الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا إيراني

علي فردان

2005 / 7 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


أنا شيعي من السعودية، إذاً أنا إيراني. أنا شيعي من السعودية، إذاً لي الحق في الجنسية الإيرانية ولي الحق في التصويت في الانتخابات وكذلك في الترشيح لأي منصب في إيران، ولي الحق في السفر إلى إيران وقتما أشاء دون عوائق أو الحصول على فيزا مسبقاً.
أنا شيعي أعيش في بلاد الانجليز والأمريكان وفي دول الخليج العربي، إذاً لي الحق في الحماية الإيرانية، فأنا ضعيف وإيران بها سبعون مليون نسمة ولها قوة عسكرية ضخمة تستطيع الدفاع عني وعن ضعفي، وتُطالب بحقوقي، وإذا ما حصل لي مكروه فهي أول المناصرين لي ولقضيتي، لأني "إيراني الهوى وإن كنت لست إيراني المولد".
بعد المقالة التي كتبتها ونشرتها قبل حوالي أسبوعين بعنوان "إيران السحلية"، وصلتني رسائل عدة، بعضها جميل جداً يمتدح المقالة، لكن البعض الآخر به شتم وقدح مباشر وتحدي للرد على "أسئلة" في منتديات، مع أن ما كتبته "لا يستحق الذكر وتافه".
مما يزيد الوضع "سخافةً" هو أن العديد من المدافعين عن إيران وقيادتها هم يديرون مواقع على النت ومنتديات كبيرة ومشهورة، وهؤلاء مواقعهم محجوبة، وفي منطقتهم الشيعية لا يستطيعون حتى ذكر "أشهد أن علياً ولي الله" في الآذان، مضطهدون مثلي، ومثل غيري آلاف، محرومون من خير أرضهم، يشربون ماءً يصعب على الحيوانات شربه بينما الماء المحلّى يذهب من منطقتنا للرياض، ونفطنا أيضاً وجميع خيراتنا تذهب هناك. هؤلاء لم يحتجوا على حرمانهم حتى من التعبد السلمي، بل تم هدم مساجدهم وحسينياتهم ومنعهم حتى من إقامة معرض فني يتحدث عن عاشوراء والطف ومقتل الإمام الحسين عليه السلام.
مع ذلك، أثبتوا ويثبتوا باستمرار بأن أولوياتهم هي ليست مصالحهم، بل مصالح إيران، ولهذا يستميتون في الدفاع عن إيران، ويدافعون عن "المرشد الأعلى" فيها، ولا يدافعون عن حياتهم وكرامتهم ومستقبلهم ومستقبل أطفالهم الذي هو على كف عفريت. هؤلاء مثلهم مثل الكثير من شيعة البحرين الذين تظاهروا قبل أيام لأن أحد الفنانين في صحيفة محلية رسم رسماً ساخراً ينال من "المرشد الإيراني"، بل أن أحد المشايخ المعممين هدد الفنان (مع أن الفنان اعتذر)، هدده بانتقام الشعب، وهو تهديد يوصل صاحبه إلى المحكمة المعاقبة، وربما السجن لأن هذا التهديد كأنه نية للقتل أو تشجيع عليها.
شيعة البحرين لم يتظاهروا ضد عملية التوطين الحكومية المنظمة لتغيير الديمغرافية السكانية وتقليل أعداد الشيعة فيها، فحكومة البحرين تقوم بتجنيس أجانب باستمرار لموازنة الأكثرية الشيعية فيها. لا ننسى هنا أن الحكومة البحرينية هي لا تمثل الأكثرية "الشيعية"، ولا تزال الحكومة تنتهك حقوق الإنسان وتهمش الشيعة في الوظائف العسكرية وغيرها. كل ذلك لم يجعل الشيعة يتظاهرون مطالبين بالعدالة والمساواة والحقوق والحرية، لكنهم تظاهروا دفاعاً عن "مرشد إيران". إيران لمن لا يعرف عنها، دولة بها سبعون مليون نسمة، وجيشها وحده أكبر من عدد سكان البحرين عدة مرات، ولديها صواريخ تستطيع مسح البحرين من الخارطة لو حدثت معركة حقيقية، ولديها أسطول بحري يدور في الخليج ليل نهار مجهز بصواريخ متطورة.
إيران قوية عسكرياً، وشعبياً أيضاً، لكن شعبها لم يتظاهر احتجاجاً على "السخرية" من المرشد الأعلى للجمهورية، حتى التهديد الذي ظهر قبل يومين على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حميد آصفي، قام رئيس الجمهورية بنفي أي نية عدوانية ضد دول الخليج وقللت من التصريح واعتبرته رأي خاص، وتحدث عن قوة العلاقات مع الكويت وغيرها. إذاً إيران "الدولة الكبرى" في المنطقة تعرف حدودها وتعرف مصالحها جيداً، وتتصرف استناداً إلى ذلك، أما الأقليات الشيعية في المنطقة، فهم يرون شيئاً آخر وهو مصالح الآخرين.
كنت في حديث مع بعض الأخوة عن إيران وقلت لهم لما لا تتدخل إيران لمساعدتنا في الحصول على حقوقنا؟ لو حدث لنا أي نوع من القمع، هل ستتدخل إيران؟ كان الجواب بالنفي، وإن إيران لديها من المشاكل الكثير، فهي لا تستطيع عمل أي شيء. هذه هي الإجابة التي كنت أبحث عنها، فإذا كانت إيران بحجمها وقوتها العسكرية والبشرية لا تستطيع عمل أي شيء لمصلحة الشيعة في المنطقة، كيف لي أنا الضعيف المنتهكة حقوقي ليل نهار أن أساعد إيران؟ وهل المطلوب مني أن أدافع عن مصالح إيران بدل الدفاع عن مصالحي كفرد أو كمجموعة أو كأقلية لم تنل أبسط حقوقها بعد؟
لماذا يتحرك الشيعة بعفوية غريبة دون تفكير في الدفاع عن دولة لا تحتاج لهم في الدفاع عنها بدل الدفاع عن مصالحهم؟ أتفهّم لو أن الشيعة تظاهروا في البحرين أو في السعودية أو في الكويت مطالبين بالمساواة والحقوق والحريات، مطالبين بمكافحة التمييز، مطالبين بحقوقهم كأقلية وحقوقهم في خيرات أرضهم التي لم ينالوا منها إلاّ حصرماً. أتفهم ذلك، ولكن لا أتفهم خروجهم في مظاهرات دفاعاً عن الفلسطينيين قبل سنوات في القطيف وعرّضوا أنفسهم لقمع حكومي شديد، بل قاطعوا حتى المنتجات الأمريكية، في الوقت الذي يعمل فيه الفلسطينيون في بناء المستوطنات الإسرائيلية ويبيعون إسرائيل الإسمنت لبناء الجدار العازل. ولا ننسى أن الدول العربية تقيم علاقات تجارية ودبلوماسية مع إسرائيل، آخر هذه العقود هو بيع الغاز الطبيعي من مصر إلى إسرائيل وهو مشروع قيمته تجاوزت المليارات من الدولارات.
هل نسينا دعم أمريكا لصدام ضد إيران ووقوفها ضد الشعب العراقي؟ هل نسينا دعم أمريكا لجماعة طالبان وبن لادن قبل سبتمبر 2001؟ هل نسينا دعم دول الخليج لصدام في حربه مع إيران قبل احتلال الكويت؟ هل لاحظنا كيف أن الدول العربية مجتمعة وقفت مع صدام ووقفت ضده بعد احتلال الكويت؟ وهل لاحظنا أن أمريكا التي تدعم الشعب العراقي الآن، وهو في جُلِّه من الشيعة، وتعادي إيران، وهي أيضاً يقطنها الشيعة؟ السبب واضح في كل الحالات، المصالح لها الأولوية شئنا أم أبينا.
إذا ما كان الجميع يبحث عن مصالحه، وهذه طبيعة الحياة، لما لا يبحث الشيعة عن مصالحهم؟ لما يفضّلوا أن يعيش الكثير منهم حياة فقر مدقع في الوقت الذي يبذلوا أموالهم في سبيل مشاريع لا تمت لهم بصلة لا من قريب ولا من بعيد، مشاريع "حوزات ومدارس دينية" في إيران وأفريقيا وغيرها.
إذا سلّمنا بأن إيران في حاجة للمال، لما لا تصرف من أموال النفط بدل أن تنتج آلة عسكرية تكلّف البلايين من الدولارات؟ لماذا نحن فقط الشيعة في المنطقة الذين نتعامل مع إيران من منطق "مذهبي بحت"، في الوقت الذي تتعامل إيران مع العالم من منطلق المصلحة؟ إيران تصالحت مع الحكومة السعودية حتى بعد مذبحة مكة التي راح ضحيتها المئات من الحجاج الإيرانيين، بل تم ضرب نساء عجائز على رأسهن وقتلهن بدم بارد، وإن كان الإعلام الإيراني لم يذكر ذلك، والسبب يعود إلى تغليب لغة المصلحة.
إذا ما أراد شيعة السعودية ومنطقة الخليج التقدم في مجال الحقوق، عليهم وضع نصب أعينهم مصالحهم أولاً، وثانياً، وثالثاً وعاشراً؛ عليهم التواصل مع المؤسسات والمنظمات والحكومات وغيرها التي تستطيع أن تؤثر في تحسين وضعهم مادياً وحقوقياً. لا يهم من تكون هذه الجهات طالما وُجِدت المصلحة المشتركة بيننا وبينهم، وهذا مبدأ العالم قبل ملايين السنين، ولا زال؛ فقط هم الشيعة الذين يعيشون خارج هذا الكوكب الأزرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران: ما الترتيبات المقررة في حال شغور منصب الرئيس؟


.. نبض فرنسا: كاليدونيا الجديدة، موقع استراتيجي يثير اهتمام الق




.. إيران: كيف تجري عمليات البحث عن مروحية الرئيس وكم يصمد الإنس


.. نبض أوروبا: كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا وغزة على حملة الانتخا




.. WSJ: عدد قتلى الرهائن الإسرائيليين لدى حماس أعلى بكثير مما ه