الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحضر والبدو ؛ المدينة والبادية : حال البنتابوليس المزابية Pentapoles Mozabite

العربي عقون

2014 / 4 / 17
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


يمكن العودة إلى تاريخ أبعد فقد كانت سفوح الأطلس الجنوبية مجالات لقبائل الجيتول (Gaetulii=Gétules) والقرامنت (Garamantes) منذ فترة الملوك النوميد (حوالي 1200 ؟ - 46 ق.م. ) ومن تلك القبائل الأمّ تفرعت قبائل أخرى أهمّها زناتة (les Zénètes ou Zenata) وهوارة (Howara) والتوارق (Touarègues pl. de Targui) وهي قبائل في تعداد شعوب تنتشر في منطقة شاسعة من طرابلس (Tripolitaine) إلى المحيط الأطلسي ويصل البعض منها في انتجاعه إلى السهول العليا (Hauts-Plateaux) وهي كلها في لغتها وأصولها العرقية من ذات الشعب الأمازيغي أصيل الشمال الأفريقي من واحة سيوة في مصر إلى جزر الكناري.
في العصر الوسيط انتشر الاسلام في عموم شمال افريقيا ومعه انتشر ت المذاهب الاسلامية الرئيسية ويعنينا هنا المذهب الإباضي(1) الذي اعتنقه قسم من الزناتيين أسسوا أول دولة مسلمة مستقلة في الجزائر وهي الدولة الرستمية التي اتخذت من مدينة تيهرت (بالقرب من تيارت الحالية) عاصمة لها وكان إقليم هذه الدولة ممتدّا على أجزاء كبيرة من الجزائر وعلى الخصوص المناطق الداخلية، وعلى جنوب تونس إلى طرابلس، غير أن الدعوة الشيعية وجدت إقبالا كبيرا في أوساط حِلْف قبلي كبير من أمازيغ كتامة أطاح بالدولة الرستمية ودمّر عاصمتها فحدث نزوح كبير للزناتيين الإباضيين جنوبا بعيدا عن مجال السيطرة الشيعية وكأن التاريخ يعيد نفسه كما كان يفعل أسلافهم الجيتول خلال الفترة الرومانية وهو الانسحاب وراء خط الليمس وهناك أسسوا مدينة إسدراتن التي هجروها في وقت لاحق في ظروف تاريخية غامضة ليستقروا في الوادي المسمى عندهم آغلان أو كما هو معروف اليوم عند الجميع باسم وادي امزاب (Oued M’Zab) كما أصبح اسم الإباضيين المعروفين به عند الجميع هو بني امزاب (Béni M’Zab) يميّزهم عن باقي إخوانهم الزناتيين الذين لم يعتنقوا المذهب الإباضي.
نقل الإباضيون الميزابيون نشاطهم إلى تلك المنطقة وأسسوا حياة حضرية في المدن الخمس التي شيدوها وتسمّى قصور (Ksars) وهي مليشت وتيجنينت (العطف) وآث بنورة وأث يزكن وتاغردايت وأحيوا أرضا مواتا حولوها إلى بساتين وزروع ونخل لها طلع نضيد ... ولعلّ أهمّ ما برعوا فيه هو التجارة بحيث تحوّلت مدنهم الخمس إلى مراكز تجارية نشطة عامرة تتوفّر على جميع السلع ولذلك كانت مقصدا للجميع.
إلى جانب هذه المدن الخمس أقام المزابيون مدنا أخرى أهمّها اليوم القرارة وزلفانة وبريان كما أحيوا أرضا مواتا ينتجون من استغلالها ما يحتاجون إليه من حبوب وخضار وفواكه وكانت الفيافي المجاورة لهم عبارة عن خطوط انتجاع للبدو الذين يجوبون الصحراء الوسطى ما بين تيديكلت جنوبا وتوات في الجنوب الغربي إلى شبكة امزاب شمالا وكان هؤلاء البدو يتزودون بما يحتاجونه من سلع ومؤن من المدن المزابية، فمن هم هؤلاء البدو ؟
خلال ما يعرف في تاريخ شمال أفريقيا الوسيط بالزحفة الهلالية اكتسحت مجموعات من الأعراب الذين أرسلهم الخليفة الشيعي الفاطمي لمعاقبة المعز بن باديس الصنهاجي الذي تخلى عن التشيّع وأعلن العودة إلى المذهب المالكي مذهبا رسميا وقد نقل هؤلاء عادات وتقاليد بدْو شبه الجزيرة العربية وأول هذه التقاليد الاعتماد على الغزو والنهب للحصول على أسباب العيش، بحيث يكوِّنون مجموعات تحترف الغزو المباغت للفلاحين في حقولهم أو للحضر في مدنهم وقراهم ومن هؤلاء أعراب زغبة وسليم الذين أطلق عليهم العامّة اسم شعانبة(*) التي تعني "النهابين Brigands" وكان هؤلاء في البداية قد اتخذوا الجبل الواقع اليوم على الحدود التونسية الجزائرية معقلا لهم يتحصنون به وينقلون إليه الغنائم المتحصّل عليها من النهب ومنه ينطلقون في غزواتهم غير أنّ قبائل هوارة المجاورة للجبل أجلتهم نهائيا من هناك فتوجهوا نحو فيافي الصحراء وهناك جمعوا أخلاطا من كل المغامرين واستمروا في ذات النشاط الاحترابي الذي يستهدف حضر الواحات الصحراوية الواقعة على أطراف خطوط انتجاعهم ما بين ورقلة إلى شبكة امزاب وإلى المنيعة وواحات تيديكلت جنوبا وتقورارين في الجنوب الغربي إلى بوسمعون في الغرب وربما وصلوا في غزوهم إلى تابلبالة ... وكانت الاحلاف القبلية الكبرى التي حدّت من هجوماتهم ثلاثة أحلاف هي حلف آيت عتّا وحلف أولاد سيدي الشيخ وأخيرا التوارق.
كان النهب جزءا أساسيا في اقتصاد هؤلاء النهابين وكانت لهم فرق خيالة جاهزة دائما للسطو على حضر الواحات الصحراوية ولا تزال في الذاكرة الجماعية لسكان بوسمغون مثلا الكثير من القصص التي تروي صدّ اولئك النهابين مثل قصة النجدة التي تلقتها الواحة من الزاوية التيجانية في عين ماضي حيث قام مريدوها بأمر من شيخهم بنجدة الواحة وحمايتها من خطر هجوم كاسح من قبل أولئك الغزاة.
عند وصول الاستعمار الفرنسي إلى الصحراء الوسطى وجد الوضع على ما هو عليه فأشار الدارسون الفرنسيون لذلك الوضع على قيادات الجيش الاستعماري الاستفادة منه بتجنيد هؤلاء واستغلال نزعتهم الاحترابية وتحويل فرق النهب المسمّاة : الرزّو(2) والجمّالة(3) (Le Rezzou et les Méharistes)إلى فرق مساعدة (Troupes auxiliaires) تعمل تحت توجيه القيادة العسكرية الاستعمارية وهو الذي حدث حيث ظلت تلك الفرق في عملها المساند للاستعمار إلى آخر يوم وبها فرضت سيطرتها على الجنوب الجزائري الكبير... إلى أن جاء الاستقلال وحُلّت تلك الفرق ولكن النزعة الاحترابية لدى اولئك البدو لا يمكن أن تزول بين عشية وضحاها ؟
لقد ظل الحضر من سكان الواحات لا يطمئنون دائما لأولئك البدو النهابين وظل البدوي ينظر إلى الحضر وإلى دكاكينهم كهدف يتحين الفرص لاقتحامه والاستيلاء عليه فماذا عملت دولة الاستقلال وهل أعدّت سياسة ناجعة قائمة على دراسة سوسيو تاريخية اقتصادية خاصّة بالمنطقة ؟؟؟
ما عملته الدولة هو تطبيق الايديولوجية الاشتراكية وهي سياسة تشجع على الاستقرار للتمكن من الاستفادة من الترقية الاجتماعية فبدأ اولئك البدو في الاقبال على حياة الاستقرار في المدن الميزابية وتعززت مكانتهم تدريجيا مع الترقية الادارية للمنطقة التي اصبحت ولاية ولأن الميزابي الذي يغنيه التضامن الاجتماعي - وهو تقليد تاريخي في مجتمعه فهو لا يطلب سكنا ولا عملا ولا ينخرط في اسلاك الشرطة والدرك ... الخ - فإن حديثي العهد بالاستقرار من البدو وجدوا الفرصة متاحة وأخذوا يتحكمون في دواليب الحكم مسنودين في كثير من الأحيان من دوائر نافذة ... وهنا سيظهر مشكل العقار خاصة حيث يعمل أولئك على استصدار قرارات التمليك ويحاصرون الحضر في مجالات وأملاك ورثوها جيلا بعد جيل وعندما تصل الاوضاع إلى حدّ الاحتقان يحدث الانفجار ولأن الدولة تقاعست بل الاخطر من ذلك لم تُحِل الملف على المتخصصين للقيام بدراسات عميقة يتم اقتراح حلول على ضوئها فإن الشرخ اتسع وتحول إلى صراع وإلى صدام.
من خلال ما أشرنا إليه نلاحظ أنه لا علاقة لما حدث ويحدث في غرداية بالدين أو المذهب أو العِرق ولكن عندما ترك الأمر ليصل حدّ الاحتقان تمّ توظيف كل عناصر الاختلاف فأقحم الدين والعِرق فأصبحنا نسمع على لسان الحمقى من إعلاميين وسياسيين أن الخلاف مالكي – إباضي وأنّه عربي – أمازيغي ... إلخ مع أنه كما رأينا ما هو الا اختلاف بين حضر من جهة وبدو حديثي عهد بالاستقرار واختلاف بين نمطي حياة من جهو اخرى ... أي بين مجتمعين ليسا بذات التقاليد وما يحدث الآن لا يختلف كثيرا عما كانت تقوم به فرق الرزو والميهاريست في عهود سابقة، ولو أوكل الأمر إلى أهله ما حدث هذا الانفلات ليأتي من يقترح الحلّ الأمني لخلط الأوراق وتحويل الوضع إلى مأساة حقيقية تهدد كل الوطن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الله بن إباض التميمي إليه ينسب المذهب الإباضي المنتشر في منطقة غرداية بالجزائر وفي جزيرة جربة بتونس وفي جبل نفوسة في ليبيا وكذلك في سلطنة عمان وهو المذهب الرسمي للسلطنة، وهو اقرب المذاهب إلى مذاهب السنّة، يعيش أتباعه حياة التصوّف والعبادة والتركيز على التربية وحسن الخلق.
(*) التسمية هنا لا تعني عرقا بذاته ولكن تعني كل من ينخرط في جماعات النهب.
(2) رزوRezzou من الكلمة العربية "غزو" والرزو هو عصابة مسلحة تقوم بتنظيم هجومات وغارات خاطفة بغرض نهب وسلب خيرات وموارد العدو، أنظر :
(SAINT-EXUP.,Terre hommes, 1939, p. 196)وكذلك (C. TRUMELETds R. africaine, p. 121
(3) الجمّالة فرق مساعدة تستعمل الجمل وقد جند الاستعمار الفرنسي أعدادا من الشعانبة مستغلا نزعتهم الاحترابية وكوّن منهم فرق الجمالة وبها احتل الصحراء الجزائرية وظلّ متحكما فيها يمكن الرجوع إلى هذه الدراسة : Jacques Frémeaux, « Les premières troupes supplétives en Algérie », Revue historique des armées, 255 | 2009, 61-67.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عجيب ماتقول
ملاحظ ( 2015 / 7 / 9 - 17:37 )
يعني تحاول أن تقول لنا أنه ان كان جدك العاشر أو المئة مجرما فأنت كذلك ستكون مثله

موضوع دون المستوى مع كل احتراماتي يخلط أحداث تارخية قديمة بأشياء في عصرنا الحاضر
وهذا من الأخطاء التي يقع فيها أصحاب التاريخ

وتظهر عنصرية الكاتب جيدا في هذا المقال حيث يظهر بني جلدته كأنه أناس متحضرين متخلقين وهم في الحقيقة بدو سكان جبل وقد كتب عليهم التاريخ أفعال شنيعة لاتنسى


2 - الى الاخ الذي رمز لنفسه باسم ملاحظ
اورلال كريم ( 2016 / 10 / 4 - 04:12 )
الى من رمز لنفسه باسم ملاحظ انا مثلك ملاحظ لكن لم الاحظ ما لاحظته ولعلني لم اكن منفعلا لان الانفعال هو الذي يؤدي الى التحامل
ما فهمته ان البروفيسور العقون هنا يريد اخراج الموضوع من الزاوية العرقية الطائفية وان المسالة ليست كما روج لها البعض بين مالكيين واباضيين وبين عرب وبربر ولكن هي بين نمطين مختلفين هما البدو والحضر فاين هو ما تسميه انت بتحامل الكاتب

المعروف ان بني امزاب حضر من سكان المدن وان الشعانبة من البدو ولا يوجد مزابيون رحّل والمعروف ان الشعانبة حديثو عهد بالاستقرار وهذه حقيقة والمعروف ان بني امزاب لا يسكنون الجبال كما تقول
الاستاذ لا يعتبر الشعانبة عرقا معينا او عربا بل هم خليط مندمج من العرب والبربر ... هو يقول ان ما يجمع بينهم هو نمط المعيشة الذي تدخل فيه عمليات الغزو والنهب وقد قدم مراجع في الموضوع ولم يقل شيئا من عنده ثم انه ليس من هؤلاء ولا من هؤلاء ولا اظن ان في مقاله ما يسيء لاي طرف


3 - الشعانبة حلف قبلي
العربي عقون ( 2020 / 7 / 2 - 14:33 )
نأسف أن يقرأ البعض المقال قراءة عرقية مع أن المقال يريد إخراج الموضوع من الاصطفاف العرقي فبعد التحليل والتوضيح توصلنا إلى أن الاختلاف في نمط المعيشة هو السبب في الاحتقان والتشنج في المنطقة ، وليس السبب العرقي
أكثر من ذلك نريد أن نوضح ونؤكّد من خلال أبحاثنا في التاريخ الاجتماعي في شمال أفريقيا أننا قد توصلنا إلى أنّ الأحلاف القبلية هي خليط اندماجي وليست عرقا صافيا فالشعانبة مثلا هم حلف زناتي - هلالي مع بعض العائلات المرابطية الصنهاجية ووجدنا فيهم ألقابا تعود إلى الاصول الزناتية مثل صقلاب وهو لقب ذلك الزناتي شيخ مغراوة الذي وفد على الخليفة عثمان (ض) وأسلم بين يديه فعقد له على قومة زناتة وهذا سرّ ولاء زناتة لأمويي الأندلس إلى نهاية دولتهم .
لقد اندمج الجميع وأصبحوا كما بقال عندنا -خال وابن أخت- فكفى من العنصرية والعرقية . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