الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- أضغاث أحلام- - قراءة في العتبات والنصوص الموازية

بوزيد مولود الغلى

2014 / 4 / 12
الادب والفن


أضغاث أحلام
قراءة في العتبات والنصوص الموازية
ثمة خيط رفيع ينظم المنجز السردي لأبناء الصحراء في عقد فريد ، فمنذ صدور عمل أحمد القاري " لا أحد يعرف ما الذي أريده " ، برز " الحلم" هاجسا يغذي التوتر السردي ، ويشرع أفق التساؤل عن حدود الفصل بين الحلم الشخصي و سنخه الجماعي ، فالتجربة الروائية الوليدة في الصحراء حُمّلت طوعا أو كرها أصداء حربها و نكباتها و تداعياتها ، الأمر الذي سوغ الفرار إلى الحلم و امتشاق القلم ، و ليس إطراء ولا مجاملة القول ، إن وطأة الأحلام بمضمونيها المعلن والكامن أشد إيلاما و عمقا في رواية " أضغاث أحلام " للأديب الأريب ماء العينين ماء العينين ، إذ أن تختلط الرؤية الثورية المشوشة بالانتهازية ، و تمتزج التمثلات السقيمة بالكلمات المؤلمة (النص المقبوس من الفراشة والقوس)، و تصطدم الآمال العريضة والطموحات الشخصية والمهنية بالبنيات الذهنية والسلوكية القديمة المقيمة ، و تختلط وقائع السيرة الذاتية بمآلات ومسارات الشخصيات الرئيسة الثلاث التي اجتمعت من شتات وفرقة دامت أربعين عاما (1970-2010) ، كي تستعيد الزمن المفقود عبر الاسترجاع و استنباش الذاكرة في مجلس يتم فيه تبادل الحكي "التحاكي " بتعبير الدكتور سعيد يقطين . و من اللافت للانتباه ، أن الصحراء كانت في البدء والمنتهى مهوى الفؤاد ، ففي الفصل الأول الموسوم ب " الصحراء في القوس والفراشة " نترفل مع السارد في بحبوحة عيش البيظان الميالين الى الترحال ، حيث نتعرف على جوانب أصيلة من حياة الرحل وتراثهم وتقاليدهم وتقسيماتهم الاجتماعية التي ستضع ضغثا على إبالة في وعي "رحال " عندما سيتسنم ذرى السلطة العمومية ، فيعمل بلا وعي على "التسامي " و تحقيق الرغبة في تعويض الشعور بالنقص والقهر الاجتماعي ...وفي الفصل الأخير بل في المقطع الأخير تتألق الصحراء حلما يتوق الادريسي لمعانقته عيانا أو يقظة ، و يقرر زيارة العيون حيث " الأهل والخلان" قبل الذهاب الى موريتان ، بينما لم تفارق مراكش ورحباتها و حلقات ساحتها الشهيرة ومعمارها الصنهاجي الأصيل ذاكرة الشخصيات الثلاث الذين سعت بهم الأقدار الى الأطلس والريف والشرق (وارزازات تافيلالت). إنه المغرب بكل مناطقه و تراثه و لغاته ينصهر ويلتحم داخل النص بلحام متين قوامه الدم والمصاهرة ( النسب ماه دراعة تلبسها وتفسخها) .
وللاقتراب أكثر من عالم الرواية الماتعة ، سنطل من علٍ على عتباتها ونصوصها الموازية بدءا بالعنوان و الغلاف و التقديم و الاهداء ...
العنوان :
لا أتجاسر على القول أني قد فهمت على سبيل الجزم ما عناه القاضي اللبيب ماء العينين ماء العينين " بأضغاث أحلام" ، وإن كان من السهل الانتباه إلى مركزية موضوعة " الحلم " في الرواية برمتها ، فالحلم يأتي بمعناه الطوباوي في مقاطع تزري بوهم " التغيير الثوري الراديكالي " و تحمله بصراحة نادرة ( والحق مر سماعه) مسؤولية التغرير الايديولوجي بالشباب الذي أنشأ جبهة البوليساريو ( ص 167) ، " وما جبهة البوليساريو ومن يدور في فلكها الا نتيجة ما كانوا يقومون به هم أنفسهم وما سعوا من أجله في سنوات الستينيات والسبعينيات ، و اخذت مشعله جماعة من الشباب )
( ضحكت من سخرية الأقدار التي سمحت لمن كان يجب عليه أن يطأطئ ٍ رأسه خجلا وحياء ( وهو يبيع مواقفه الزائفة ، والوهم المفقود من اجل السعي للشهرة ناسيا أو متناسيا دماء الأبرياء التي أريقت بأفكاره وأهدافه)
( ويابى الوهم و السراب الا ان يقدم للقادمين من الصحراء من طرف نفس المجموعة بعد خروج الجميع من المعتقلات ودخول بعض المغتربين من المنافي الاوروبية (135)
والحلم يأتي بمعنى الأمنية والأمل ، سواء أكان حلما جهيضا كتجربة جبهة الوحدة والتحرير أو حلما ناعما معلقا على رقبة المستقبل (لقد عشنا نحن الثلاثة أحلام اليقظة والمنام ، وعليك انت صياغة ذلك في قالب ابداعي ، أتمنى ان يروق القارئ ، ولا ينال الشيء الكثير من سهام النقد) / وهذه هي الخاتمة المفتوحة / الحلم.
تلك بعض ماصدقات الحلم التي انطوى عليها النص ، بيد أن المعنى الذي أصر السارد على شرحه على لسان إحدى الشخصيات ، إنما ينسحب على المراد بالحلم في التحليل النفسي ، وهو بتعبير علي أسعد وطفة عمل بنائي يعبر عن الأفكار الكامنة في مجاهل اللاشعور " - ، ومنه الرغبة في الانتقام الرمزي من " أسياد الجاهلية " و هدم البنيات الاجتماعية العميقة التي جعلت من " اللحمة" طبقة ترتكس اسفل قاعدة الهرم الاجتماعي .
أنظر : الآفاق الرمزية للحلم وخلفياته النفسية.نحو منهجية علمية لتفسير دلالة الحلم.

ولكن ، ما الذي يعنيه المركب الاضافي أضغاث أحلام ؟
اضغاث جمع ضغث ، و يأتي بمعان متعددة منها :
الضغث الضغث من الخبر والأمر : ما كان مختلطا لا حقيقة له ، و أضغاث احلام تعني أخلاط أحلام ، أي رؤى مختلطة ملتبسة " كبيت العنكبوت " ، ص 200 .مثل رؤيا الاثنين الذين "لا يعرفان عن المنطقة / الصحراء إلا ما يعرفه الرضيع عن محيطه العائلي و الجهوي والوطني " ص 30.
والضغث في المثل القائل : زاد ضغثا على إبالة يعني بلية على أخرى ، والابالة حزمة الحشيش والحطب ، وهو معنى قريب من مثل حساني يقول : " ألا هو حطب الخادم الا يطيح وتعل كريدو " ، وليس خافيا أن هذا المعنى مستفاد من الحكاية التي وظفها الكاتب بلطافة وروح دعابة تستبطن السخرية ( ماني كايم ماني كايم – ص 146.
mony gaym
واعتبارا لغنى الرواية بالمادة التراثية الحسانية فضلا عن توسل ببعض الحكم و الامثال الأمازيغية ، فانه من السائغ تأول معاني الحلم في المأثور الشعبي الحساني التي تتسق مع بعض المقامات و المشاهد و أحداث الرواية ، فسياقات الادانة المبطنة والمعلنة أحيانا لبعض التمثلات المبنية على سوء الفهم و الاحتقار والحقد ، تتسق مع المثل القائل : " اللي ما يبغيك ، يحلم عنك حلم شين "
-
- الغلاف :
لم تكتب أضغاث أحلام باللون الوردي ولا الأسود ، فليست الأحلام المختلطة غير المستبينة أو العصية على التعبير والتأويل سوداء قاتمة ولا وردية صافية ، وإنما كتبت باللون البرتقالي ، الأمر الذي اضفى على العنوان مسحة من التفاؤل الحذر في تقديري،أما لوحة الغلاف الغارقة في التجريد والسريالية ، فقد فهمت منها إن لم أكن مجازفا او مجانفا للصواب ، أنها أشبه ببيت العنكبوت التي تبدد في الهواء (ص 200) ، إذ تظهر بقع سواد تناثرت تناثر النقع في الهواء ، بيد أن النثار لم يحجب اللون الترابي الغالب على اللوحة التي كتبت أسفلها " رواية " حرصا على تجنيس العمل من جهة و توجيه القارئ الى التعامل مع النص كعمل ابداعي تخييلي يمتح من الواقع ولا يتقيد بنقله دون تزيد أو نقصان ، فالشخصيات ومساراتها السردية في المجمل متخيلة .
التقديم :
صدر الدكتور سعيد يقطين تقديمه المركز المكثف للكتاب بعنوان بارز ألقى الضوء الكاشف على مقصدية النص وتصديه للكتابة عن الذات مقايسا تداخل الواقع والخيال في الرواية بتداخلهما في قصائد الملحون التي تعتمد على " لعبة ابداعية " قوامها " ما كان لم يكن " ، و كل ما جرى سرده لا صلة له بالواقع ، وإنما هو محض خيال اقتضته الرغبة في البسط والامتاع (ص 3) ، بحيث يقوم العمل الروائي على الانتقال من الوقائع المستقاة من الحياة العملية إلى الأحلام يقظة ومناما ، و يشدد الناقد الكبير على أن المطلع الروائي المتصدي بالنقد والهدم لتمثلات و أحاديث عارية عن الصحة تضمنها عملان للأشعري والكثيري ، أثبت سوء الفهم الذي تتضرر منه القضية الوطنية ، مبينا مدى الحاجة الى الكتابة الواعية عن الذات خدمة للحقيقة والتاريخ .
الاهداء :
درج الكتاب والمبدعون على اهداء عصارة أعمالهم لمن أسدوا لهم أو لغيرهم معروفا سواء أكان الاهداء عرفانا بتضحيات جليلة كتضحيات الأبوين و إكراما لذي فضل كالامير المختلف الذي أهدى اليه الراحل الكبير الجابري أحد أعماله الفريدة ، أما اهداء " اضغاث أحلام " فقد جاء مختلفا ، لم يوهب لبشر ، وإنما خص به طير يذكر علو عشه و شموخ " سيادته " برائحة المكان الذي لم تفرق ذكراه السارد مذ ولجه طالبا بابن يوسف ، ذاك المكان الذي نجد أصداءه أيضا في نص رائحة المكان للدكتور عبد الالاه بلقزيز ، إنه مراكش بمآذنها و أماكنها الشاهقة التي تعلوها أعشاش هذا الطائر الذي فتح الاهداء أعيننا على تشامخه في الادبيات والذاكرة تشامخ الصحراء في الوعي الوطني ، قد يكون للاهداء طعم خاص غير الذي ذكره المؤلف ، فكل المعالي ومعاني النبل حازها هذا الطائر المهاجر دون أن يهجر الاوطان و لا يعود اليها ، المتأنف عن الغدر والخيانة المتعالي المتشامخ السامق الناظر من أعلى الى الصغار الذين يحكون بأنفسهم السماء كبرياء أو غلظة وجفاء ...لكم أن تقرؤوا الاهداء لتعرفوا أن اللقالق لا ترحل ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا