الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استذكارات في مقاطع _ 1 _ على تماس من تخوم السيرة والحرب

سعدي عباس العبد

2014 / 4 / 10
الادب والفن


• استذكارات في مقاطع _ 1 _ : على تماس من تخوم السيرة والحرب
• _____________________________

• كاميرا الحرب ..
** .___________
. الذاكرة مخزن لحفظ الذكريات في قوارير او علب صدئة .. علب من تلك التي تتكاثر في الحرب في تناسل مطرد يشوبه الرعب والموت ..الذاكرة ملجأ مفتوح على سماء من ملاجىء الحرب . ملجأ يؤرشف آليا ويحفظ كل ما يؤرخه تلقائيا ..الذاكرة __ ذاكرتي __ نشاط تراجيدي ماضوي... ذاكرة عدسة كاميرا حرة ,.. كنت اعلّق تلك الكاميرا , بعدستّها غير المنظورة . على كتف من الخوف , كتف مصنوع من المشاعر التي هي خليط من الوجع والخوف والقسوة والتيه , كانت عدسة الكاميرا _ صنو او نظير عين الجندي __ تلتقط المشاهد على نحو يخلو من القصدية غالبا , .. واحيانا بفعل إيعازات شعورية وحسية . إيعازات تتدفق من مشغل مهول في تعقيداته , كامن في الداخل غير المرئي ..
مشهد : عبادان في 1981
سماء بحجم الدهشة والخوف . مفتوحة على مدينة خلت من قاطينها ..تحت السماء المحايدة في الحرب والسلم ..جنود كومندوس ببذلات تشبه جلود الضفادع المرقطة .. يرتقون الراقم [ ن م 000] زحفا .. على مقربة تلوح لكاميرا الجندي . مشاهد مغطاة بسحب او غيمة من رماد .. بدت عبادان في ذلك النهار البعيد _ وطبقا للصور المؤرشفة في الكاميرا او ذاكرة الجندي __ كأنها تغرق في ضباب .. يتدفق من وسط الضباب , ثلة من الجنرالات . يقتفي اثرهم جنود من لواء 32 قوات خاصة . او فصيل . ببذلات تماثل جلود الافاعي المرقّطّة .. كانت مدينة عبادان تخلو تماما من السكان المحليين ... لم تفلح الكاميرا بتوثيق نزوح السكان .. كانوا نزحوا قبل حلول الجنرلات ..فلم تسنح الفرصة او الإبادة بتوثيق عملية الهجرة او النزوح الجماعي ..بيد إنها التقطت بعض ماخلّفوه النازحين قسرا من مشاهد
مشهد من قريب __ : بيت مهجور منذ ساعة على وجه التقريب ..فر قاطنيه رعبا من مواكب الجيش ..على مقربة من العدسة لاح قوري شاي لم يزل يحتفظ بحرارة الدفء الانساني ,مركون إلى الطرف البعيد على موقد , لازالت بقايا من وهج الجذوات تتأجج فاترة داخله ..في الباحة رهط من ديكة يلازمه موكب من الأناث, فر هو الآخر مذعورا . تسلق قمم حيطان البيت . ومن على القمم جعلت الأناث تقوقأ في تشكيلة من الاصوات . تشبه المراثي !! او هكذا بدت للجندي !! في الغرف الاخرى كان يوجد اثاث ثمين تعرض لنهب .. وثقت العدسة مشاهد لزوالي كاشان وهي تُسرق في زحام من النهب التتاري .. في الجوار كان يتصاعد خوار بقرة لم يسنح الخوف والفزع لسكان باخذها .. ستكون تلك البقرة لاحقا وجبة عشاء لجنود اللواء 32 ..التقطت العدسة مشهد الجنود وهم في تباري محموم للسرقة .. نهبوا كلّ
استذكارات في مقاطع 2 __ على تماس من السيرة والحرب

كان الجنود في تباري محموم للسرقة نهبوا كلّ شيء تقريبا ..مدافىء .. سجاجيد ..ثلاجات .. تلفزيونات ..كتب ايضا بالعربية اغلبها تتعلق بحقول معرفية دينية ..مسجلات .. واشياءاخرى ..
مشهد من قريب : التقطت عدسة كاميرا الجندي . صوره لرجل عجوز طاعن في الانهاك , محدودب , يتلفع كوفية ويشماغ من ذلك الزي الذي يرتديه عرب , عربستان كغطاء للرأس ..كان قد تخلّف عن الحاق بالسكان المحلّين الفارين ..كان شاخصا وحيدا في احدى البيوتات مقتعدا حصيرة في ظلال شجرة سدرة ..على مقربة منه ,كان كلب يطلق نباحا فاترا ..فيما كان العجوز يرنو للبعيد . لسماء داخنة تغطي فضاء المدينة بسحب من دخان . كان ينظر بعيون غائمة دامعة . كانت شوارع عبادان المهجورة تخلو من مظاهر المدينة الأليفة , فالمتاجر مغلقة او محطّمة .. وفضاءها يكتظ بزحام الجيش والعجلات والدبابات ومدافع الهاون المحمولة على ظهور العجلات . العجلات التي تتقاطع في مروقها السريع .. كان كلّ شيء يشير إلى الخراب ,خراب , عابق برائحة سخام .. سخام قاتم متفشي في مفاصل المدينة الا من بقايا رائحة لم تزل عالقة في الهواء ..رائحة السكان المكسورين .. ورائحة البيوتات التي كانت تشي بالالفة والدفىء ..تلك الألفة التي لم تزل تكتسب بعض مظاهرها من قطعان الماعز التي كانت ترعى تائهة في الشوارع .. كانت العدسة قد التقطت مشهد لعنزة وهي تمضغ وتلوك اطراف صورة تعود لمؤسس الجمهورية الايرانية الخميني . كان قد اتلفها جنود اللواء . كانت صوره تغطي سائر جداران المدينة ,..صور باحجام متباينة . منتشره على نحو ما يحدث عندنا .. قام الجيش بتمزيقها من على الحيطان وواجهات المتاجر والبيوت والشوارع ..

___ مشهد محمول على ظهر الصيف : قاطع سيف سعد في 1982
هنا .. اسفل تلك المرتفعات المتماسكة في صلابتها والجرداء تماما . العارية من كل شيء ..الاّ من تلك الصخور المخدّد . واحجار ملتحمة في اتصال لا فكاك منه .. احجار يابسة يبوسة القيظ . غارقة في فيضان من السراب الحار . السراب الذي تراءى كما لو انه مويجات بيض تلتمع من ذلك البعد المتأجج في نور الشمس ..فوق إحدى تلك المرتفعات حفرنا موضع شقي مجاور لموضع رشاشة مقاومة الطائرات احادية السباطنة ..كنت انتسب لتلك الحضيرة المناط لها واجب حماية الجناح الايمن للبطرية الثانية المنفتحه بمدافعها الثقيلة 6 . في ارض مخسوفة اقرب ما تكون إلى شكل وعمق الحوض . تحيطها المرتفعات بقممها اليابسة المتفاوته في الاطوال ..وجدتني محمولا بكاميرتي على ظهر إحدى تلك المرتفاعات . على يساري واد يشغله الجفاف والصمت . صمت ليس له لون او رائحة . يتمدد في تجاويف الصخور ..لم آلف من قبل صمت بهذه الغزاره .. صمت كنت اتحسسه بيدي كما لو انه شي
ملموس ..ومن اعماق ذلك الصمت كانت تتدفق الافاعي .. تنساب صامتة نحو الملجأ ..وناحية
استذكارات في مقاطع 3 __ على تماس من السيرة والحرب

تنساب الافاعي ناحية الموضع الشقي ..كنت اراها على مقربة مني تقف بنصف طولها , تتطلع بتلك العينين المدهشتين وبذلك الخيط الرفيع الراعش المندلق عبر ثقب في رأسها ..بيد انها سرعان ماتنساب في التواءات متعرجة حلزونية ..ارى إلى قمم مرتفعات سيف سعد . كانت تتبدى قريبة .. وراء تلك المرتفعات وعلى سطوحها يتجحفل الجيش الايراني ..كنت ارى ناحية المرتفعات عبر ستار ترابي يحيط بالموضع , خشية انّ يلمحني ضابط الرصد الايراني ..فنكون هدفا للقصف .. في ذلك النهار الصيفي القائظ ..كنت شاهد عيان على نهوض القيامة من سباتها الاخروي !! نهظت القيامة بكامل قذائفها معلنة ساعة النشور ..فكنا نحن جنود البطرية الثانية / ك م الميدان 37 .. نمشي فوق حبل رفيع من الموت . حبل يصل احد طريفة بضفة الجحيم ..عقب الظهيرة مباشرة هطل مطر غزير من القذائف استغرق 2 ساعتين تقريبا ..تكبد نا خلالها خسائر في الارواح ..التقطت الكاميرا صور الضحايا ..لم تزل ملامحهم في صور العدسة , واضحة كما لو انهم صوّروا قبل برهة او الآن ! رغم مرور سنوات مذهلة على حدوث القيامة الاوّلى .. اتصفح الصوّر عبر ارشيف الذاكرة : هذا عريف سعدون من مدينة ديالى يبدو في أخر صورة له بلا رأس , كان يصل على مقربة من فتحة الملجأ فجتزءة رأسه شظيّة ..هذا نائب عريف مخابرة محمد لا يحضرني الاسم الثنائي لقي حتفه في سقوط قذيفة على الملجأ.. وهذا نائب ضابط خلف ابو زيدون متحدر من قري نينوى في اسكي كلك ..احالته قذيفة الى محض اشلاء ..وهذا جندي مكلف مستجد محمد منسي . . جثة مشوّهة ..بقيت صور قابعة في خزانة الارشيف لم يغير استخراجها من حقيقة ما حدث او لم يضف جديدا ..صور عبارة عن نسخة مكررة لضحايا ذلك المشهد او نهارات القيامة التي ستكرّر لاحقا ولكن بملامح ومشاهد لا تقل رعبا عن مثيلاتها

• مشهد اوّل بزاوية حادة : المكان : شرق دجلة القاطع الجنوبي الفيلق 4 الزمان : 1984
• ___________________
الذاكرة المؤثّثة بشريط احداث العام المذكور ..او بخراب الجنود , بقيت لوقت عصيب تستعيد الصور والاحداث قبل انّ تطبع ما وثّقته او تؤرخه ورقيا : كان يوم . يوم ما , من خريف 1984. لما تواردت انباء كانت تشير إلى نية العدو في شن هجوم مقابل معزز بالطائرات الحديثة .. كانت تلك الأنباء قد تردّد في الكتيبة .. فتوقفت على اثر ورود تلك الانباء إجازات المراتب والضباط .. الهجوم المقابل يقصد به , الوقوف على شفا حفرة من الجحيم . ويعني ايضا فتح سائر ابواب جهنم بلا استثناء ..وعند حلول اوّل المساء .. فتحت كل ابواب جهنم .. الابواب المطلّة على قاطع الفيلق .. انفتحت على آخرها . باب يعقب باب في زحام ناري مهوّل ..بدأ العدو بقصف تمهيدي مشط عبره القاطع بنار مدفعيته الثقيلة .. كانت رشقات القذائف تنزل متعاقبة دون فاصل .. كانت رشقات كثيفة متصلة ..كنا نحن كتيبة الميدان مكلفون باسناد لواء 36 الذي دخل المعركة قبل يكمل مدة إعادة تنظيمه , فجيء به من معسكرات اعادة التنظيم الخلفية ..مني اللواء بخسائر فادحة وهو لم يرمم بعد خسائره السابقة ..فغدا اقرب ما يكون الى المحتضر في النزع الاخير ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة