الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العيش في دنيا الأساطير

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2014 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


المشكلة أن الحديث الكاذب يصاغ بحيث يكون جميلاً ومريحاً للمستمع إليه، فيما حديث الحقائق كثيراً ما يكون موجعاً ومريراً. تتميز بعض الشعوب بقدرة على التعايش مع الأكاذيب، جنباً إلى جنب مع حقائق الحياة. تظهر المشكلة أو المأساة، إذا قرر بعضهم فجأة، أخذ الأكاذيب على محمل الجد، والسعي للعيش بموجبها. عادة تكون ثورات الشعوب قفزة في الفراغ، لكن ثورة الشعب المصري، جاءت قفزة إلى بيارة صرف صحي!!
كنت أتصور أن اندحار الإخوان المسلمين سيبدأ من مصر. الواضح الآن أن علينا أن ننتظر أن يحدث ذلك بداية من سوريا. مشاركتي (المتواضعة) في مظاهرات يناير 2011، هي الخطأ الفادح، الذي أعتز به. فما أجمل وأروع الثورة على النظم المستبدة الفاسدة المتخلفة المتيبسة. الثورة بلدوزر يفتح طريق الحياة، متى سدت مجراها الصخور. لم يكن لي وقتها أن ألجأ للتحليلات والتنظيرات، التي تقود إلى أن تلك الحشود كائنات بائسة، تتلاعب بمصيرها ذئاب وعقارب وصراصير. لقد ثرت مع الثائرين، وكان الثمن أن كدنا نهدم مصر فوق رؤوسنا جميعاً، ومازلنا غير قادرين على وقف التداعيات والانهيارات، مع هذا ستبقى الثورة جريمتي العزيزة، التي أفتخر بها، ولو بيني وبين نفسي!!. . بالتأكيد هناك شباب مصري ثائر وطاهر وجميل، هؤلاء لا تستهدفهم وزارة الداخلية، وإنما يدمرهم من يتصيدونهم من الهتيفة العروبجية واليسارجية. يتلقفهم هؤلاء المرتزقة فلول عصور الاستبداد والإيديولوجيات البائدة، ويلقون بهم للأتون، وهم جلوس في غرز التحشيش، وفنادق الخمس نجوم!!
التربة المتعفنة إذا تم تقليبها، لن يخرج منها سوى الروائح الكريهة. كذا الشعوب التي فسدت وانحلت أخلاقياتها متى ثارت. ما نحتاجه الآن بحق، ليس برنامج الرئيس القادم. ولكن برنامج الشعب. هل ستظل سلوكيات الشعب وأداؤه على ما هي عليه، أم ينتوي تغييراً يحقق له ما يطالب به من حياة كريمة؟. . لو فرض وتخلصنا من كل القمامة المادية والفكرية، سيسود في الشرق الأوسط فراغ هائل. للأقليات في أي مجتمع دور حيوي في إنقاذ الأغلبية من نفسها، بأن تلعب دور "العوامة"، التي تنقذ الأغلبية من الغرق، إذا ما استبدت بها أيديولوجيات فاشية ديماجوجية. لكن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حرمت المجتمع المصري من مثل هذه "العوامة"، إذ فوجئ كل من حاول الاستعانة بها، أنها "عوامة" مثقوبة. في غياب الرؤى المستقبلية الحداثية، يدور الصراع بمصر الآن، بين قوى ماض قريب، وقوي ماض بعيد، وقوى حاضر بالغ السوء. كلما أمعن الإخوان في عزف أنغامهم الإرهابية، كلما اشتد حماس الشعب في الرقص بمولد "سيدي السيسي"!!
أوجه التشابه بين الفكر اليساري وفكر الإسلام السياسي عديدة، ولعل أبرزها أن كليهما يستهدف هيمنة الدولة وشموليتها، اليساريون يريدون هيمنة اقتصادية، تكفل للفقراء جنة أرضية، وتستهدف الأغنياء باعتبارهم أعداء الشعب، والمتأسلمون يريدونها هيمنة أخلاقية، تضمن للمؤمنين دخول الجنة السماوية، وتستهدف الذين كفروا، باعتبارهم أعداء لله ورسوله.
يتكون أي نظام سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي من ثلاثة عناصر. العنصر الإنساني، العلاقات واللوائح والقوانين التي تربط هذه العناصر، وتشكل منها وحدات تتفاعل مع غيرها، ثم الفكر أو الفلسفة التي تحكم عمل النظام ككل. النظم المستقرة، سواء الناجحة أو الفاشلة في تحقيق أهدافها، يكون هناك تآلف بين عناصرها الثلاثة. النظم غير المستقرة، لابد وأن تكون فاشلة ولو نسبياً في تحقيق الأهداف، ويمكن نقلها من حالة عدم الاستقرار أو الفشل، بتغيير واحد أو أكثر من العناصر الثلاثة. أما إذا أردنا تغييراً جوهرياً في فلسلفة النظام، وفي طبيعة الأهداف ومستوى النجاح في تحقيقها، فلابد أن تكون العناصر الثلاثة، وليس واحداً فقط منها، محل دراسة وتغيير كيفي ونوعي، لتشكيل منظومة جديدة متآلفة، وقادرة على تحقيق الأهداف الجديدة.
. . . . . . . .
المهم هو مواصفات البطل أو المثل الأعلى الذي نحتفظ به في مخيلتنا، تتضاءل هنا إلى حد الصفر أهمية الحقيقة التاريخية، وما سجلته عنه النصوص. الفارق بين النصوص وبين قراءاتها، أي المفاهيم التي نخرج بها منها، أكبر وأخطر مما نتخيل، هذه المساحة يمكن أن تكون رحمة أو لعنة، كما يمكن أن تكون هياماً في عوالم أخرى مفارقة. ما يحدث واقعياً ليس تقديس النصوص المدعوة مقدسة، وإنما الاستناد إلى قداسة تلك النصوص في مخيلة العامة، لاكتساب التقديس لرؤى شخصية، تستند لما تقتطعه من النصوص بمنهج تعسفي، يحقق لها ما تصبو إليه. المشكلة إذن في فكرة "القداسة" ذاتها، والتي يتم التلاعب بها والتوظيف لها، من قبل المحترفين للدجل وللهيمنة على عقول العامة. . كانت الكنيسة الكاثوليكية تمنع تداول نسخ الكتاب المقدس في أروربا في العصور الوسطى، لكي يظل الكهنة هم مصدر المعرفة الدينية، حتى قام يوهان جوتنبرغ في سنة 1447م بتطوير المطبعة، فانتشرت نسخ الكتاب المقدس، واستطاع العامة معرفة دينهم بأنفسهم. هنا في الشرق، بقى الحال على ما هو عليه، من هيمنة رجال الدين، واحتكارهم للمعرفة الدينية، بإقناع الناس أنهم لا يستطيعون وحدهم فهم النص المقدس، وأن لابد لهم كيلا يضلوا، أن يعتمدوا على تعاليم وشروحات الآباء المقدسين.
هي حيلة فكرية سيكولوجية، لتخفيف التوتر الفكري والنفسي، الناجم عن التفاجؤ بنقد لما نعده مقدساً، أن نسارع بتصنيف الناقد بما يخرجه من الجماعة، ويضعه في مصاف أعدائها. ففي مجال الوطنية يصنف خائناً وعميلاً، وفي المجال الديني يصنف مرتداً أو ملحداً، وفي التفريعة الطائفية يصنف متحولاً إلى الطائفة المنافسة. المهم لتخفيف التوتر، أن يصنف الناقد باعتباره خارجاً عن الجماعة. فالاعتراف بانطلاق الناقد من أرضية الانتماء، يوجع المستريحين أو المنطرحين على أرصفة اليقين المقدس.
قد هرمنا من العيش في دنيا الأساطير!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العيش
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 4 / 15 - 15:54 )
ما دام الدين مهيمنا على العقول ولم يتم فصله عن السياسة سنظل ندور في حلقة مفرغة ودوامة تنتهي لتبدأ من جديد بنفس الأسطوانة التي أصبحت مشروخة . الشعوب مخدرة ومنومة مغناطيسيا ودينيا وهذا ما يريده الكبار هو إستمرار الغباء والغفلة والتخدير لأنهم يستفيدون من هذا الواقع الذهبي . في حين الشعوب لا وعي لها كي تدرك الأمور على حقيقتها .

اخر الافلام

.. كأس أمم أوروبا: إسبانيا تكتسح جورجيا وإنكلترا تفوز بصعوبة عل


.. الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية: نتائج ودعوات




.. أولمرت: إذا اندلعت حرب شاملة مع حزب الله قد يختفي لبنان.. وا


.. إسرائيل تتحدث عن جاهزية خطط اليوم التالي للحرب وتختبر نموذجا




.. ميليشيا عراقية تهدد باستهداف أنبوب النفط المتجه إلى الأردن|