الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكوميديا عند الإغريق القدماء

صفاء الدين الاسدي

2014 / 4 / 15
الادب والفن


الكوميديا عند الإغريق القدماء
الكوميديا عرفها أرسطو في كتاب فن الشعر بأنها "محاكاة ل أشخاص اردياء،أي اقل منزلة من المستوى العام. ولاتعني (الرداءة) هنا نوع من السوء والرذيلة، وإنما تعني نوعا خاصا فقط، هو الشيء المثير للضحك، والذي يعد نوعا من أنواع القبح. ويمكن تعريف الشيء
والكوميديا بتعريفها الشائع هي مسرحيات يقوم الفعل الدرامي فيها على تخطي سلسلة من العقبات والتي لا تحمل خطرا حقيقيا , و تكون ضمن إحداثها أفعال مضحكة ومسلية وغالباً تكون نهايتها سعيدة, كما أنها تهدف إلى التسلية عبر تضخيم الحدث وإعطائه شكلاً غير طبيعي, بحيث يستطيع المتفرج النظر إلى هذا التضخيم بشكل طبيعي, كون الكوميديا تتطلب منه ان يقوم بالتطهير والتنفيس لأنها تقدم له الواقع اليومي بصورة جميلة ومضحكة, وإنها تحاكي الطباع من خلال الفعل الذي تحمله صفة ما لشخصية واقعية أو خيالة أو تاريخية أو سياسية .
كما إن الكوميديا " نوع مسرحي تحتضن تنوع واسع من الصيغ الدرامية ابتداءاً من الكوميديا العالية, وكوميديا السلوك, الى الكوميديا الواطئة المتعمدة على الفعل الجسدي... التي لها نهايات سعيدة وغرضها الرئيسي والمهيمن هو إثارة الضحك" (2)
ومعنى الكوميديا "المعنى اللغوي لهذه التسمية هو (أغنية القرية ) وفقاً لرأي أرسطو, أو (النشيد الماجن) وفقاً لرأي غالبية الباحثين.فأرسطو يرى ان بذور الكوميديا ريفية, على حين يرى الباحثون المحدثون إن أولى مراحل الكوميديا تتفق في جوهرها مع (النشيد الماجن)، وهو نشيد ارتبط ايضا ً بعبادة الإله ديونيسوس" (3) في كل من الأدوار التراجيدية والكوميدية حتى جاء (براكسيتيلز Praxiteles) , الذي ظهر في دلفي في عام (106 ق.م) ,كممثل كوميدي" (4)
مرت الكوميديا ومنذ نشأتها في الحضارة الإغريقية " كشكل من اشكال المسرح نشأت وتطورت بعيدا عن التراجيديا, لقد كان الشكلان منفصلين لدرجة لم يكن هناك ممثل معروف
وقد كان تطور الكوميديا تطور معقد ومع ذلك هناك ثلاث افتراضيات ذكــــرها (اديون دوير) (5) وأكد على انه هناك ما يشبه الاتفاق على تلك الفرضيات الثلاث
أولاً :- إن العنصر المسرحي جاء أصلاً من الفترات الهزلية التي كان يعرضها الهواة في القرن السادس عشر قبل الميلاد، وبالتأكيد قبل ذلك في (ميجار,واسبرطة, وكورنثه, ووصقلية) وفي كل مكان يجتمع فيه الناس من اجل اللهو الصاخب، وقد قام الممثلون مع الفلاحين الهواة في تحالف مع لاعبي الأكروبات والراقصين والموسيقيين والمشعوذين والسحرة, بإعداد فترات ساذجة غير مقيدة بطقوس أو كورس وتحاكي بسخرية شخصيات أسطورية وتهزأ ببذاءة من الحياة كما عرفوها .
ثانياً:- ان العنصر الكورالي في الكوميديا جاء من مصطلح (comus) الذي يشير الى احتفال عربيد القضيب (عضو الذكورة) والى مجموعة من الرجـال
المتنكرين في شكل الطيور والضفادع والديكة والاحصنة والنعام والدرافيل وغيرها ممن شاركوا في هذا النشاط، وقد كان هذا الاحتفال الصاخب, جزء من طقس الخصوبة, وكان المتنكرون يشكلون كحشد ويتنقلون من مكان الى مكان مرتجلين هجاءات وفكاهات لاذعة ونكات بذيئة.
ثالثاً:- انه في وقت معين تناثرت المسرحيات الهزلية الشعبية وحفلات العربدة(comus) هنا وهناك, وقد يكون (سوزاريا susarian) الذي ينسب إليه تحويل مواكب الكورال الكوميدية إلى مواكب ثابتة، لكنها ظلت ترتجل عروضا ًعلى نطاق واسع في ايكاريا ثم انتقلت إلى أثينا في حوالي (560 ق.م) .
نشأت الكوميديا في بلاد اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد في اثنا, وفي مناسبة العيدين الكبيرين الذين يقامان تكريما للآلهة (ديونيسوس dionysos) حيث جرت العادة على إدراج تقديم مسرحيات كوميدية, حيث تكتسب الكوميديا وفقاً لأرسو أصولها من التفريق بين الجوقة ورئيس الجوقة في الأناشيد التي تتعلق بالاحليل, والتي هي جزء من أعياد ديونيسوس, إذ تعني كلمة كوميديا (komoidia) الغناء في الـ(comus) اي الغناء الطقسي.
وقد تحدث أرسطو في كتابه فن الشعر,انه يزعم الدوريون ان كلا من التراجيديا والكوميديا قد نشأت لديهم, وأما الكوميديا فقد زعم أهل ميجار أنهم أصحاب الفضل بابتكارها،وكذلك أهل صقلية أيضا زعموا أنهم من ابتكروها ،ويقر أرسطو بأن مراحل تطور الكوميديا غامضة ومجهولة لعدم الاهتمام بها منذ البدء .
ومن أشهر كتاب الكوميديا لدى قدامى الإغريق هو (اريستوفانيس Aristophanes) حوالي (448- 380 ق.م) الذي كان يكتب مسرحياته لمعالجة مشاكل المجتمع الاثني في عصره ,وقد هاجم بعنف من خلال مسرحياته كل ما كان سبب بتدهور مجتمعه من خلال شخصيات كوميدية وقد ألف هذا الكاتب العديد من المسرحيات والتي لم يبق منها سوى احدى عشرة) الفرسان, بلوتوس- إله الثروة, السُحب, الزنابيير, السلام ,الطيور, ليستراني, النساء في اعياد الثيموفوريا, الضفادع, برلمان , اهل اخارتاي ) ولم يتفرد اريستوفانيس في كتابة الكوميديا بل كان هناك كاتب لا يقل عنه وهو الكاتب (مناندروس menandros) حوالي (342- 292 ق.م ) "الذي عاش في أسوء عصور اثنا تدهورا ,وكان ابيقوري النزعة, كان واقعيا مسرفا في واقعيته، بالغ في التركيز على رسم الشخصيات حتى غدت انماطا ً يستخدمها في كل مسرحياته. ولقد إلف مناندروس عدداً كبيراً من المسرحيات التي آثرت في كتاب الكوميديا في العصور الوسطى والحديثة "(6)
ولم يبقى من تلك المسرحيات الى عشرة مسرحيات ,تم العثور عليها حديثا في رمال مصر وهي:( الترس , الشبح, المخادع مرتين, الغض –الشرير, المحكمون, البطل, الممقوت ,الفتاة مقصوصة الشعر, فتاة ساموس, المزارع)
ولم يكن اريستوفانيس و مناندروس هما الوحيدان اللذان كتبوا الكوميديا بل كانوا هم الافضل من بين الكتاب الآخرين ، بل كانوا هناك كتاب بارزين صاغوا مشاكل الحياة بأسلوب الكوميديا في بناء درامي,ومن اهم كتاب الكوميديا الذين ظهروا قبل اريستوفانيس نجد :
1- كراتينوس kratinos (520- 423 ق.م ) الذي كتب العديد من المسرحيات كان معظمها مهاجمة السياسي الشهير (بريكليس) كما يعزى اليه فضل تنظيم عدد الممثلين الذين يشتركون في الحوار على المسرح .
2- براتيناس pratinas (كان حياً عام 496 ق.م ) اهتم هذا الكاتب بأقتباس
موضوعاته من الاساطير بعد تحويلها وتطويعها كي تلائم المغزى الكوميدي
3- فيريكرانيس pherckrates الذي كان يكتب مسرحياته مقلداً لكراتيس وقد نال الجائزة مرتين أحداهما عام 437 ق.م .
4- يوبوليس eupolis (446- 411 ق.م ) كان هذا الكاتب معاصراً وصديقا ً لاريستوفانيس بعض الوقت ,ثم خصما ً له فيما بعد وكان من أفضل كتاب الكوميديا في تلك الفترة ,رغم حياته القصيرة كتب العديد من المسرحيات التي نالت معظمها الجوائز .
وبالرغم من وجود هؤلاء الكتاب في العصر الإغريقي القديم إلى إن أريستوفانيس يبقى هو الوحيد الذي جعل من الكوميديا سوطاً قوياً لمهاجمة الحماقات الاجتماعية والسياسية, وقد كانت عروضه تشبه العروض الكوميدية المعاصرة، وقد اتفق الجميع على ان اعظم كتاب الكوميديا في العصر الإغريقي، كان يمتاز ببراعة مدهشة, وقدرة فائقة على الفكاهة والسخرية, رجلا لا يتردد في إن يسخر من كل شخص .
وكانت الكوميديا تشترك مع التراجيديا في جملة من السمات منها "وجود الجوقة والأقنعة , والرقص, والنشيد, وتختلف عنها في روحها واتجاها أولا , وفي خطتها الخاصة ثانياً "(7) فقد كانت الكوميديا في العصر الإغريقي لا تخلوا من النقد لأوضاع البلاد والمجتمع والحروب والبرلمان والفرسان ,فهي التي كانت تتجمهر الناس لمشاهدة تلك المسرحيات للتنفيس عن ما في داخلهم في الأعياد الدينية السنوية .

(1) ارسطو طاليس ,فن الشعر , تقديم ابراهيم حمادة ,القاهرة , مكتبة الانجلو المصرية ,ص 88
(2) ينظر: موريل رجارد،اساليب التمثيل، ترجمة سامي عبد الحميد – وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- جامعة بغداد- كلية الفنون الجميلة : للمرحلة الثانية اخراج الرابع تمثيل، الموصل: (دار الكتب للطباعة والنشر)2001 ، ص35
(3) محمد حمدي ابراهيم , نظرية الدراما الاغريقية ، ط الاولى، القاهرة :( دار نوبار للطباعة)1994، ص16
(4) ديور ادوين ,فن التمثيل الافاق والاعماق , ترجمة مركز اللغات والترجمة اكاديمية الفنون ،ج 1 ,مصر (مطابع المجلس الاعلى للاثار) 1994،ص 53
(5) ديور ادوين، المصدر السابق , ص 54
(6) محمد حمدي ابراهيم ، مصدر سابق ، ص 84
(7) التكريتي جميل نصيف ، قراءة وتأملات في المسرح الإغريقي ، بغداد (دار الحرية للطباعة) 1986، ص 229








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع