الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد أركون ونزعة الأنسنة في الفكر العربي

هويدا طه

2005 / 7 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


البرامج التي تتعرض للكتب.. عرضا أو مناقشة وتحليلا ونقدا.. ضمن البرامج الثقافية في محطات الإذاعة أو شاشات التليفزيونات العربية.. هي بطبيعتها برامج نخبوية.. وتحتاج إلى هامش من الحرية ربما لا تحتاجه برامج أخرى، فالكتب تعبر عن أفكار ونظريات وفلسفات متباينة في مختلف الأنشطة الإنسانية.. والتعرض لهذه الأفكار والنظريات يحتاج هواءً طلقا.. لا يتوفر لكل محطة إذاعة أو قناة تليفزيون عربية، بل وتحتاج تلك البرامج أيضا إلى نوعية خاصة من العاملين فيها.. ليس لجمال مظهرهم أو أناقتهم الأولوية هنا.. كما لبرامج أخرى.. وإنما الأولوية بالضرورة هي لمدى عمق ثقافتهم.. ومتابعتهم لحركة العالم سياسيا وثقافيا وفكريا وفنيا وحضاريا.. ووعيهم بما يقدمونه للمشاهد أو المستمع.. فذلك المشاهد هو أيضا من نوعية خاصة، وإن كانت لهذه البرامج لذة خاصة عندما تكون إذاعية.. فالأولوية الفنية هنا هي للكلمة وليست للصورة.. ولكن حتى وجودها على شاشة التليفزيون يمكن أن يضيف للمشاهد حميمية مع الكاتب أو الناقد ومشاهدة للكتاب ذاته غلافا وحجما وطابعا ومحتوى.. على كل حال.. من ضمن هذه البرامج برنامج (الكتاب خير جليس) الذي تقدمه الجزيرة منذ فترة طويلة.. ولأنها الجزيرة.. فإن هامشا معقولا جدا من حرية اختيار الكتب المعروضة للنقاش والتحليل والنقد يتوفر لفريق البرنامج، صحيح أن البرنامج استمر لفترة طويلة جامدا تقليديا.. لكنه في الأسابيع الأخيرة تطور نسبيا وأصبح يعرض سريعا عدة عناوين لكتب أخرى.. غير ذلك الذي تناقشه الحلقة بالتحليل .. ومقدم البرنامج خالد الحروب يتميز بالهدوء وتسلسل الأفكار.. وميزة البرنامج أنه يطرح عناوين كتب ربما لا يلتفت إليها الكثيرون لكنها ذات تأثير وعمق كبير.. يمكن لها إذا ما ساعد البرنامج- وغيره من البرامج المشابهة- في نشرها.. أن تساهم بدور ما في إنشاء أو دعم (حركة تنوير) في العالم العربي هو بأشد الحاجة إليها.. خاصة القضية الخلافية التي تمثل مأزق الثقافة العربية الحديثة.. قضية (الدين والمجتمع).. وليس مهما أن يكون المتلقي هو المواطن العادي.. رغم أن هذا أفضل.. لكن حتى لو كان المتلقي من الشرائح الأكثر اهتماما بفوقيات الثقافة.. وأمكن إضاءة نقاط بعينها في فكره.. فسوف ينعكس هذا على سلوكه مع الآخرين.. وتتسع بالنتيجة حركة التنوير.. فالتنوير عملية معقدة بطيئة.. وفي هذا الإطار وُفق البرنامج في إحدى حلقاته.. في استضافة البروفيسور محمد أركون لمناقشة كتابه (الإسلام ونزعة الأنسنة).. كما استضاف هاشم صالح وهو مترجم الكتاب إلى العربية.. حيث كتبه أركون بالفرنسية، وأركون معروف من خلال كل مؤلفاته باهتمامه بالنزعة الإنسانية فيما خلف التراث العربي/الديني.. وهو صاحب الدعوة إلى تدريس (تاريخ الأديان) في مدارس البلدان العربية.. عوضا عن تدريس المواد الدينية الصرف سواء مسيحيا أو إسلاميا، حتى نصنع جيلا ثم أجيال.. قادرة على كسر شرنقة التعصب الديني الذي هو واحد من أهم أسباب الأزمات التي نعيشها في بلداننا العربية.. وقد قال أركون في هذه الحلقة:"لكي نخرج من أزمتنا ومأزقنا التاريخي.. لابد من مرحلة تنوير تضيء تراثنا الديني بمناهج حديثة من أجل التصالح مع الحداثة الكونية"، لكن مشكلة النزعة الإنسانية في الفكر العربي.. قديمه وحديثه.. هي هذا الهجوم الشديد الذي يلاقيه من يحاول مس المسألة بعمق أو حتى سطحيا.. فقد تعرض طه حسين حديثا لهجوم أخذ به الرجل ولم يترك حتى تراجع.. أو ادعى التراجع.. تفاديا لعواقب تنتظر كل من يحاول خلخلة هذا الثقل الفوق إنساني في الثقافة العربية.. وربما يكون الأمل هو في تلك القوانين التي تحكم اتجاه حركة التاريخ.. تتوقع بها النتائج طبقا لمقدمات مشابهة حدثت من قبل.. وفي هذا أشار أركون وكذلك مترجم كتابه.. إلى أن المسيحية الأوروبية هي وحدها التي اجتهدت للتصالح مع الحداثة علما بأن ذلك حدث مؤخرا.. لأنها في البداية عارضت الحداثة والأنسنة.. وكانت توجد في أوروبا أصولية مخيفة أعاقت النهضة كثيرا قبل أن تنهزم أمامها.. وقد استمر النقاش في الحلقة حول تلك المسألة المهمة.. وتعرض لمسألة (القطيعة) مع التراث الديني الثقيل.. فأشار أركون إلى أن في كلتا الحالتين.. الفكر الأوروبي والفكر العربي.. لم تحدث قطيعة مع التراث الديني طوال وجود النزعة الإنسانية فيه.. لكنها حدثت في أوروبا.. فقط في (عصر التنوير).. حيث لم تعد الفلسفة خادمة للاهوت.. فاستقل العقل الإنساني تماما، وعند الحديث عن (موقف المثقف في الفكر الإسلامي) وضع أركون يده على مشكلتنا الكبرى عندما قال:"هناك نزعة إصلاح سلفي عند البعض.. لكن لا يمكن الإصلاح الآن باستعمال الوسائل الفكرية القديمة".. السؤال الذي ينتظر حركة التنوير المأمولة إذن كي تجيب عليه.. هل ما نحن في حاجة إليه.. هو إصلاح المفاهيم القديمة.. أم القطيعة معها؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكاء رونالدو حديث المنصات العربية • فرانس 24 / FRANCE 24


.. التشكيلة المتوقعة للجمعية الوطنية الفرنسية بعد الجولة الثاني




.. كيف يمكن للديمقراطيين استبدال بايدن في حال قرر التنحي وما ال


.. حاكم ولاية مينيسوتا: نحن قلقون بسبب التهديد الذي ستشكله رئاس




.. أحزاب يشكلون الأغلبية في الحكومة والبرلمان الجزائري يطالبون