الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة/ الشبح والعصا

فكرى عمر

2014 / 4 / 11
الادب والفن


حين وقف أمام المرآة ذات ليلة رأى وجهه داخلها مثيرًا للفزع. شعره طويل شوكي. عيناه أسماك مشتعلة. ذقنه الطويل ثعابين رفيعة. في الأسفل يحمل جسدًا مترهلًا لوحش لم يعتده في نفسه. هو الهزيل دقيق الملامح نهم الأحلام يخاف خوفا بشعًا من الظلام، ومن سيرة العفاريت، ومن الوحدة. أطفأ النور، وأضاءه مرة أخرى. وجد الشبح ما يزال ثابتًا محدقًا فيه. التفت للخلف. لم يجد أحد سواه بالحجرة مما أوقف الزغب الأصفر الذي يغطى جسده وأطرافه، ويسمر أصابع قدميه. لم يقو على الخروج من حجرته مسرعًا؛ لأن الشبح داخل المرآة شده بعصا ملونة. طرفها خطافي. رسم الشبح بتلك العصا داخل المرآة منحنيًا نصف دائري كقوس قزح. تفتت قوس قزح لفراشات رائعة البهجة. هبطت الفراشات؛ لتشكل أشخاصا بانت ملامحهم، فإذا هو يعرفهم جميعا: صديقه الوحيد، وأبوه، وأمه، وإخوته، وأناس بملامح فظة يعرفهم. لم تواته الجرأة، رغم معرفته بوجود عائلته الحقيقية خارج حجرته ،لا تلك الأشباح فى المرآة، أن ينادى أحدهم ليفسر له ما يحدث. لا حيلة له الآن إلا أن يقف مراقبًا أشباح المرآة. مد يده ببطء، وأطفأ النور. أضاءت في الحال شمس المرآة صفراء ذابلة، واستطاع أن يميزهم. بدؤوا في اللعب فرادى، ثم تشكلوا فرقا من قبل أن يتعارفوا جيدا، ودب فيهم الحماس. أشاروا إليه ضاحكين. وقف بعيدًا في مقام الحيرة. لم يبرحه اندهاشه. مد باطن كفه إلى سطح المرآة. مسحت غُبارً خفيفاً كان فوقها. تباعدت أجسادهم. بينما يميل شبحه العصا بالعكس فتمحى آثارهم كممحاة.
لم يستطع طفل الخامسة والعشرين القابع بداخله أن يخبر أحدًا ممن حوله؛ خشية اتهامه بالجنون. كان يخرج أول النهار. يستنشق هواءً طازجًا، ويفتح أذنيه لكلمات متناثرة لا رابط بينها. يجلس وحيدًا في مقهى، أو على الدكك الخشبية المثبتة بالأطوار تحت ظلال أشجار الزينة، ثم يعود ماشيًا. يتخذ أطول الطرق إلى بيته. بينما يقطع لحظات لا يرى فيها العيون التي يكرهها، والتي تتبعه، وتقذف فوقه لهيب صمتها. هو آمن بالشارع؛ إذ يرقص كالمذبوح، والدفء يلامس قدميه، والبنايات الأسمنتية تفترق عن شوارع مستقيمة ملتوية. مضاءة بشمس النهار، ومبللة بخطو المارة. سيعود نافضًا عن نفسه عبق الزحام الذي كان يمقته من قبل، ولا يجد مناصًا من الاحتماء بدفئه الأليف الآن. كان متاحًا لمرات كثيرة أن يطوى الغطاء عن جسده، ويتجاهل أخاه النائم أحيانًا فى نفس الحجرة، ويشعل النور؛ ليراقب صورته الغريبة التي تظهر كلما حدق في المرآة، وتجلب آخرين يخيفونه، ويسخرون منه. أخوه النائم في الحجرة سرعان ما تململ في فراشه، وقام محدقًا فيه بنظرة مرتابة فيعود متظاهرًا بالنوم.
مرة قرر أن يدخل في مناوشة حقيقية مع الشبح الذي يظهر داخل المرآة؛ فهو لا يستطيع الاعتراف، أو السكوت. ربما يصل إلى حقيقة ما يراه. خلف إضاءة خفيفة وقف ينتظر...
بين خطوط أول النهار ظهر الشبح في المرآة. حدق أحدهما في الآخر. لم يكن بالبيت أحد. أصر على مواجهته. انقض عليه قبل أن يستدعى الشبح أعوانه بالعصي التي في يده. يراها كثيرا، ويبتعد في الحال عنها. شكله الحقيقي ظهر فجأة، ثم تلاشى ليحتل الشبح مكانه في المرآة مستلذًا ساخرًا مرعبًا. ظلت المناوشة دائرة، لكن الشبح تكلم، بل ودعاه للدخول في المرآة. يا للمعجزة!
لم تصبه الدهشة؛ فالأحداث المتلاحقة لم تترك مكانا داخل عقله للتفكير. أغمض عينيه، ومد يده ليكسر خوفه. لمس طرف العصا الذي مدها الشبح له، ومر بجسده النحيل فلفحه نسيم بارد. ما إن أصبح داخل المرآة حتى فتح عينيه فلم ير الشبح المخيف، ولا أتباعه بجواره. استدار فوجدهم قد احتلوا حجرته وسريره. مد يده طلبًا للمساعدة، أو للنجاة من الخدعة، لكن الشبح كسر العصا، ورماها خارج شباك الحجرة.
راقب الشبح وكائناته بفزع من خلال ضباب المرآة وقد استباحوا: كراساته، وصوره، وحاجاته الأخرى. لم يعبؤوا لصراخه المجنون وهم يفتتون ذاكرته أشلاء صغيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس