الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخطوطة السيرة والحرب : ابو طويله .. / احلام الرماد والنساء

سعدي عباس العبد

2014 / 4 / 15
الادب والفن


• مخطوطة السيرة والحرب : ابو طويله .. / احلام الرماد و النساء
• ________
• في صباح اليوم التالي لم يوقظني احد _ او هكذا خيّل ليّ _ . تركوني مفروشا على اليطغ .. مفروشا على بساط من الاحلام ..احلام من رماد ..لم افق من نومي الا في وقت متأخر ..اوّل مافتحت عيوني طالعني خزعل بوجهه المزدحم بتيه البراري !! الوجه المجفّف المكسو بهالة من الاصفرار . كان على مقربة منه احد الاسرى يطلقون عليه او ينادونه ب ابي طويلة لطول قامته المسرفة في الطول . كان ابو طويلة يسند ظهره للحائط , ورأسه يكاد ينوش حافة او يلامس النافذة . النافذة التي لم يجد عناء في معاينة ماوراءها ! . يمدّ ساقيّه الطويلتين الضامرتين كعصوين رفعين قبّالة بطنه المنكمشة الملمومة . فيما كان خزعل يثني ركبتيه كوتدين عظميين . ويتكىء بحنكه المدبّب الى حافة الوتدين العظميين . . كان كلاهما شاردا , في برّية من الكلام الخفيض , جعلت الاحقهما باسماعي وهما يخوضان في الماضي . في ذكريات ما قبل الاسر , يخوضان في احداث تلك السنوات , سنواتهما , عبر الكلام المهموس . يحفرون في سنوات باتت بعيدة , لم يبق منها الا صدى شاحب يتردّد في الذاكرة .. كنت اشعر بكلامهما يابسا خافتا كأنهما يلفضان انفاسهما الاخيرة .. لم يمسك ابو طويلة عن التدفق بالكلام , العاصف برياح من الريب والشكوك والخوف , الخوف مما يحدث هناك في الضفة البعيدة , ضفة الاهل والضاحية في البلد الذي بات كحلم بعيد ..ابو طويلة كان خائفا قلقا .. يخشى على زوجته من الانزلاق في هاوية الغواية ..يخشى انّ تدفعها سنوات الجفاف التي ستعرّش في مفاصلها , في بدنها لاقتراف ما كان يخشى حدوثه .. كان ابو طويلة لا يتردّد في الافصاح عما يعتمل في خلده من هواجس وشكوك ..شكوك تتعلق بطهارة زوجته.. يخشى انّ يعود ذات وقت ما , غير معلوم , يعود من الاسر ..فيتفاجأ بقبر مفتوح .. قبر من اليأس , مهيأ لطمر احلامه .. ليجد نفسه ثانية في عزلة اشد هولا .. عزلة من الخواء والخراب تتردّد فيها اصداء السنين والذكريات , يخشى ان يصطدم بلوعة الغياب . يصطدم بآثار الغياب مطبوعة على جدران البيت وعلى جدران الايام .. آثار تضوع رائحتها من الوسائد المهجورة . التي احالها الغياب والفراق إلى اشباح .. سيبحث هناك عن ملمح ذكرى ما , عابقة برائحة تلك الايام .الايام التي مضت , ولن تعود ..وسيتضح لديه انّ الامس او الماضي , كان محض وهم , يتردّد في ذاكرة النسيان , .. وانّ زوجته الفارعة ذات العيون السود الواسعة المضيئة , المتألقة بالفرح الباذخ وذات الشفاه الرخوة الريانة الرطّبة الطريّة وذات الشعر الفاحم الطويل المحلول , لم تكن سوى اكذوبة تغرد بنغمة صدئة من الوهم والجراح , سيكتشف بقايا فاترة من آثار رائحتها تضوع من جسد الايام الغاربة , رائحة مفعمة بالذكريات وبتوق تبدّد على حافات الحرب .. سيكتشف انها كانت تتوسد احضان رجل آخر !! تغمره بانوثتها ورائحتها ..سيجد امّه العجوز الطاعنة بالحنين والسنوات , تطفو وحيدة فوق بركة من العوز والخوف .. تتوكأ على عصا من سنواتها الحافلة بالشقاء .. سيجدها ما ثلة هناك عند عتبة الباب . شاخصة بكامل سنواتها المثلومة بانصال الأسى ..هناك ترى إلى طيف ابي طويله لعله يلوح لعينيها الكليلتين .. عسى انّ يطل .. !! , بيد انّ ابا طويلة كان هنا .. وسط عزلة مترامية . متلاشيا في الظلام .. في متاهاتها المقفرة , والأم هناك شاخصة عند حلول كلّ صباح شارعة يديها صوب السماء , طالبة انّ يعيد اليها ابي طويلة بكامل طوله .. ثم تبقى لوقت طويل تتمعن وجوه الماره ..تبحلق في الوجوه . لعلها تلمح ملامحه في احد الوجوه ...
• [

• تظل تعاين لوقت عصيب . كأنها تناشدهم عبر عينيها.. عينيها اللتين خمد وهجهما , لشدة ما بكت , لطول ما سكبت من الدموع .. كأنها تسألهم : اما من احد منكم لاح له ولدي ابو طويلة !! ؟ او لعل احدكم سمع عنه خبرا ما . يطفىء جذوة حزنها , المتأججة وسط الظلوع .. ولكن لا احد هناك يلتفت اإلى تضرعات عيونها الدامعة باستمرار .. فتشرع في رحلة محفوفة بالبكاء والشكوى . رحلة تجوب عبرها في تنقلات قصيرة بيوتات الجيران .. هناك عند فضاء بيوتات الجوار , تتقيء خرابها وسخطها ولوعتها .. لوعتها على فراق ابا طويله . كانت تتلقى مواساة الاخرين .. الاخرون الذين ادركوا مدى هول الورطة التي تحفر في عقلها وروحها .. عقلها الذي اطبقت عليه كماشة من الهوس والجنون ..بعد انّ تفرغ حمولتها من الدموع والشكوى تعود لبيتها تدب دبيبا راعشا , منسحبة في فاصل من النواح لعزلتها ..منكمشة وسط جدران الوحدة والذكريات , الذكريات التي تظل لوقت عصيب تفتك وتنهش روحها .. فتمكّث مستغرقة في اطلاق المراثي والبكاء .. البكاء المتدفق من اعماق حاصرها الخوف والهوس ..
لم اشأ ان اسأل ابا طويلة او خزعل , عما جرى ابان غيابي او استغراقي في النوم . في تلك الاثناء رأيت فجأة احد حراس القاعة واقفا فوق رأسي , فاصابني الخوف , وانا اعاين عيونه المغروزة في وجهي .. وفي لحظة ما , احسست بطرف حذائه الثقيل يلامس قدمي ,فلم ابدي حراكا بقيت مسمّرا في موضعي او فراشي , ثم احسست بحذاءه يهرس قدمي الحافية في ضغط متصل , فقلت بنبرة تشي بالخوف _ : كنت مريضا .. ولهذا السبب لم اخرج للعمل في المزرعة _ المزرعة التي اناطت مهمة حرثها وزراعتها للاسرى _ ثم على حين فجأة هوي بحذائه الثقيل على وجهي فغامت المرئيات ..وبدت ملامح الحارس كما لو انها تغرق في ضباب .. صارت غائمة . فلم استطع انّ اتبيّنها . كانت خيوط لزجة تنزلق على عيوني . خيوط من الدم , فحجبت عني رؤية المرئيات .. تدفق الدم غزيرا اسفل منخريّ , تذوقته بلسان يابس كان له نكهة معدن صدىء . جاهدت انّ اسند قفاي للحائط . في تلك اللحظة كم بدا ليّ الحائط بعيدا ,وعدائي ! .. كان وجعا فادحا يحفر في رأسي . وقبل انّ استدير صوب الحائط , احسست بالاوجاع كلّها تتدفق من خاصرتي .. كنت قبل انّ افيق من صدمة الركلة الاوّلى , عالجني بركلات متتالية سدّدها بحذائه الثقيل .. ركلات هبطت ثقيلة ضاغطة مشحونة بالكراهية .. كنت اطلق صراخا يشي بالوجع .. اطلقه في الهواء اللزج وكلما ازداد صراخا يزداد هو ركلا ولكما . كانت تنهال علي اللكمات سريعة مشحونة . يسدّدها الى المواضع المدماة على نحو شديد الكراهية والقسوة للغاية , فيما كان الظلام يزداد اتساعا في عيوني .. ولما خمد الصراخ , صراخي , بقي خيط رهيف من أنين يتدفق من بدني , انين كالعواء الرفيع , .. عقب تلك الحادثة باسابيع ..كنا نحن الاسرى خارج القاعة , في المزرعة التي كلفنا بحراثتها وزراعتها . المزرعة التي تحوّلت في لحظة ما , لحظة مجنونة , إلى مقبرة من الرعب .. كنا مشغولين في العمل . حينما رجت اسماعنا وابداننا ..حينما تناهت لاسماعنا اصوات بندقية الحارس في رشقة سريعة من الإطلاقات .. كان قد اطلق الرصاص على احد الاسرى . .. فمات الاسير , مات في نهار يمشي بخطى فاترة . نهار كانت فيه الشمس تغسل المزرعة بفيضان من نور . نور يتمدّد في البعيد وكان الاسرى غارقين في نور النهار , .. يخيّم الصمت عقب موت الاسير . كان صمتا ثقيلا قاسيا يشي بالاغتراب والضيّاع والخوف , ينشر اشرعته المبحرة في الآفاق . متسربل بالعزلة والوحشة .. وبقايا من اصوات البندقية توّش في الريح وفي الاسماع , والنفوس , كأنها تنبجس من حفيف النباتات او من الريح ذاتها , فتحدثّ في الداخل شروخا من الخوف واليأس ..فشعرت في تلك اللحظة بالضيّاع يحفر عميقا في روحي . يطوّقني باسوار مخيفة من الغربة والتفتّت .. شعرت بالضيّاع يحاصرني . حصار يتناسل حصارات . حصار المزرعة التي باتت تكتظ بشبح الموت وطيف الاسير القتيل . حصار القاعة المفعمة برائحة الذكريات والعزلة , . حصارات خاثرة ماتنفك تنمو في براري الروح .. حصارات سوف تحيلني إلى محض شبح , ... قبل حلول طلائع ما بعد منتصف النهار , ران سكون مشحون ..انتشر في الارجاء , توغل عند الأجمات والمساحات المدغلة والفضاءات الخضر .. كان النهار لم يزل يمشي في خطواته الاخيرة , لما غادرنا المزرعة ..فجعلت استعيد عبر ذاكرتي ملامح ذلك المشهد الدامي . مشهد الاسير وهو يهوي صريعا مضرّجا بالدم والتراب .. المشهد الذي بات مذ الآن , منذ تلك اللحظة المدماة , ذكرى مخيفة , ستنطبع بكامل تفاصيلها ومعالمها المرعبة على جدار الذاكرة , ستبقى زمنا عصيبا , ذكرى فاصلة بين حياتين . بين النور والظلام .. كنا اقرب ما نكون الى قطيع خراف يساق الى المسالخ يقودنا ذئب بشري .. في الجادة الترابية المفضية إلى القاعة . فوجئنا بقطيع الكلاب الذي غالبا ما كنا نراه ونحن في طريق العودة .قد ازداد عددا , ازداد او تكاثر على نحو مريب ومهوّل . كان يجري على جانبيّ الجادة , وهو يطلق في اثرنا نباحا يتردّد في اطراف الخلاء البعيدة ! كعلامة شؤم تنذر بايام كلبية قادمة في طريق النهايات الأليمة , ايام اشد واكثر توحشا وقسوة وخرابا من الحاضر الناضح برائحة تعاسة لا تطاق .. كلما توغلنا في الجادة السالكة يزداد النباح ويتضاعف اعداد الكلاب في تكاثر غريب , وتنحسر المسافة التي كانت تفصلنا عنه , ومن بعيد لمحت كلبا ضخما مبقّعا يجري محاذاة الجادة . يمد خطمه في الهواء , كأنه يقتفي اثر رائحة ما , كان ذيله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07