الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسحاب والمستوطنات بين الواقع والطموح

محمد أيوب

2005 / 7 / 14
القضية الفلسطينية


دأبت وسائل الإعلام على إطلاق قنابل إعلامية دخانية للتمويه على قضية الانسحاب والمستوطنات ، فقد تضاربت الأنباء حول موعد الانسحاب ومصير المستوطنات ، بحيث أصبح المواطن الفلسطيني مضيعا لا يدرك شيئا عما يجري من حوله وكان الأمر لا يعنيه ، لم يعد هذا المواطن متأكدا من أن شيئا ما سيحدث ، فقد تعرض هذا المواطن لعملية تضليل مستمرة أفقدته الثقة بكل ما يتردد من حوله عن الانسحاب أو مصير المستوطنات ، وقد بات هذا المواطن في خشية مما سيحدث ، وهل سيستأثر البعض بالمستوطنات بعد الانسحاب ، كما سبق وأن استأثر هذا البعض بمقدرات البلد الاقتصادية وحولوها إلى احتكارات تخدم مصالحهم دون بقية أبناء الشعب الفلسطيني، وقد أدى ذلك إلى ازدياد فقر الفقراء والمسحوقين، في الوقت الذي تحولت فيه شريحة طفيلية إلى حالة من التخمة وتراكم رأس المال بطريقة لم تساهم بشكل واضح في تخفيف الأزمة الاقتصادية في الوطن ؛ بل على العكس ، نجد أن أزمة البطالة قد تفاقمت وانضمت طوابير جديدة إلى العاطلين عن العمل ، ومن المؤكد أن أعداد العاطلين عن العمل ستزداد حتما بعد الانسحاب ومغادرة المستوطنين للمستوطنات ، والسؤال الذي يطرح نفسه بجدية : ما هو مصير الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات ؟ وما مصير المباني التي سيتركها المستوطنون بعد مغادرتهم ؟ أسئلة كثيرة تلوح في الأفق من حق المواطن الفلسطيني أن يتلقى إجابات شافية لها ، فقد ظل هذا المواطن مهمشاً فترة طويلة ، لم يهتم أحد باستمزاجه أو استفتائه حول مصيره وحول رأيه في الحلول المطروحة ، يجب أن يشارك هذا المواطن في صياغة مصير الأراضي التي يخليها المستوطنون عن طريق استبيان يشمل شرائح واسعة ومتنوعة من فئات الشعب الفلسطيني المختلفة ، يكفي هذا المواطن ما تعرض له من تجاهل وإهمال ، فمنذ توقيع اتفاقية أوسلو لم يهتم أحد بالرجوع إلى الشعب الفلسطيني لإطلاعه على أمور تمس حياته بشكل مباشر ، وقد عانى هذا المواطن نتيجة ذلك معاناة شديدة طيلة السنوات العشرة الماضية ، لقد تسبب الارتجال في اتخاذ القرارات وعدم إعطاء دور لأوسع الجماهير في القرارات في هدم جسور الثقة بين صانعي القرار وبين المواطن العادي الذي يطمح إلى توفير لقمة العيش له ولأسرته وتوفير الحد الأدنى من الكرامة له ، بعد أن تم إهدار كرامته على الحواجز والمعابر وأماكن العمل وأثناء الوصول إلى هذه الأماكن .
موضوع الانسحاب وقضية المستوطنات هما مصلحة وطنية بالدرجة الأولى ، ومن حق الجميع الإطلاع على ما يحدث ، وتوضيح حقيقة الإشاعات التي تتردد هنا وهناك حول إمكانية شراء البنك الدولي لهذه المستوطنات أو قيام هذه الجهة العربية أو تلك بشرائها واستثمارها ، أو حول بقاء المباني التي كان المستوطنون يشغلونها وبقاء الحمامات الزراعية، يجب أن تكون الأمور واضحة حتى لا يفاجأ المواطن الفلسطيني بالسلبيات الناجمة عن الغموض الذي اكتنف اتفاقية أوسلو .
ليس من حق أي طرف كائنا من كان أن يتصرف في الأراضي بعد إخلائها وكأنها شأن خاص ، ولا يجوز الإبقاء على المباني في هذه المستوطنات ؛ بل يجب أن تزال ، حتى لا نفاجأ ذات يوم بمن يأتي لزيارة بيت هنا أو بيت هناك بحجة أنه ولد فيه ، في حين حرم أبناء الشعب الفلسطيني من رؤية بيوتهم في مسقط رأسهم وحرموا من حق العودة إليها ، يجب هدم المستوطنات إذن وإلقاء المخلفات في البحر لاكتساب مساحة جديدة منه تقام عليها مناطق سياحية ، وبعد إتمام عملية الهدم يتم التخطيط لإقامة مدن عصرية لها مخططاتها الهيكلية بحيث تكون بنيتها التحتية جاهزة ، من مد خطوط للمجاري وإنشاء شبكات للمياه والكهرباء والتليفون تحت الأرض حفاظا على سلامة المواطنين ، وبعد إنجاز هذه المدن تتم عملية إعادة تأهيل السكان للإقامة في هذه المدن وهدم المناطق المنخفضة من مدينة خان يونس وإلقاء ركامها في البحر ، على أن تستغل الأرض مكانها للزراعة التي لن تحتاج إلى تسميد لفترة طويلة من الزمن ؛ لأن المدينة تعوم على بحر من المجاري لوث مياهها الجوفية وشوه منظر شوارعها ، وفي المنطقة التي تقع حول القلعة تقام منطقة سياحية واسعة تجذب إليها السياح من كل أنحاء العالم بعد إقامة متحف آثار فلسطيني يحفظ أثار وتراث الوطن والفلكلور الشعبي الفلسطيني . إن الانسحاب من جانب واحد يأتي نتيجة للضعف العربي الشامل وانشغال العالم بالحرب المفتعلة ضد الإرهاب والتي نقلت القضية الفلسطينية من بؤرة اهتمام العالم إلى هامش هذا الاهتمام ، وبالتالي عدم الفعالية في الضغط على إسرائيل لتنفيذ ما وقعت عليه من اتفاقيات لتحقيق السلام مع الفلسطينيين ، وعدم اهتمام رئيس الحكومة الإسرائيلية بالطرف الآخر سواء أكان هذا الطرف فلسطينيا أو عربيا أو عالميا ، وقد أشار إلى ذلك بقوله إن الاتفاقيات مع العرب لا تساوي الورق الذي كتبت عليه ، لقد استنزف المستوطنون قطاع غزة ودمروا بنيته التحتية ، فلم تعد مياهه صالحة للشرب بسبب تضاعف كمية الأملاح فيها وارتفاعها عن المستوى المسموح به عالميا، حتى أن هذه المياه لم تعد صالحة للزراعة أو للحيوانات ، وهذا يجعل الفلسطينيين بحاجة إلى البحث عن مصادر للمياه الصالحة للشرب والتي سيكون توفيها مكلفا جدا ، كما لوث المستوطنون تربة الأراضي التي استولوا عليها بالمبيدات الزراعية الضارة ودفن براميل السموم على عمق كبير في جوف الأرض ؛ مما يشكل خطراً على حياة الإنسان والحيوان والنبات ، وحين فكر شارون في تحقيق الانسحاب من غزة من طرف واحد وضع في ذهنه عدة اعتبارات من أهمها :
1 – قطع الطريق على قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة ، لأن قيام دولة فلسطينية بجوار إسرائيل يشكل هاجسا مرعبا لليمين الإسرائيلي الذي يؤمن بوعد الرب في التوراة ، وهم يدركون أن قيام مثل هذه الدولة يترتب عليه التزامات تجاه الفلسطينيين انطلاقا من قرارات الأمم المتحدة المتراكمة عبر السنين التي عاشتها الأمم المتحدة .
2 – محاولة ابتلاع معظم أراضي الضفة الغربية وإشراك الأردن في السيادة على الجزء المتبقي منها ، ولعل الاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري يشكل دليلا واضحا على هذا التوجه ، والذي من خلاله يسيطر شارون على أكثر من 42 بالمائة من أفضل أراضي الضفة الغربية عدا عن الاستيلاء على أكبر خزان للمياه في المنطقة .
3 – يراهن شارون على شق الصف الوطني الفلسطيني وإثارة النعرة الفصائلية تمهيدا لاندلاع اقتتال داخلي لا سمح الله ، وهذا إن حدث ، سيعطي إسرائيل ذريعة تدلل من خلالها أن الفلسطينيين لا يستطيعون إدارة أمور مساحة صغيرة من الأرض أعيدت لهم ، فكيف يمكن بعد ذلك تسليمهم مناطق جديدة أو الوثوق بهم .
إننا مطالبون برص الصفوف والعمل ضمن رؤية واضحة تحدد الهدف بوضوح ، كما تحدد كيفية التعاطي مع عملية الانسحاب إن تمت ، والعمل على منع حدوث ما يتمناه البعض، حتى لا تتاح الفرصة أمام من يريدون التنصل من كل المشاريع التي تسعى من أجل تحقيق سلام ولو شبه عادل في المنطقة ، لأنه من المستحيل أن يكون هناك سلام عادل في الوقت الذي يحرم فيه الفلسطينيون من أبسط حقوقهم التي كفلتها لهم قرارات الشرعية الدولية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه