الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد عشرة سنواتٍ من الفشل الدولة المدنية هي البديل

محمد حسام الرشدي

2014 / 4 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


* فجر الحرية:
بعد سقوط صنم بغداد استبشر أغلبُ العراقيين خيراً، وتوقع الكثير منهم أن العراق سيغدو ببضع سنين نسخةً شرقية من سويسرا أو السويد وأن ناطحات السحاب ستملأ سماء بغداد ويعم الخير عموم الوطن. هذا ما توقعه المواطن لأنه كان يعتقد أن صدام هو مصدر الشرور ومتى ما رحل سيعم الخير والرخاء، ولكننا نرى بعد 11 سنة من احتلال بغداد أن العراق اليوم هو أسوأ عراق منذ تأسيس مدينة أوروك قبل حوالي خمسة آلاف سنة إلى اليوم.. فلماذا حصل هذا يا تُرى؟
لقد ارتكب صدام حسين جرائم تؤهله أن يكون نموذجاً للدكتاتورية والطغيان فلم يسلم من شره أحد لا العراقيين ولا جيرانهم ولا البساتين ولا الأهوار ولا حتى الحجر، ومهما حاولنا أن نصف جرائمهُ وما جلبه على العراق من شرور فلن نقدر، ولكني هنا سأتناول جريمتين لها علاقة مباشرة بعراق ما بعد صدام حسين.
استطاع صدام حسين خلال خمسةٍ وثلاثين عاماً من حكمه للبلاد بالحديد والنار أن يقضي على مفهوم الوطنية في وجدان الشعب العراقي، فبالضغوط والاعتقالات وتزوير مفهوم الوطنية اختلطت الأوراق على المواطن العراقي، فكره وطنه ولم يعد يثق بأي مشروعٍ وطني مهما كان من يطرحه. وبعد احتلال العراق عاش الشعب صراعاً مريراً بين قبول هذا الاحتلال الذي خلصهم من السياف الذي كان يكتم أنفاسهم، وبين الرفض للجنود الأمريكان الذين عاثوا بالبلاد فساداً وارتكبوا جرائم لا تقل عن جرائم صدام وزبانيته.
وسط هذهِ المعمعة كان على الشعب العراقي أن يجد المرجعية الفكرية التي يرجع لها في هذا الوقت العصيب، وهنا كانت جريمة صدام الثانية، حيث أفرغ العراق من جميع مثقفيه، فكان المثقف العراقي إما لاجئاً خارج العراق، أو مغيباً في ظلام السجون، أو كان ممن باع نفسه لصدام فكان هارباً من غضب الشعب بعد السقوط، والصنف الأخير كان قد أدمن السكوت بعد 35 سنة من غياب حرية الرأي والتعبير. فماذا كان البديل؟
بغياب المثقف العراقي لجئ الشعب إلى رجال الدين كمرجعية فكرية، فكانوا أعمدة الحياة في العراق الجديد، وصار الانتماء الديني -وما يتبعه من إنتماء طائفي- بديلاً للوطنية. وهنا كانت مشكلةٌ جديدة ما زلنا نعيشها للآن.
* عشرة سنواتٍ من الفشل:
سيطرت أحزاب الإسلام السياسي على العراق خلال الفترة الممتدة من احتلال العراق إلى الآن، وخلال هذهِ المدة كرست هذهِ الأحزاب والقوى مفاهيم مثل الطائفية، والعنصرية، وإلغاء الأخر. فصار العراق خلال عشرة سنوات ثلاث بلدان تجمعهم الجغرافيا ويفرقهم كل شيء. فبدل أن تسعى هذهِ الأحزاب إلى ترميم العراق بعد 35 سنة من اختلاط المفاهيم وغياب الوطن زادت الطين بلة فصار العراق اليوم بلد ممزق يُضرب بهِ المثل بالفشل وغياب القانون.
إن ما يميز العراق في ظل الإسلام السياسي يمكننا إيجازه بما يلي:
1- عدم وجود أي احساس بالإنتماء للوطن.
2- غياب الكفاءات في مراكز الدولة.
3- اقتصاد منهار مع وجود ميزانيات ذات أرقام فلكية.
4- عدم استقلالية السلطة القضائية.
5- غياب الصناعة والاعتماد على الاستيراد بشكل كامل.
6- غياب الزراعة بعد أن كان العراق من أهم البلدان الزراعية في المنطقة.
7- انتشار الميليشيات وفرق الموت وبغطاء قانوني من شخصيات نافذة بالدولة والبرلمان.
8- تفاوت طبقي كبير لم يشهد له العراق مثيلاً طول تاريخه الحديث.
9- غياب الرؤية الواقعية عند أغلب السياسيين العراقيين.
10- انتشار روح العداء بين المواطنين وتكريسها من قبل السياسيين.
11- وجود نفوذ كبير للعديد من الدول، مع وجود سياسيين وظيفتهم تنفيذ الأجندة الخاصة لهذهِ الدول.
12- الاستخفاف بالعقل العراقي من قبل سياسي الأحزاب الإسلامية المتنفذة، وهذا واضح من التصريحات المضحكة للسياسيين الذين ما زالوا يتصورن أنهم أذكى من الشعب.
