اعطي لأحد كتبه عنوان رؤي مستقبلية، في فكر النهضة والتقدم والعدالة الاجتماعية ورد ردا شاملا موضوعيا ومتكاملا علي سؤال من أفشل مشروع النهضة، وكان رده المبدئي أن العامل الاجتماعي لهذا المشروع والمؤهل لمواصلته كان منفيا عن الساحة ألا وهي الطبقات الشعبية وجموع الكادحين. وانتقد دكروب ما سماه بتفشي الأحكام الحماسية عندما ظن بعض الماركسيين العرب أنهم سوف يخترعون الكهرباء من جديد فألغوا وأدرجوا في خانة القديم كل انجاز غير ماركس وشطبوا عليه واستخفوا به. ورغم انتقاده لهذه الأحكام المتسرعة فإنه لا يتنصل منها بل ويتحدث عنها بضمير الجمع قائلا إن ذلك حدث أيام تفشي الأحكام الحماسية المتسرعة القاطعة في صفوفنا، إنها المنظومة التي ينتمي إليها بكل جوارحه بعقله وقلبه وباسهاماتها الباهرة واخفاقاتها المحزنة.

وبعد أن عدت لقراءة أعمال «دكروب» شعرت أنه تعرض لظلم فادح في مصر لأنه لم يلق ما هو جدير به من اهتمام من أوساط مثقفيها، وبدا أن هؤلاء المثقفين يشعرون بالاكتفاء الذاتي بما ينتجونه أو تنتجه بلادهم وهو موقف يحتاج إلي إعادة نظر. فلنكرم «دكروب» حتي ولو بعد موته








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري


.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس




.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن


.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات




.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته