الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغييب وتعطيل الجغرافيا السياسية في اليمن

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2014 / 4 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


من اهم مظاهر سؤ الادارة السياسية في اليمن خلا ل العقود الثلاثة الماضية والسنوات الاخيرة خصوصا انها عملت على تعطيل او تغييب متعمد للجغرافيا السياسية التي يستقيم عليها ويرتكز بناء لها طبيعة النظام السياسي بمصادر قوة تمكنه من الحضور الايجابي داخليا وخارجيا .وهذا التعطيل او التغييب تم وفقا لتغييب اخر استهدف مؤسسة الدولة وتحويلها الى مجرد سلطة لمراكز القوى التي تتقاسم دوائر صنع القرار واقتسام عائدات الثروة الريعية. ومن هنا كانت العلاقات بين اليمن والخارج الاقليمي والدولي تتم وفقا لدعم ذلك الخارج لمراكز القوى ودور هذه الاخيرة بحماية مصالح الطرف الاول وهنا غابت الرؤية الاسستراتيجية لليمن سياسيا واقتصاديا وامنيا وكان التعامل معها كتابع لمحاور اقليمية او دولية ..
ومن هنا تم تعطيل كثير من مصادر القوة للدولة والمجتمع ليس الجغرافيا فقط واهميتها في الاشراف على اهم ممر بحري تعبر خلاله اكثر من 30% من نفط العالم وتجارته بل وتعطيل فاعلية الموارد البشرية المتمثلة في الكتلة السكانية الكبيرة مقابل ضعف سكاني في دول الجوار اضافة الى تعطيل فاعلية المحددات الثقافية والاجتماعية المؤسسة لوعي عربي ينطلق من حقيقة اصله التاريخي والاهم في هذا التعطيل او التغييب ان النظام السياسي والحكومات اليمنية حتى اليوم تفتقد للوعي والادراك الكاملين بنظرية المجال الحيوي التي تستند عليها مفاهيم ومنظورات الجغرافيا السياسية .
فاليمن وفق لنظرية المجال الحيوي ذات اهمية للجوار النفطي وللسياسات الغربية والامريكية خصوصا والتي تولي اهمية كبيرة لمنطقة الخليج وباب المندب والقرن الافريقي وهنا طالما والنظام يعتمد منطق الغنيمة في امتلاكه سلطة دون قدرته في بناء الدولة فهو لاينطلق من رؤى استراتيجية تخص المجتمع والشعب في الحاضر والمستقبل واعادة اكتشاف الماضي بمحطاته المضيئة اجتماعيا وسياسيا وثقافيا . ولا ينطلق من مقاربات سياسية وامنية تستفيد من المنظور الاستراتيجي الامني دوليا واقليميا بان يكون تحالفات الاخرين مع اليمن او العكس من منطلق تعزيز الاستفادة اقتصاديا وانمائيا ورفع قيمة الجغرافيا السياسية في تعظيم فاعلية النظام السياسي كواجهة لدولة مؤسسية تحظى بالاحترام في الداخل والخارج .
فالنظام السياسي يعكس طبيعة الدولة وفلسفتها وراتكازها على منطق الجغرافيا بدلالاتها الحيوية والسياسية ومن ثم فالامثلة الراهنة في الصراع داخل منطقة الشرق الاوسط (سوريا نموذجا) والصراع الايراني في منطقة الخليج نموذجا اخر والصراع الراهن في المثال الاوكراني نموذجا ثالثا . فالصراع الدولي بعد الحرب الكونية الثانية قسم جغرافية العالم وفق منظور ايدولوجي (معسكر راسمالي/معسكر اشتراكي) ثم انهارت الثنائية القطبية مع العام 90 وظهرت الجغرافيا وفق منظورات ومقاربات امنية واقتصادية وديمقراطية وهنا تولت امريكا هذا التنميط منفردة بالتحالف مع الغرب الراسمالي بعد اعلانها انتصار الراسمالية ونهاية التاريخ . ومع ذلك لاتزال الجغرافيا تستمد اهميتها من المنظورات الاستراتيجية للقوى العظمي وللدول التي تحسن تحويل الجغرافيا الى مرتكز سياسي يعزز من حضورها وقوتها بل ومساوماتها التفاوضية اقليميا ودوليا وهو مالاتجيدة الدولة في اليمن . بل ان بعضهم في هذه الدولة سفه من قيمة الجغرافيا وجعل منها مجرد حفنة تراب لايجوز الصراع حولها مع دول الجوار لكنه يجوز القتال حولها في الداخل في اطار التملك اللامحدود للفضاءات المكانية .
ولماكانت الحكومات والنخب الحاكمة لاتدرك قيمة ومعنى الجغرافيا السياسية ولاتستند الى خبرات واستشارات علماء واكاديميين متخصصين فان التغييب والتعطيل لواقعنا الجغرافي ودلالاته السياسية سيظل بعيدا عن الاستفادة منه وبعيدا عن توظيفه في مشروعنا الاستراتيجي في التغيير السياسي والاقتصادي ..ولايمكن ان يكون للجغرافيا السياسية من توظيف ومعنى ودلالات دون امتلاك رؤية استراتيجية بمنطق الدولة وليس بمنطق العصابات والتنظيمات المافياوية.
فالدولة وحدها من يستثمر الجغرافيا السياسية ومن هنا فدعوتنا المتكررة من سنوات طوال باهمية الدولة الوطنية المؤسسية انما لكونها اهم الروافع التحديثية والتنظيمية للمجتمع وجغرافيته في آن واحد. مع العلم انه في بلادنا احزاب وجماعات تعطل الجغرافيا السياسية وفقا لمنظوراتها االايدولوجية وفق ازعومات تاريخية تتعالي عن الجغرافيا ومنطق الدولة وهي تؤثر سلبا في بناء الدولة وتعطيلها كما تؤثر سلبا في منطق الجغرافيا وتعطل مفاعيلها .
وللعلم لدينا في اليمن جغرافية كتنوعة في مناخها وهامة في موقعها البحري وذو بعد جيواستراتيجي لكننا لانملك نظام وحكومة تفهم وتدرك بوعي مفاعيل الجغرافيا وكيفية جعلها جزءا من مكونات النظام السياسي للدولة ومصدر قوة ايضا .فاذا كان جمال حمدان تكلم عن عبقرية المكان في مصر فالمفهوم له حضوره في اكثر من بلد واليمن احد اهم هذه البلدان .. ولان الجغرافيا تتطلب بشرا ينطقون بها ويدركون مفاعيلها فهؤلاء غائبون عن دوائر صنع القرار السياسي لاننا ازاء دولة وحكومة لايعتمدن منطق العلم في رسم السياسات ولا الخطط ولا في تقييم المتغييرات الاقليمية والدولية وفق طبيعة المشهد السياسي بكل تداعياته وتعقيداته ومن هنا فلامجال امام دولة تعتمد الجهل مصدرا ومكونات لسياساتها الا ان يكون الفشل حليفها وهنا تتعطل القدرات الكامنة في جغرافية اليمن وتتعطل الاهمية الحيوية في استثمار الموارد البشرية ايضا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة