الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة احتضار النور - قصة قصيرة-

عبدالكريم الساعدي

2014 / 4 / 14
الادب والفن


ليلة احتضار النور
-----------------
كانت خطواتي قاتمة في غمرة الليل ، ليلٌ يحكي في السرّ حقيقة فضائح السنين العقيمة التي استطالت فيها ليالي الظلم ، ليالٍ أطعمتنا حزناً وروتنا عطشاً . حدودٌ من ليلة موحشة تحاصر قلقي وأنا أنتظر سماع صراخ مولود يتأهب لعناق أحلامنا ودفء عالمنا المنفي على أعتاب هاجس الفناء ، وسلامة زوجتي التي أرهقتها السنون ، هل سنخلع رداء الخوف والأنتظار ونغنّي فرحاً لدفء هذه الليلة ؟ هل يحقّ لنا أن نفرح تحت أصوات القذائف ورعشة البنادق وأمام عيون مدجّجة بالرعب ، ينزّ منها الموت ؟. شعاع من الأمل يغطي أنين الجراح ، جراح الفقر والعوز ووحشة بيت لم يرَ شعاع ضوء الشمس . كانت تمتلكنا رغبة مرتعشة بنور الفجر وأنشودة المطر حين تلاقينا عند منعطف الحصار وقبل أن تقصفنا الحرائق ، كانت تحمل براءة القرى وأنفاس اليقين ووهج عيون استوطنها الحنان ، يرتعش النسيم عند ظلّ بسمتها ويغفو الهمس فوق رحيق أمانيها ، هيّجت وجدي بعدما أوقدت شموع صبابة الشوق وعزفت تهويمة الهوى على أوتار محاجرالروح . كان كلّ شيء عارياً غائماً إلا أحلامنا المبلّلة بالمطر ، أحلاماً كانت تبرق بصدى الآتي لعلّه يأتي وانتظرنا سنيناً معلقة بالعصيان ، غابت في عيون المدى والخرائب ، تحمل غبار الفناء ، لكنّنا لم نركع لمطلع يشتهي لغة اليأس ، كان الجرح ينمو بين خطانا ، يلامس طرف الوجع ، يلتفّ فاغراً فاه حول صرخةِ روحٍ تشتهي أن يُخلى سبيلها من أغوار بئرٍعميقة . - سأنجب لك طفلاً يروي عطش لهفة العيون لضناها ، غداً سيأتي . وانتظرنا....
كان صوتها يرتعش بجنون الرغبة ، يمتدّ في الآفاق ظلالاَ من الفرح ، يغمر وجه الصمت مواويل عشق تتهادى نحو وجه قمرٍيطوف حول فرحة الغد على رغم الليالي المثقلة بالغربة ، واضطراب الحواس المسلحة بالنعاس . مازال الترقب يأخذ مكاني وأنا أحتضن باقة الزهور ولعبة صغيرة تشهق بطيف يغمض على جدائل ابنتنا المعلقة في قبضة الأنتظار ، يشدّني الفرح الظمآن لضفة الصوت بكل ما لديه من بوح وشوق واشتهاء للثم لحناً اسكره صدى الاحلام وفتنة النجوى ، وحدي أنتظرامتداد الصوت لأني أدركت كيف يحرق الليل وجه القمر بأنين الصبر وأدمع الظمأ ، أطالع الوجوه والنداء وأنا أطارد الثواني المكبّلة بلعنة السكون وصمت المكان . كان الليل طويلاً ملتفّاً بثياب الوحشة والمدينة تتوسد ثرى الخوف ، معلّقة بين عيون الغزاة ، تخمشها يد الموت في طقوس آلهة تمتهن الغواية والهذيان، تبكيها المنايا كلّ يوم وهي تصلب في دهاليز مرعبة بعد أن يذبحها العويل على حافة الرعب والضيم . أغيب في عيون الزائرين ، أتوغل في أسفاري لأختلس ميقات الطيوف كي لا يستبيحني المكان، أحدّق في خيطٍ من نور يتدلى من مصباحٍ معلّق في سقف القاعة يمضي على هدب الفراغ فأغرق فيه ، وقبل أن يغزو جرحي صرير الباب ، استيقضتُ أنفضُ عن أنفاسي رعشة القلق ودوامة الأنتظار أرتّل حلمنا المكتوم، نهضتُ من مكاني ، يأتيني الصوت ممتشقاً وجه الحيرة والإنكسار حين حاصرتني العيون بعطفها ، قالوا:
- إنّها ماتت!
أعتقلني الذهول ، وانتظرتُ الدموع لكنّها لم تأتِ ، كانتِ الدموع تترقرق في عيون الناعي ،امتدّ صمتي وذهولي في حناجر الصدى، صدى لهاثي المهزوم يشيعه الوجع ولوعة الفراق في حواس الغرباء ، وحين لم يعد غير الموت حاضراً أضحت الأحلام تلاشياً ، تعكّزتُ طرف الغياب لألملم الفجيعة ، وانتظرتُ خطواتي لتخوض في مواسم العذاب ، مواسم يلجمها السواد والغربة المميتة ، لقد آن لي أن أعانق جرحي ، لكن ْ من سيشهق بالصراخ عند مدن طريدة أطفأت مصابيح المساء، ابنتي التي تحمل دفء العالم أم زوجتي التي أضنتها جراح المنافي ؟ .
كانت عيناي تدوران بين باقة الزهور وبين لعبة ابنتي الصغيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05


.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي




.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب