الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معضلة الفرعون القادم في مصر

محمود يوسف بكير

2014 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


من الصعب تصور كيف يمكن للمؤسسة العسكرية أن تنهض بمصر وتحل مشاكلها الاقتصادية والمجتمعية العويصة والمعقدة من خلال انتخاب السيسي رئيساً لمصر في الوقت الذي يقر فيه كل المؤرخين المستقلين والمحايدين بأن هذه المؤسسة ذاتها كانت وراء معظم هذه المشاكل سواء كان هذا بقصد أم بغير قصد.
وعندما نتحدث عن المؤسسة العسكرية فإننا نعني سياسات وتوجهات وقيادات هذه المؤسسة وليس الجيش نفسه بجنوده وضباطه ومعداته. وعلى سبيل المثال فإن نكسة 1967 لم تكن لتقع لو أن المشير عبد الحكيم عامر وضباطه كانوا غير منشغلين بالنساء ورئاسة اتحاد كرة القدم والأندية الرياضية والفنانات والمطربات. وباختصار فإن الجيش المصري ظلم وأهين وقتها بوضعه تحت إمرة مثل هذه قيادات وتوجهات. -

ولكن عندما تفرغت قيادات المؤسسة العسكرية لشؤون الجيش بعد تطهيره من عامر ورجاله، نجح ذات الجيش في تحقيق واحدة من أعظم الإنجازات العسكرية في العصر الحديث ألا وهي حرب العبور في عام 1973.
وإن عادت الأمور الى التدهور مرة أخرى عندما تولت قيادات المجلس العسكري إدارة شؤون مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 وخلع الطاغية مبارك حيث لم يدخر هذا المجلس بقيادة كل من المشير طنطاوي والفريق عنان جهداً في وأد كل أحلام وآمال الشباب الذي قام بهذه الثورة بل أنه تعمد قتلهم واعتقالهم وانتهاك عذريتهم كما لجأ الى كل الحيل لحماية مبارك وأعوانه وكل رموز عهده البائد. وفي النهاية فشلت الثورة وتم تسليم بقايا أشلائها لجماعة الإخوان المسلمين لتأتي على ما تبقى منها و تحولها من ثورة شعبية الى ثورة دينية كاذبة ومشوهة المعالم والرؤى لينتهي مسلسل الانهيار بانتصار الثورة المضادة وترحيب الأغلبية الشعبية طواعية بعودة دولة العسكر والأمن مفضلين الاستقرار والعيش على الديمقراطية والحرية والكرامة والمساواة ودولة العدل والقانون.

ولأن السيسي هو مرشح المؤسسة العسكرية وممثلها في رئاسة مصر فإنه من الأرجح أن يستمر سيناريو تدهور أداء الدولة المصرية ومعاناة الناس. ومن باب التذكير فإن عند قيام ثورة يوليو عام 1952 تحت قيادة عبد الناصر كان مستوى التنمية الاقتصادية ومتوسط الدخل الفردي في مصر يعادل نظيره في كوريا الجنوبية. وطوال رحلة الستين عاماً الماضية كانت المؤسسة العسكرية والمخابرات والأمن السياسي هم الموجهون والمتحكمون في كل مفاصل الدولة المصرية وعلى يدهم كانت التعيينات في الحكومة ومعظم المناصب الحساسة في أجهزة القضاء والأعلام والتعليم لا تتم إلا من خلال أجهزة المخابرات والأمن والمعيار الأساسي في المفاضلة بين المرشحين لتولي هذه المناصب كان دائماً الولاء والمداهنة وليس الكفاءة والاستقامة.

ومن ثم فليس من المستغرب أن يتدنى متوسط الدخل الفردي في مصر إلى 14 نقطة بمعيار ال "PPP "العالمي purchasing power parity” " وهو معيار نفضله نحن الاقتصاديون على معيار متوسط الدخل الفردي من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يأخذ معيار ال PPP” " معدل التضخم ومستوى المعيشة في الاعتبار.
وحسب هذا المعيار فإن متوسط الدخل الفردي في الولايات المتحدة يعتبر هو المعدل المعياري على مستوى العالم ويعطي 100 نقطة وتحصل الدول ذات مستوى الدخل الأعلى من أمريكا على أكثر من 100 نقطة والدول الأقل مستوى على اقل من 100 نقطة وهذه بعض الأمثلة:

كوريا الجنوبية 63 ، اسرائيل 62 ، سويسرا 107 ، النرويج 127 نقطة. ومرة أخرى فإن كوريا الجنوبية التي كنا نعادلها في الدخل منذ 60 عاماً أصبحت تتفوق علينا بأربعة أضعاف ونصف الضعف الآن كما أن احتياطيات كوريا من النقد الأجنبي تقدر الان ب 320 بليون دولار بينما لم تتجاوز مثيلتها في مصر 37 مليار دولار قبل الثورة والآن تبلغ 16 مليار دولار فقط. ولا يوجد بكوريا مواطنين تحت خط الفقر العالمي بينما يرزح نحو 45 مليون مواطن مصري تحت هذا الخط، وبالطبع فإن المسئول عن كل هذا التدهور الفاضح في مستويات المعيشة في مصر هم العسكر ابتداءا بعبد الناصر وعامر وانتهاءا بمبارك والطنطاوي بكل فلسفتهم وتوجهاتهم البائسة في الحكم.

وعلى ما يبدو فإن المؤسسة العسكرية الحالية قد فوجئت بثورة 25 يناير 2011 الشعبية والتي هددت في لحظة ما استقلال هذه المؤسسة عن الدولة المصرية خاصة فيما يتعلق بالإمبراطورية المالية الضخمة التي تمتلكها هذه المؤسسة داخل وخارج مصر والتي لا تدخل في ميزانية الدولة المصرية ولا تخضع لأي رقابة وتتمتع بإعفاءات ضريبية وجمركية كاملة وبالإضافة الى كل هذه المزايا فإنها تحصل على النصيب الأكبر من المعونة الأمريكية السنوية لمصر كما يحصل المجندون بها على رواتبهم من ميزانية الدولة المجاورة المسماة بمصر.

نقول إنه في اللحظة التي انضم فيها الإخوان المسلمون لثورة يناير ونجاح الثورة في اجبار العسكر على خلع مبارك وبدأت المظاهرات ضد أخطاء وانتهاكات العسكر في فترة توليهم الحكم بقيادة الطنطاوي، استشعر العسكر خطر احتمال إجبارهم على أن يكونوا جزءاً من الدولة المصرية فلجؤا الى التحالف مع الاخوان المسلمين من خلال اغرائهم بالسيطرة على المجالس النيابية والسلطة التنفيذية مقابل إخراجهم من التحالف الثوري.
ولأن الاخوان المسلمين حركة سياسية انتهازية بامتياز فإنهم لم يترددوا كثيرا في التحالف مع العسكر وخيانة الثورة. والبقية معروفة حيث نجح العسكر في وأد الثورة بعد إخراج الإخوان منها ثم انقلبوا على الإخوان أنفسهم وأخرجوهم من الحكم بشكل مهين.

وعلى عكس كل المصريين الذين لم يتعلموا أي شيء من تاريخهم الطويل مع العسكر فإن العسكر تعلموا الكثير من ثورة 25 يناير وهاهم ينجحون في غسل عقول المصريين بإقناعهم بأن السيسي هو سوبرمان العصر كما هو واضح في اللعبة الإلكترونية المنتشرة حالياً في مصر ويظهر فيها السيسي كمنقذ لمصر من كل الشرور التي تحيط بها وأن بدونه سوف يحل الخراب والفوضى بمصر.

وتعلم العسكر أيضاً أن يحصنوا كل مزاياهم ومناصبهم من خلال تضمين الدستور الجديد لمصر لنصوص تؤسس لاستقلال دولة العسكر وتحصين قيادتها ضد العزل السياسي والملاحقات القضائية من جانب الدولة المصرية، بل وإخضاع مواطني هذه الدولة المغلوبة على أمرها للمحاكم العسكرية إذا ما تجرأ أحدهم على التفوه بأي شيء في حق دولة العسكر وبهذا منح العسكري وحده حق تلقيننا كيف نفكر وماذا نكتب.

وما تتلقاه مصر أو بالأحرى المجلس العسكري هذه الأيام من دعم مالي من دول الخليج ما هو إلا ثمن اعتقال الفكر وحرية التعبير حتى لا ينتشر في اتجاهات غير مستحبة. والثمن محدد بدقة بحيث لا يمكن مصر من النهوض والسير إلى الأمام كما أنه لا يسمح لها بالسقوط في هوة الإفلاس. الثمن يمكنك فقط من الجلوس مكانك.

كما نجح العسكر في تمرير كل القوانين المقيدة لحق التظاهر وحرية التعبير وحماية الفاسدين الذين يدخلون في صفقات مع الدولة ويتم اكتشاف أمرهم. والعسكر في هذا مدينون بالكثير للرجل الطيب المقيم حالياَ في قصر الرئاسة والذي يسميه البعض ظلماً بالطرطور.

ولأن فعل الكتابة في النهاية لا يزيد عن أنه مجرد رأي واجتهاد، فإننا نتمنى أن يكون تحليلنا السابق خاطئ وأن يكون المصريون الذين يرقصون ويغنون للسيسي هذه الأيام على حق وأن يكون السيسي هو بالفعل المخلص المرسل من السماء لإنقاذ مصر والمصريين من الانهيار الاقتصادي والفوضى وعدم الاستقرار وأن نرى على يديه نهاية للعنف وعمليات القمع العشوائي وحالة التوحش التي تسيطر حالياً على الشرطة بشكل لم تشهده مصر في تاريخها.

حمى الله مصر وشعبها الطيب.

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إجهاض الحراك السياسي بيد أمريكا
عماد عبد الملك بولس ( 2014 / 4 / 17 - 23:11 )
مع كل الاحترام، لا أحسن الظن بالفكرة وراء المقال

لا مصلحة إلا لأمريكا (إسرائيل المقنعة) في إجهاض مصر سياسيا، فماذا يضير المصريين من تجربة السيسي و قد جربوا غيره؟ و أي ديمقراطية أكثر من الإجماع الشعبي (حتي و إن خطأ) علي شخص السيسي

لماذا ترفض أمريكا تجربة السيسي يا تري؟

تحياتي


2 - المصريون عاطفيون تم خلق كاريزما السيسى لهم
سامى لبيب ( 2014 / 4 / 18 - 14:31 )
تحياتى صديقى الرائع وكيف هى حال صحتك
أنا لدى إحباط وقرف ويأس يا صديقى من مشهد السيسى هذا فليس لى موقف عدائى منه ولكن إستيائى من الشعب المصرى وتكرار نموذج عبد الناصر.
يااااه بعد كل هذا الزمن مازلنا تفتنا الكاريزما وننتظر المهدى المنتظر..هل هان المصريين هكذا فلا يعتنوا بفكر وبرنامج وقضية ليسحرهم القادم على حصان ابيض يحمل اللبن والعسل
إذا كان عبد الناصر كاريزما سحرت المصريين ولكنه سحرهم بعد أن قدم برنامج إجتماعى لا يختلف أحد أنه كان منحاز للطبقة المتوسطة والعمال والفلاحين فماذا سيقدم السيسى حتى يحظى على كل هذه الشعبية والتعاطف..نحن شعب عاطفى ادرك الكبار كيف يتلاعبون على عواطفه
بالفعل تم التعامل بذكاء شديد فى أن يكون كل أحلام المصرى فى الأمان وما يتم على الأرض من بعض العمليات الإرهابية هى زيادة الإلحاح على الحل الامنى وزيادة شعبية مؤسسة الجيش والسيسى
لا أتوقع تغيير إقتصادى إجتماعى عندما يكون السيسى رئيسا فالدولة العميقة والطبقة الطفيلية تمسك بكل الخيوط فى يدها وليس لهذا السيسى مجرد حلم يستطيع تحقيقه ولكن يمكن أن نتوقع تغيير طفيف لا يأكلون فيها الكعكة باكملها فالنتيجة كانت سقوط مبارك


3 - توصيف دقيق حقا
ابراهيم الجندي ( 2014 / 4 / 18 - 16:31 )
القضية فى الامتيازات المهولة التى يحصل عليها العسكر من خلال استثمار ثلث الاقتصاد المصري لحسابهم ، سنبدأ من اول السطر مع العواطف الجياشة والكاريزما ، سوف يتولى الاعلام الحديث التركيز على ما قاله الرئيس وليس على ما فعله ، نحن بصدد خلق اله جديد نعبده الى ان يظهر اله اخر ... وهذا هو شعب مصر .. يفرز طغاته بنفسه


4 - الأخ الفاضل سامي لبيب
سهام موسى ( 2014 / 4 / 18 - 16:38 )
أرجو الا تقسو على الشعب المصري كثيرا فبماذا نقيس السنوات التي مرت عليه منذ عهد عبد الناصر الى يومنا هذا وكيف كان يعامله الحكام الا كطفل فاقد الأهلية ولابد للدولة ان تأخذ بزمام كل الأمور وكأنه لم يبلغ الحلم بعد فلا ممارسة ديمقراطية ولا تدريب على القيادة ولا خلق صف ثاني ز فأنت فعلا امام حالة ثورة غضب غير محسوبة العواقب ولا مدروسة التبعات.
فإلى ان يأتي من يقيم ديمقراطية حقيقية في مصر وينهض بالشباب ويخلق كوادر قادرة على القيادة فسيظل الشعب اسير الرمز ودائما يشعر بقلة الحيلة لأنه لم يفطم بعد


5 - الى الاستاذ عماد بولس
محمود يوسف بكير- مستشار إقتصادي ( 2014 / 4 / 18 - 18:12 )
أشكرك على تعليقك الكريم
لا أعتقد ان الادارة الامريكية تعترض على ترشح السيسي بل العكس تماما. فهذه الادارة برجماتية ولا تسعى الا لحماية مصالحها ومصالح اسرائيل والسيسي لا يمثل أي تهديد وعلاقته بإسرائيل جيدة
، هناك اعتراض فقط على السيسي من جانب الكتاب الليبراليين في بعض الصحف الامريكية المؤثرة مثل الواشنطن بوست و بعض النواب الديموقرطيين وحتى الجمهوريين التقدميين مثل جون ماكين لانهم يرون ان مصر تتجه بسرعة نحو الشمولية والمزيد من الانتهاكات لحقوق الانسان


6 - الى الصديق الغالي سامي لبيب
محمود يوسف بكير- مستشار إقتصادي ( 2014 / 4 / 18 - 18:36 )
أشكرك على اهتمامك وسؤالك. أنا ولله الحمد بصحة جيدة وان كنت مصاب بحالة قرف وقلق شديد مثلك بسبب الاحوال في مصر
أتفق معك في كل ما تفضلت به وما تفضل به الصديق العزيز ابراهيم الجندي نحن شعب عاطفي الى درجة العبط والعالم كله يستغرب من غفلتنا واننا لم نستفد بأي قدر من تاريخنا الطويل الملئ بالعبر ولا زلنا نبحث عن الفرعون المخلص وننظر الى السماء ببلاهة شديدة انتظارا لمعجزة لم ولن تتحقق والبلد ينتقل من سئ الى أسوأ

تحياتي ومودتي اليكما


7 - الهرب من الموت , و تفضيل الحمى!
علاء الصفار ( 2014 / 4 / 18 - 19:43 )
تحيات السيد محمود بكير
أن الربيع العربي كان صرخةعفوية غير منضبطة بلا برنامج ولا مدارة أو بقيادة حزب سياسي عريق في النضال ,لا يمكن إلا وأن الثورة تنحرف وتسرق من الشعب, ان الذي جرى في مصر هو اهتزاز اركان السلطة على يد الشعب. وهذا امر ونقطة لصالح الشعب, لا يوجد شعب في العالم يقود السلطة ويسير الدولة, لقد خرج الشعب و سبق الاحزاب الكلاسيكية التي ترهلت وفقدت الامل بالشعب لكن فاجئ الشعب الاحزاب وخرج على النظام, اي كانت الثورة بلا رأس ولا فارس. وما كان إلا على الطبقة البرجوازية الطفيلية إلا المراوغة, فقد انسحب العسكر من السلطة و سلمها للاخوان, وهم ممثلين للسلطة الطفيلية أي ان التغير ليس ثوري يهزم البرجوازية, والعسكري صار شيخ كبير يحب الدين فقد شاخ و يريد الذهاب للجامع للغفران بدل بيوت الدعارة, وممكن للعسكري ان يطيل اللحية و يلبس العمامة فكل شيء بالستر حلال هههه. ألا أن أزمة الديمقراطية ستعود وتحاصر النظام وما على الاحزاب اليسارية والنقابات العمالية ألا معرفة نبض الشعب المسحوق الذي يبحث عن لقمة في القمامة ويسكن المقابر وتحت الجسور, من اجل ثورة مدنية علمانية تنتزع المكاسب لصانعي الثورة الاصلاء!


8 - إلى الاستاذ علاء الصفار
محمود يوسف بكير- مستشار إقتصادي ( 2014 / 4 / 18 - 20:55 )
أعجبني تعليقك جدا وكم هو دقيق ما ذكرته ان كل شيئ في مصر بالستر حلال -حتى ولو كان دعارة-
تحياني

اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى