الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وراء الإرهاب الفردي وإرهاب الجيوش فتش عن غياب العدالة

هويدا طه

2005 / 7 / 14
الارهاب, الحرب والسلام


ما الذي يربط بين تفجيرات لندن وقبلها مدريد واسطنبول ونيويورك.. وحادث خان الخليلي في القاهرة.. وتفجير مسرح مدرسي في قطر.. ومقتل آلاف العراقيين بالصواريخ في بغداد.. والقتل اليومي لعشرات الفلسطينيين برصاص إسرائيل.. وتلاشي أجساد معارضين ذوبانا في الأحماض في تونس.. وهلاك آلاف الأشخاص بسبب الجوع في أفريقيا.. وانتحار مصريين بسبب الفقر.. وإعدام السفير المصري في العراق.. واختطاف أقوى جيش في العالم عشرات الأشخاص إلى غوانتانامو المعزولة في المحيط.. وتقاتل قوات الأمن وجماعات المسلحين في مدن السعودية.. وقيام أفراد بقتل مخرج سينمائي أو أديب أو صحفي رفضا لأعمالهم الفنية والفكرية.. وتدبير أجهزة استخباراتية اغتيال أشخاص يعارضون دولها.. وحروب أهلية قتل فيها مئات الآلاف من المدنيين في السودان.. وحروب دولية تشنها دول عظمى على دول ضعيفة.. واختطاف سائح في اليمن يساوم مختطفوه على حياته بتوصيل الكهرباء أو المياه لقريتهم.. العنف في إقليم الباسك الأسباني.. عنف الجيش الأيرلندي ضد بريطانيا.. نمور التاميل في سريلانكا.. وغير ذلك من شواهد (القتل العمد) للأفراد و(الإبادة المقصودة) للجماعات وتهديد أمن الجميع.. على سطح هذا الكوكب البائس؟!
قبل أن يتفق العالم أصلا- أفرادا ودولا ومنظمات- على المقصود بكلمة (الإرهاب)، فإن الإرهاب غطى حياة البشر بكل أشكالها.. وأشكاله أيضا، ومهما كان مدى صدق وفاعلية من يدعي محاربته.. فإنه يزداد شراسة يوما بعد يوم حتى صار عبثيا.. يضرب في كل اتجاه وبكل الوسائل.. ودائما هناك مبررات لكنها تساق بعد وقوع الضحايا.. وأمام ما يشيعه الإرهاب من فوضى في العالم تتساءل: مسؤولية مَن.. ذلك (الإرهاب المتسلسل)؟! ثم عند محاولة (تفكيك) مسألة الإرهاب في العالم، تجد نفسك أمام خمسة أطراف.. لكل منها دور إما في صناعة الإرهاب أو في محاربته، الولايات المتحدة، منظمة الأمم المتحدة، الدول المتقدمة الأخرى، دول العالم الثالث، وأفراد ينتمون- أو لا ينتمون- لمنظماتٍ لها ولهم رؤية خاصة للعالم:
الأمم المتحدة والولايات المتحدة
تحدد وثائق الأمم المتحدة دورها بأنه مساعدة دول العالم على تحقيق السلم والتنمية والأمن الاقتصادي والاجتماعي، وهو دور نبيل تتطلبه أوضاع العالم بشدة، لكنه مثالي.. يصعب على المنظمة تحقيقه بسبب عجزها أمام هيمنة الدول- أو الدولة- العظمى عليها، ونحن سكان العالم الثالث لا نملك أمام تلك المنظمة- رغم عجزها- إلا التمسك بها والتعاطف معها، فأمام إخفاقاتها الكثيرة.. هناك بعض نجاحات لا يمكن إنكارها، وفيما يختص بمسألة الإرهاب فإن منظمة الأمم المتحدة نفسها تكاد تذهب بدورها النبيل ضحية له.. بشكل مباشر أو غير مباشر..
** فالولايات المتحدة تلوي عنق تلك المنظمة.. وتضغط عليها لاستصدار قرارات غالبا ما تكون ضد دول وشعوب الأرض، صحيح أن داخل تلك المنظمة أجنحة تقاوم هذا الاتجاه.. لكنها أضعف من التصدي وحدها لهذه القوة الأمريكية الباطشة، ما حدث أو قد يحدث في العراق ولبنان والسودان وكوريا وإيران وغيرهم.. أمثلة لوقوع تلك المنظمة في فخ (إرهاب) الدولة الأعظم في العالم.
** أنشأت الأمم المتحدة (الفريق العامل المعني بالسياسات المتعلقة بالأمم المتحدة والإرهاب) في تشرين الأول/أكتوبر2001(أي بعد هجمات11سبتمبر بأقل من شهر واحد) بغرض تحديد آثار الإرهاب، وأبعاد سياسة مكافحته، واقتراح خطوات مناسبة لمعالجة المسألة. ورغم أن العالم كان بحاجة إلى الاهتمام بتلك الظاهرة قبل ذلك التاريخ.. إلا أن أحداث11سبتمبر هي التي جعلت القرن الحادي والعشرين يطل على البشرية كقرن للإرهاب من أوله! إرهاب قد تعود جذوره إلى أفعالٍ مارستها البشرية على مر القرون في جميع أنحاء العالم، تحصد الأجيال حصادها المر جيلا وراء جيل.. ومع ذلك.. فإن نظرة هذا الفريق كانت أوسع من مجرد التحقيق في مصاب الولايات المتحدة:
** حدد الفريق العامل في تقريره إستراتيجية ثلاثية لأنشطة الأمم المتحدة في سعيها للتصدي للإرهاب.. تشمل حسب التقرير:"إقناع الفئات الساخطة بالعدول عن اعتناق الإرهاب وبعدم جدواه، وحرمان المجموعات أو الأفراد من وسائل الإرهاب، ودعم التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب"، لكن الواقع أن المنظمة الدولية فشلت في (إقناع) الفئات الساخطة، لأن أسباب اعتناقهم للإرهاب ما زالت قائمة بل وتتفاقم، ولم تستطع- ولو لمرة واحدة- (حرمان) المجموعات أو الأفراد من سبل الإرهاب، فهم يجددون وسائلهم ويصعب التنبؤ بضرباتهم.. خاصة بعد أن تجاوز الإرهاب بعده المحلي وأصبح يشمل الكوكب بأسره، أما دعم المنظمة لما أسماه التقرير (التعاون الدولي) فقد تحول إلى (تعاون) مع القوة العظمى في (إرهابها) للشعوب بدعوى محاربة الإرهاب! تعاون تمرر الولايات المتحدة عبره ما تشاء من صيغ تشكيل العالم، وهي صيغ تحمل من الظلم لمختلف الشعوب ما يزيد من تفاقم أسباب اعتناق الإرهاب.. وتجدد سبله وانتشاره واتساعه عالميا.
** طالب التقرير الأمم المتحدة بأن تكفل حماية حقوق الإنسان.. لأن الإرهاب حسب نص التقرير:"كثيرا ما ينمو بقوة في الأماكن التي تنتهك فيها حقوق الإنسان"، وقال التقرير إن (الحكام) في بعض الدول يتذرعون بمحاربة الإرهاب لسحق معارضيهم، وأنهم حسب تعبير التقرير(يستخدمون الرعب كأداة للسيطرة)، مما يؤسف له حقا أن الأمم المتحدة تعجز بوسائلها وصلاحياتها الحالية عن (إزاحة) هؤلاء الحكام.. أو منعهم من (استخدام الرعب للسيطرة)، إزاحة الحكام الجائرين في دول العالم غير الديمقراطية لا تتم حاليا إلا بأحد وسيلتين: تخلص القوة العظمى منهم.. بعد أن كانت تدعمهم لحساب مصالحها غاضة الطرف عن انتهاكهم لحقوق الإنسان.. أو ثورة شعوبهم عليهم، لكن المؤسف أيضا أن الثورات في ظل تعقيدات العالم الحديث.. لم تعد بسهولة ثورات الماضي الكلاسيكية..
** ذكر التقرير ما نصه:" كلا ً من العلمانية والدين على حد ٍ سواء يُستغلان لتبرير الإرهاب"،.. وهي ملاحظة في محلها من قبل الفريق، فإرهاب الدولة العظمى للشعوب وقتلها لهم بأسلحتها المدمرة يأتي باسم(الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية)، وإرهاب المتطرفين من كل الأديان.. يبدو وكأنه (صراع الآلهة) الذي يدفع ثمنه البشر الآمنون (رغم عدم حاجة الله لكل هذا الدم حتى يثبت ألوهيته المطلقة.. التي يدركها الناس بفطرتهم دون حاجة لقتل بعضهم البعض!).. فِرق الأمم المتحدة إذن قد تشخص مشكلة الإرهاب.. لكنها تعجز فعليا عن حلها.
** أحد مشكلات منظمة الأمم المتحدة مع الإرهاب.. هي مراوغة هذه الظاهرة وعصيانها على (تعريف) تقره جميع الأطراف، يقول التقرير السابق:"لم يحاول الفريق ابتكار تعريف للإرهاب... ولا يعتقد أن الأمم المتحدة في وضع يسمح لها بالقيام بدور تنفيذي فعال في الجهود الرامية إلى قمع الجماعات الإرهابية... بعض السمات العامة لتلك الظاهرة.. أن الإرهاب في معظم الأحوال هو فعل سياسي أساسا"، التقرير (نصح) الأمم المتحدة بأهمية أن تنشط في تفعيل الصكوك القانونية والعدالة الجنائية الدولية، لكن يبدو أنه حتى الصكوك الدولية و(العدالة) الجنائية الدولية أفلتت من يد منظمة الأمم المتحدة، إذ لم تستطع أن تواجه إصرار الولايات المتحدة على استثناء الجنود الأمريكيين من أي محاكمة دولية، مهما ارتكبوا من جرائم حرب، ومهما مارسوا من (إرهاب) ضد الشعوب الواقعة تحت احتلالهم..
** تعرض التقرير لمسألة التصدي لانتشار (أسلحة الدمار الشامل)، وهي من أكبر الأدلة على غياب العدالة بين دول العالم، فمنتجو أسلحة الدمار الشامل هم أنفسهم من يحاربون العالم ويبيدون سكانه بها.. تحت عنوان التصدي لانتشار أسلحة الدمار الشامل! يباد العراقيون ويحاصر الكوريون ويهدد الإيرانيون.. لمجرد سعيهم لتصنيعها، والعالم مستمر رغما عنه في سماع هذا المنطق المغلوط ليل نهار، بينما لا تجرؤ الأمم المتحدة على مطالبة القوة الأعظم بتدمير أسلحتها، بل لا تستطيع حتى أن تمس ولو على استحياء.. مسألة عدة قنابل نووية تمتلكها دويلة مثل إسرائيل.. وتهدد بها جيرانها.
** يقول التقرير حالما:" يشكل انعدام الأمل في تحقيق العدالة تربة خصبة للإرهاب. وحيث تنجح جهود الأمم المتحدة في تخفيض اليأس وحدة المروق على القانون في العالم، لن يجد الإرهاب ما يغذيه"، النتيجة المؤسفة هي أنه رغم جهود منظمة الأمم المتحدة في التصدي للإرهاب.. ورغم أن تلك المنظمة هي- نظريا على الأقل- أمل شعوب العالم لتحقيق العدالة- أو بعض منها- إلا أن اختلال القوة الرهيب بين الدولة الأعظم وباقي دول العالم يجعل من قوة المنظمة.. حلما للمقهورين لا يتحقق أبدا، ببساطة لأنه قائم على ما وصفه التقرير بقوله:"إن الميزة العالمية للأمم المتحدة، وانتشارها العالمي، وشرعيتها الدولية تشكل أصولا مهمة يمكن أن تستند إليها في هذا الجهد"، لكن هذه (الميزة) للأمم المتحدة.. تتلاشى في لحظة.. أمام تهديد الولايات المتحدة للمنظمة.. بإغلاق أبوابها!
الدول المتقدمة والدول النامية
الدول المتقدمة التي تأتي في الصف الثاني بعد الولايات المتحدة.. والأوروبية منها تحديدا.. يربطها بدول العالم الثالث علاقة تاريخية، بنيت قبل وأثناء وبعد مرحلة الاستعمار في القرون الماضية، ودول العالم الثالث هي دول متخلفة تكنولوجيا وسياسيا وحقوقيا.. مقارنة بما أنجزته الدول المتقدمة- الاستعمارية قديما- من نمو وازدهار سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا واجتماعيا.. العالم الثالث يدور حضاريا في فلك مستعمره القديم.. وكلاهما يدور سياسيا واقتصاديا في فلك القوة الأعظم والثقب الأسود في العالم.. الولايات المتحدة، وظاهرة الإرهاب- محلي أو عالمي، فردي أو إرهاب دولة- ليست ظاهرة منفصلة عن هذا الدوران المزدوج في هذين الفلكين.. وفي هذا الإطار تتضح صور الإرهاب وأسبابه ومجاله:
** (الإرهاب الفردي) غالبا ما يخرج من دول العالم الثالث مستهدفا المدنيين الآمنين في الدول المتقدمة.. وليس العكس.. فتنظيم القاعدة مثلا كوّن أعضاءه من بين أبناءنا وجيراننا.. وحمّلهم عصاه وراح يضرب بها في نيويورك ومدريد ولندن وغيرهم، موقعا ضحاياه من مدنيين.. ربما لم يسمعوا شيئا عن قضايا بلداننا المعقدة، بينما (إرهاب الجيوش) الذي يستهدف شعوبا بأكملها- مدنيين وعسكريين- يأتي من الدول المتقدمة مستهدفا دول وشعوب الجنوب.. مئات الآلاف من العراقيين (الآمنين أيضا) قتلتهم صواريخ وقذائف الجيش الأمريكي وحليفه الجيش البريطاني.. الذي يفزع مواطنوه الآن مما لحق بعاصمتهم.. من تفجيرات روعت الآمنين في شوارع لندن.
** جذور (الإرهاب الفردي) تعود إلى غبن تاريخي تعرضت له شعوب اسُتنزفت ثرواتها لصالح نهضة الدول المستعمِرة، ثم تُركت بعد نهاية الاستعمار منهكة متأخرة عنه بمراحل.. لا تكاد بعد استقلالها تجد الموارد أو الأسواق التي تبني فيها نهضتها، أو عين الاستعمار في معظم دولها (نوابا) أسميناهم فيما بعد (الحكام الديكتاتوريين)، بعضهم- بسبب الفساد- عطل شعبه عن التطور واللحاق بغيره ممن تقدم، وبعضهم لم يكونوا فاسدين.. لكنهم حاولوا وفشلوا.. بسبب الإعاقة الخارجية لتجاربهم الوطنية، فتفاقمت مشاكل الفقر والديون والقمع مع ازدياد عدد السكان.. حتى اتجه الغضب من هذه الأوضاع نحو تلك الدول التي (سرقت ثم رحلت) فراحت فئات من تلك الشعوب تفتش في ماضيها.. بحثا عن حلول الأسلاف، هذا البحث أخذ وقته طوال نصف القرن الماضي.. حتى نضج.. فانفجر.. ليقتل الناس- على براءتهم- في ناطحات السحاب وقطارات المترو وميادين العواصم في كل مكان..
** وإذا كان (الإرهاب الفردي) يعود في جذوره إلى غبن تاريخي، فإن (إرهاب الجيوش) للشعوب تحركه ظاهرة شرسة نشأت في الولايات المتحدة والدول المتقدمة، هي تلك (الشركات متعددة الجنسيات) وتجار السلاح الكبار، وعندما تقرأ تقارير مؤسسات محترمة (في الغرب أيضا!) تدهش لمدى هيمنة تلك الشركات على العالم باسم.. محاربة الإرهاب.. نشر الحرية والديمقراطية.. تحرير الأسواق.. عولمة التجارة.. الانفتاح الاقتصادي.. الإصلاح السياسي.. إعادة الهيكلة.. إلى آخره من مفاهيم براقة، بعضها تناضل الشعوب من أجله منذ ما قبل اكتشاف القارة الأمريكية أصلا! مثل حقوق الإنسان.. وحقوق المرأة.. وحقوق الأقليات.. وحرية التعبير والاعتقاد.. وغير ذلك من مفاهيم رصدوا الملايين لمؤسسات بحثية لنشرها.. لا لوجه الله أو وجه الحرية وحقوق الإنسان.. فمن يصدقهم؟! وإنما للبحث في كيفية استخدامها لتأجيج الصراعات والحروب هنا وهناك.. لبيع السلاح المتراكم.. وفتح مزيد من الأسواق لإنتاجهم المتقدم- والذي زادته التكنولوجيا كفاءة وتضخما فلم تعد أسواقهم تكفيهم- من الصابون وحتى اليورانيوم المخصب وغير المخصب! وراحت تلك المؤسسات البحثية الضخمة (تغسل دماغ العالم) موحية إليه أن التاريخ (وصل إلى نهايته) بانتصار الرأسمالية.. بانتصار الشركات عابرة القارات.. ولم يعد أمام العالم سوى الانصياع، لماذا تدفع الإمارات المتحدة مثلا مئات المليارات لشراء السلاح؟! ومليارات أخرى لتجديده.. بعد أن تظهر في السوق نسخ مطورة منه؟! ولماذا تتهافت (الشركات الأمريكية) على العراق.. وتتصارع فيما بينها على بتروله وأرضه وماءه؟! ومن ضرب أسواق دول النمور الآسيوية حتى انهارت بين ليلة وضحاها؟!
** الدول المتقدمة- الاستعمارية قديما- تريد من الجنوب وردا بلا شوك، فرغم (تحالفها الاستراتيجي) مع القوة الأعظم.. فإنها تعلي راية الشراكة البراقة مع دول الجنوب بينما تساهم في منع تجاربها الإنتاجية الوطنية الحقيقية أو تحاربها، حتى لو كانت تعطيها مساعدات مالية من وقت إلى آخر، مثال على ذلك فإن كل مزارع في دول مجلس الأمن والتعاون الأوروبي يتلقى دعما لإنتاجه الزراعي يصل إلى 12 ألف دولار سنويا، بينما المزارع في دول الجنوب لا يتلقى أكثر من ستة دولارات سنويا، ما يعني أن المنتج الزراعي الأوروبي هو بالضرورة أكثر جودة وأرخص سعرا فتنفتح له وحده السوق العالمية.. ليظل الفقر ديدن شعوب الجنوب.. وعندما يحاول شبابها الفرار من جحيم الفقر أو الإفقار.. تقف له ترسانة قوانين منع الهجرة بالمرصاد.. ويتهم الشمال دول الجنوب بالتهاون في كبح جماح أبناءها! ومع ذلك ينجح بعضهم في التسلل إلى الشمال.. لتنفجر القطارات بعد حين في مدنهم.. ويروع سكانها ذات صباح.. فيعود سكان الجنوب لدفع مزيد من الثمن.. ليدور العالم في حلقة مفرغة.. ظلم يصنع إرهابيين.. ثم حرب تشن على بلادهم.. عقابا لجريمة تكابر الدول المتقدمة وشريكتها الإستراتيجية القوة الأعظم.. فلا تعترف.. بأنها تحصد فيها ما زرعت..
الأفراد والتنظيمات
طرف خامس في قصة الإرهاب.. هو الأفراد المصطلح على تسميتهم (الإرهابيين) سواء كانوا (يبادرون فرديا) بعمليات (إرهابية) أو ينفذونها من خلال تنظيمات كتنظيم القاعدة مثلا، ولأن العالم كله الآن مهووس بنوع واحد من الإرهابيين هو (الإرهابيون الإسلاميون)! رغم وجود غاضبين كثر غير مسلمين.. ويقومون هم أيضا بتفجير الحافلات.. في اليابان وإسبانيا وأيرلندا وسريلانكا مثلا.. فإن ما يوصف بأنه (الإرهاب الإسلامي) هو ما يهمنا.. لأنه منا ونحن منه.. شئنا أو أبينا..
** لا يمكن عزل قضايا الشعوب (المسلمة) عن قضايا العالم الثالث بأكمله.. في مواجهة ظلم القوى الكبرى لبلدانهم، وليس من العدل تصنيف غضب المغبونين حسب أي نبي يتبعون! فلو أن شيئا من العدالة أو التوازن يحكم علاقات الدول.. لما وجد أي مهووس من يتبعه.. سواء كان هوسه دينيا أو بسبب أي معتقد آخر، الناس تتبع من يردد آلامها.. حتى الأنبياء أنفسهم.. لم يتبعهم الناس ويصدقون رسائلهم السماوية.. إلا عندما وجهوا رسائل السماء لعلاج ما يعيشه الناس من مظالم، وليس معقولا أن العربي المسلم يغضب ويرغب في الدفاع عن نفسه.. عندما تنهال عليه قنابل اليورانيوم المنضب.. بينما لا يغضب الهندوسي مثلا أو البوذي إذا تعرض لهذا السيل من قنابل القتل والتدمير! فالظلم والبطش يثير الغضب عند الإنسان حتى لو كان ملحدا! وليست قطارات لندن أول من تعرض للتفجير بين قطارات أوروبا.. فقد كان الفرنسيون يفجرون قطارات الجنود الألمان.. ولم يكن الفرنسيون حينها مسلمين! بل كانوا مغبونين بسبب (الاحتلال الألماني)، وكان الأمريكيون الأوائل يفجرون عربات البريطانيين قبل تأسيس الولايات المتحدة.. بسبب (الاحتلال البريطاني).. ولم يكونوا كذلك مسلمين!
** الفرق هو في (لون الراية) التي يرفعها المغبونون عندما يقاومون الاحتلال أو الظلم.. والمغبونون في بلادنا عندما فتشوا في تاريخهم عن راية يرفعونها.. لم يجدوا أمامهم إلا تلك الراية.. التي تتميز عن غيرها بوعود (الشهادة).. مكافأة إلهية إذا شاركوا في القتال! لذلك تجد كثيرا من حوادث التفجيرات أو عمليات الاغتيال تمت (بمبادرة فردية) دون توجيه من تنظيم أو جماعة، فوعد الشهادة هو جزء من ثقافتنا لا يحتاج إلى تنظير أحزاب ومنظمات! وخطورة (المبادرة الفردية) في الإرهاب.. تتوجه أساسا نحو المجتمع المحلي.. تطال المفكرين والمبدعين الذين (تشيطنهم) جهات أكبر في وسائل الإعلام لأغراض أخرى.. فيستجيب لها شباب- غالبا ما يكون يائسا وأبواب المستقبل مغلقة في وجهه- وهذا تيار خطير يغذيه محليا بطش الدولة بالناس.. وغياب عدالة التوزيع بين فئات الشعب.. واستغلال جميع الجهات للعاطفة الدينية لتمرير مواقف سياسية.. الدولة تستغل الدين والأحزاب تستغل الدين والتجار يستغلون الدين.. حتى يصير المجتمع كله فريسة لعقلية دينية منفصلة عن حركة الزمن.. بعيدة أصلا عن روح الدين الأصلية.. التي تهدف في جوهرها إلى تحقيق التوازن والعدالة في علاقات الناس..
** أما (الإرهاب الموجه) فيكون بتخطيط وتوجيه من تنظيم كبير.. وينتشر عالميا.. مثل هجمات11سبتمبر التي أعلنت القاعدة مسؤوليتها عنها بفخر.. فزادت علينا ظلما على ظلم من قبل القوى الكبرى. تنظيم القاعدة لاقى في بدايته تعاطفا كبيرا معه من جماهير عربية وإسلامية.. حتى صار أسامة بن لادن أيقونة ينتظر الناس رسائله المصورة ويفخرون به، لم تشهد هجمات سبتمبر (إدانة شعبية) واسعة.. بل رآها كثير من الناس (بطولة)، أما الآن وبعد أربع سنوات.. فقد تغير الحال كثيرا.. فشعبيا سأم الناس أسامة بن لادن وجماعته وقاعدته.. ويظهر ذلك من تلك الإدانة (الشعبية) الواسعة لتفجيرات قطارات لندن.. ليس حبا في الإنجليز.. ولكن لأن كثافة الأحداث الإرهابية في السنوات الأخيرة أظهرت عبثية الإرهاب وتخبطه.. والأهم عدم جدواه، فلم يعد على المغبونين (مسلمين وغير مسلمين) إلا بمزيد من ظلم القوى الكبرى.. ومزيد من توحش جيوشها القوية ضد الشعوب.. ومزيد من بطش النظم الديكتاتورية بشعوبها بحجة محاربة الإرهاب، ليبرز بين الناس في كل أنحاء العالم تساؤل.. ما الحل؟
ليس هناك حل سوى (إعادة تنظيم العالم) على أسس أكثر توازنا بين أغنياءه وفقراءه.. أقوياءه وضعفائه.. شماله وجنوبه، حتى تتخلص الدول من كابوس الإرهاب الفردي.. وتنجو الشعوب من إرهاب الجيوش، وتتضاءل عمليات (الإرهاب المتسلسل) هذا.. الذي تدينه كل أخلاقيات التراث البشري بلا شك. لكن هذا الحل يحتاج إلى أحد أمرين: إما (خطوة أولى) لبدء (علاج متسلسل) لآثار هذه الظاهرة المنفرة التي روعت العالم تبدأ من حيث تأتي إلينا الجيوش.. من حيث تدير الشركات العابرة للقارات مصائر وأسواق وموارد البشر، وتتمثل في مراجعة الأقوياء رؤيتهم للعالم، وهو أمر ليس مستحيلا.. لكنه يكاد يكون ميئوسا منه، أو.. أن تعيد بلدان الجنوب هي أيضا مراجعة رؤيتها للعالم.. فتتجه نحو التكتل وتنظيم تحرك مشترك لمواجهة الكبار (سلميا)، وهذا أمر ليس مستحيلا رغم صعوبته. أما البديل.. فهو استمرار هذا التناحر المخيف بين بطش الكبار وعبثية إرهاب الصغار، والنتيجة.. مزيد من الفوضى والدماء.. حتى الفناء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكاء رونالدو حديث المنصات العربية • فرانس 24 / FRANCE 24


.. التشكيلة المتوقعة للجمعية الوطنية الفرنسية بعد الجولة الثاني




.. كيف يمكن للديمقراطيين استبدال بايدن في حال قرر التنحي وما ال


.. حاكم ولاية مينيسوتا: نحن قلقون بسبب التهديد الذي ستشكله رئاس




.. أحزاب يشكلون الأغلبية في الحكومة والبرلمان الجزائري يطالبون