الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمحات إنسانيّة – قراءة في المجموعة القصصيّة -في خضمّ المصائب- للكاتب العراقي أدمون صبري

كلكامش نبيل

2014 / 4 / 13
الادب والفن


يناقش الكاتب العراقي أدمون صبري في القصّة القصيرة "في خضم المصائب" ظروف رجل فقير يدعى حقّي يعمل كوسيط بين المحامين وزبائنهم، وهو يعرف جيّدا كيف يصطاد السذّج والبسطاء من خبراته التحليليّة لنفسيّات الناس والتي إكتسبها من خلال عمله في المهنة منذ عقود. في هذه القصّة يبرز الكاتب كيف يميل البعض إلى إستغلال الناس من دون أن تأخذهم أي شفقة أو رحمة، فيلمّح المحامي - الذي جلبه حقّي ليترافع عن إمرأة شابّة أرملة فقدت إبنها الوحيد بعد أن دهسته إحدى السيّارات – إلى جمال المرأة الفقيرة ويحاول إستغلالها ولكنّ حقّي تأخذه الشفقة بها، فهي إمرأة فقيرة ومريضة وأرملة وفقدت إبنها الوحيد مؤخّرا ولهذا يمنحها النصف دينار الذي تقاضاه من المحامي لقاء وساطته وجلبه للموكلة الحسناء، فيمنحها المبلغ لتشتري العلاج لنفسها وينصحها بعدم الذهاب إلى ذلك المحامي ملمّحا لها عن السبب، فالكاتب ههنا يصوّر حالة من الإستغلال الجشع الأعمى والذي لا يبصر مأساة الآخرين وفي المقابل يصوّر قلبا آخر إستيقظت إنسانيّته أمام أحزان الأم الثكلى.

في القصّة القصيرة "رجل مضطهد" يصوّر الكاتب حالة موظّف يرمى به إلى إحدى النواحي البعيدة، فيترك أسرته في بغداد، بسبب الفساد الإداري الذي جعل المسؤولين يعيّنون شابّا حديث التخرّج من طبقة عليا لم يجدوا له وظيفة مكانه، ويلقون بالموظّف القدير بعيدا. يصوّر الكاتب بؤس تلك الناحية وتملّق كل الموظّفين للمسؤولين، كما يصوّر عدم إكتفاء ذلك الشاب بسلب الرجل وظيفته وتجاوز ذلك ليحاول الإيقاع بإبنته الجميلة ومحاولة خداعها، كان الرجل يرى تراجع إحترام الناس له ويعزو ذلك لعدم قدرته على الدفاع عن نفسه وحقوقه، وفي النهاية يموت كمدا بعيدا عن أسرته.

في "حلم رجل أعمى" يناقش الكاتب قصّة فرنسيس، الرجل الأعمى الذي ألقت به الدار ليواجه مصيره في الشارع ويمارس مهنة التسوّل أمام الكنائس، ليصوّر لنا قسوة القائمين على دار العجزة وقسوة الدولة التي تحاول مطارة المتسوّلين غير مدركة بأنّها لا تقوم بواجباتها تجاه العاجزين وبأنّها هي التي تجبرهم على التسوّل بعد أن ألقت الدار بهم في الشارع. لكنّ حلما يراود فرنسيس في أن يتعلّم العزف على الكمان ليتسوّل به، ويحرص على جمع المال اللازم لشراء الكمان وتعلّم العزف ولكنّ مخاوفه من أن يضيع حلمه تضيّع ذلك الحلم وتمنحه إعاقة إضافيّة تقضي على كل أحلامه نهائيّا، هي قصّة شخص يكاد البؤس يكون قرينه الأزلي الذي لا يمكنه الإنفكاك عنه.

في "إبنة العم" يناقش الكاتب أوضاع الفقراء وعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم وحماية بعضهم البعض حتّى عندما تكون المسألة داخليّة، بين أوساط الطبقات الفقيرة ذاتها، فيحكي لنا قصّة الطفل اليتيم حبيب وتشرّده بعد أن يعجز عمّه عن إستضافته فيرسله ليعيش في كنف إبنته ماريا وزوجها عبد الأحد الذي يدير مطعما في بغداد. يجد الطفل حاجته من الحنان والمحبّة التي تغمره بها إبنة عمّه ماريا ولكنّها كانت تقاسي على يد زوجها السكّير الذي طلب من حبيب أن يعمل معه في المطعم، يقارن الطفل بين الطبقات في بغداد آنذاك، بين ملابس إبنة عمّه البسيطة والمتشابهة وأحلامها في شراء أفخر الفساتين ولجوءها في النهاية لأن تشتري من الباعة المتجوّلين، وبين النساء المتدثّرات بالفرو واللاتي يتجمهرن أمام السينما الواقعة أمام محل عبد الأحد. يحاول الصبي مساعدة إبنة عمّه التي تطلب العون من والدها لينقذها من العنف الأسري الذي تقاسي منه على يد زوجها، لكنّ تلك المساعدة تفشل فتمنحها المزيد من الألم وتفقد الطفل الصغير المأوى والحنان، هي قصّة تعبّر عن إضطهاد الطبقات الفقيرة لبعضها البعض ولكأنّ القوي يدمن إيذاء الأضعف حتّى وإن كان من فئته بدل أن يتعاطف معه.

في "مثقال من ذهب" نقرأ قصّة جابر الطالب القادم من الناصريّة للدراسة في جامعة بغداد ومعاناته في الفنادق الفقيرة قبل أن يجد سكنا يمنحه الشعور بأجواء أسريّة دافئة. وفي هذا المنزل يقع في حب إمرأة متزوّجة ويحاول التقرّب إليها ولكنّها كانت تؤكّد له بأنّها ليست من أولئك النساء. فكان يحاول التقرّب منها من خلال مداعبة إبنتها الصغيرة ويستمع إلى كلامها مع صاحبة المنزل عن قسوة زوجها ومشاكلها معه. في النهاية يوفّر مبلغا كبيرا لشراء سوار من الذهب لإبنتها الصغيرة مقابل زيارتها له في غرفته وإعداد الشاي له، يستغل الشاب غياب صاحبة المنزل ويهيّء الأجواء اللازمة للإنفراد بها ونيل تلك القبلة، لكنّ آماله تتحطّم بعد أن تعود المرأة التي كانت تشكو من كونها مريضة مؤخّرا وفي يدها تقرير الطبيب، ليعرف بأنّها مصابة بالسل وأنّ إصابتها خطيرة، فينهي فكرة إستضافتها في غرفته ويرمي لها بالسوار على الأرض ويهرب بعيدا، لكأنّ حبّ الذات هزم كل تلك الرغبات في لحظة واحدة.

في "عائد من السباق" يصوّر لنا الكاتب حياة بطرس وأسرته الكبيرة المؤلّفة من إثنا عشر طفلا ويعقد مقارنة مع حياة زميله في العمل توما وأسرته الصغيرة المؤلّفة منه وزوجته وإبنهما الوحيد المريض. ويعمل كلا الرجلين في محطّة القطار وكان اليوم ليلة عيد الميلاد وكان على توما أن يذهب إلى العمل في تلك الليلة. يعد بطرس أسرته بأنّه سيلبّي لهم كل طلباتهم ويقضون وقتا طيّبا بل ويعدهم بما يفوق إمكانيّاته الماديّة فيزدادون إبتهاجا، ولكنّه يعتقد بأنّه سيتوفّر على المبالغ اللازمة من خلال المقامرة على سباق الخيول. فيذهب ويراهن على فوز إحدى الخيول، ويصف الكاتب سائقها الحافي القدمين ممّا يوحي وكأنّ السباق بدائي ككل أجواء الفقر التي تسود كلّ القصص في هذه المجموعة، وفي المقابل يصف جمهرة من الأغنياء بملابس أنيقة وهم يحملون مناظيرهم ويراقبون السباق في قمرتهم الخاصّة. في النهاية تفوز فرسه ولكنّ الأغنياء يطعنون بالنتيجة وتتغيّر فينقلب الفائز خاسرا وتنقلب الفرحة حزنا عميقا، وتتبخّر كل أحلامه. يفكّر بطرس في خيبة الأمل التي سيورثها لعائلته ما أن تعرف بتلاشي كل آملاهم وضياع كل ما يملك في سباق "ينظّمه المستعمر ويديره سادته" حسب وصف الكاتب، ويفكّر في زميله توما وإبنه المريض فيعتقد بأنّ ذهابه إلى أسرته سيمنحهم المزيد من الألم فيقرر منح أسرة زميله السعادة بأن يذهب بدل توما ويترك الأخير ليقضي عيد الميلاد برفقة أسرته. الكاتب يصوّر حالة إنسانيّة جميلة فالرجل وإن حاول إسعاد أسرته بطريقة سيّئة أفقدته كلّ شيء إلاّ أنّه حاول مساعدة الآخرين ومنحهم الإبتسامة، كما يصوّر ظلم الطبقات الغنيّة وقدرتها على صنع كلّ شيء بما تملكه من مال.

ختاما، توحي لنا المجموعة الصادرة عام 1959 بأنّ أوضاع الفقر والبؤس لم تتغيّر منذ عهود طويلة ولكأنّ قدر العراق الغني أن يعاني على الدوام من الفقر والإهمال وإستغلال ذوي النفوذ لمصالحهم، كما يصوّر لنا طبيعة الإنسان ما بين الطيبة العفوية والإستغلال الجشع الذي لا يعرف الشبع.

د. كلكامش نبيل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي