الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الشهادة كتجاوز للكوجيطو الديكارتي.

الاعرج بوجمعة

2014 / 4 / 18
كتابات ساخرة


ربط الفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي مُعاشرة فكرية لمرات عدة مع الكوجيطو الديكارتي، وكل مرة يتصرف فيه تصرفا بديعا، مثلا نجده في كتابه: "الشخصانية الإسلامية"، يقدم قراءة جديدة للكوجيطو على ضوء مفهوم الشهادة.
فالكوجيطو الديكارتي "أنا أفكر، إذن أنا موجود"، كان بمثابة عصارة للفكر الديكارتي، لذا من حاول مداعبة هذا المفهوم يجب عليه قراءة المثن الديكارتي، والحبابي تحمل عناء قراءة هذا المثن من أجل تجاوزه. فالتفكير حسب ديكارت دليلا على الوجود؛ أي متى انقطعت عن التفكير انقطعت عن الوجود، كما نجد الغير بالنسبة لديكارت غير ضروري، لأنه أتبت ذاته بمعزل عن الأخر. الحبابي سيحاول تجاوز هذه الوحدانية الديكارتيةSolipsisme إلى الاعتراف بوجود الغير عن طريق الشهادة، يقول الحبابي فحديثي (كمسلم) عن أناي هو كذلك حديث عن الآخرين؛ أي إقرار بوجود الله وبقدرته على الخلق والعلم .. والذي خلقني هو الذي خلق الآخرين وخلق العالم .. فعندما أشهد "أن لا إله إلا الله"، الخالق، المبدع، المريد .. أضع الشاهد الذي هو أنا في معية مع آخرين بعالم وفي تاريخ.
نجد للشهادة إيجابية من عدة نواحي:
-;- فمن الناحية الأنطولوجية لها قيمة، حيث يدرك الشخص ذاته، في بداية الشهادة وفي أخرها، فالمؤمن يشهد أمام العالم وأمام الآخرين: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا" (البقرة، 2، أية 143).
-;- أهمية الشهادة من الناحية السيكولوجية يترتب عنها تأسيس علاقة مع الآخر ما دام الأنا والأخر، يشتركان في أداء نفس الشهادة. فيصبح أفق الشهادة مطمح كل إنسان، كما أنه يسبب الراحة النفسية التي يخلقها هذا الفعل، على اعتبار من نطق الشهادة دخل الجنة.
-;- أما من الناحية السوسيولوجية تكتسب الشهادة تشخيصا عينيا في تكييف وجودنا الشخصي وتصرفاتنا عن مواجهة الآخرين، على هذا الأساس فالمؤمن يمثل جزءا من "النحن".
-;- أما من الجانب الميتافيزيقي فإن الشخص سواء كان مؤمنا أو غير مؤمن، يجد نفسه ضمن مستوى جدلي تفيض فيه كل الاختيارات من الأنا، وتحرجه، في وقت واحد، لكنها اختيارات تتجه نحو الإله الخالق المدبر، حتى في حالة نفي وجوده، ألا نجد في أعماقنا أعظم الآيات الدالة على الحضور الإلهي الكلي: "وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون" (الذاريات، 15 أية 20و21).
فالآخر أو الغير يصبح مع الحبابي ضروري، عكس ديكارت ينطلق في الكوجيطو من الشك ليثبت الأنا ثم العالم ثم الله. أما مفهوم الشهادة ينطلق من الله ليعود إلى الأنا (الأنا ـ الشاهد). إذن لشهادة وساطة مزدوجة، فبفضلها يعي الإنسان نهائيته، إزاء الحضور السرمدي اللامتناهي الأعظم، هذا دورها الأول. أما الوساطة الثانية فهي أن الشهادة تقتاد "الأنا" نحو اكتمال بإدماجه في أمة أي في "نحن"؛ لأنه من خلال الأخر اكتشف ذاتي، أقوّم سلوكاتي وأحكم على تصرفاتي.
ختاما يمكن القول، إن الحبابي يجعل من الشهادة النواة الأصيلة والأصلية للشخصانية الإسلامية، وفي نفس الوقت يمدها بالدينامية والحيوية. فعندما ينطق المرء "أن لا إله إلا الله" يصبح مسلما، وبالتالي يشعر بأنه قادرا على إصدار أحكام، وأنه قادر على استخدام عقله واستثمار حريته واستقلاله الذاتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا


.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب




.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في