هذهِ بعض ملامح عراق اليوم بعد 10 سنواتٍ عجاف من حكم الإسلاميين، فما هو الحل لإنقاذ العراق، خصوصاً إننا نمر بمرحلة حرجة، وإن الإنتخابات البرلمانية على الأبوب؟
* الدولة المدنية هي الحل:
في مقالة للأستاذ أحمد زايد -أستاذ علم الاجتماع السياسي وعميد كلية الآداب بجامعة القاهرة- تحت عنوان "ماذا تعني الدولة المدنية؟" نشرتها جريدة الشروق القاهرية فى يوم 26 فبراير 2011 عرف الدولة المدنية أنها "اتحاد من أفراد يعيشون فى مجتمع يخضع لنظام من القوانين، مع وجود قضاء يطبق هذه القوانين بإرساء مبادئ العدل..” ويذكر الأستاذ زايد عدداً الشروط الأساسية فى قيام الدولة المدنية يمكن تلخيصها بما يلي:
1- ثمة دائما سلطة عليا ـ هى سلطة الدولة ـ يلجأ إليها الأفراد عندما تنتهك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك، وهذهِ السلطة تجعل من القانون فوق الجميع.
2- الدولة المدنية تتأسس على نظام مدني من العلاقات التى تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة فى الحقوق والواجبات، والثقة فى عمليات التعاقد والتبادل المختلفة.
3- المواطنة، والتي تعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أى أنه عضو فى المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين.
4- الديمقراطية، وهي التي تمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو أرستقراطية أو نزعة أيديولوجية. وهي وسيلة الدولة المدنية لتحقيق الاتفاق العام والصالح العام للمجتمع كما أنها وسيلتها للحكم العقلاني الرشيد وتفويض السلطة وانتقالها.
وحول علاقة الدين بالدولة يقول: “فإن الدولة المدنية لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة. إن الدين يظل فى الدولة المدنية عاملا أساسيا فى بناء الأخلاق وفى خلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم... ومن ثم فليس صحيحا أن الدولة المدنية تعادي الدين أو ترفضه... 
-;---;--
-;---;--إن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذى تقوم عليه الدولة المدنية، فضلا عن أنه ــ وربما يكون هذا هو أهم هذه العوامل ــ يحول الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة.(1)
هذا كان ملخصاً لتوضيح مفهوم الدولة المدنية، وهي ما أراه الحل الوحيد لإنقاذ العراق فالدولة المدنية هي الكفيلة بالقضاء على الطائفية والعنصرية، وهي الكفيلة بوضع القانون في بمكانه الصحيح أي فوق الجميع. الدولة المدنية ليست ترفاً فكرياً، ولا هي تقليد أعمى للدول المحترمة، فالدولة المدنية هي الشرط الأساسي لنهضة العراق، وعلينا كعراقيين أن نسعى إلى دولة مدنية يكون المواطنين فيها على قدر المساواة أمام القانون.
* كلمة حول الانتخابات البرلمانية:
في نهاية شهر نيسان الحالي ستكون الانتخابات البرلمانية، وهذهِ الانتخابات هي الأهم بتاريخ العراق السياسي، وعلى الناخب أن يفكر كثيراً قبل أن يدلي بصوته، ففي هذهِ الإنتخابات سيكون لسان حال العراق "أكون أو لا أكون".
لقد خدعنا كثيراً وضُحِك علينا كثيراً مرة باسم الدين ومرة باسم القومية.. فلنجرب البديل، لنجرب التيار المدني، لنجرب المشروع الوطني، لنحاول أن نختار العراق، فلو فشلنا في هذهِ الانتخابات لن يبقى هناك وطن اسمه العراق.
نحن اليوم أمام مشروعين، مشروع جربناه لعشرة سنوات فلم نرى منه غير الكراهية والدماء وإلغاء الأخر، ومشروعٍ يسعى لعراق مدني، عراقٍ يحترم الجميع بغض النظر عن أفكارهم أو انتمائهم أو ميولهم.. وعلينا أن نختار؟ فهل سنختار الحياة أم سنختار الطائفية والعنصرية والفشل؟
فكر عزيزي العراقي، فالعراق يستحق الأفضل..





—————————

(ا) للإطلاع على مقالة الأستاذ أحمد زايد:
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=26022011&id=15dd657f-8a45-4145-bf41-92576fb787eb








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج