الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل الوطن رهن ورقة إنتخاب – لننقذ العراق

كلكامش نبيل

2014 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ربّما يقف العراقيّون المؤمنون بوطنهم اليوم في حيرة من أمرهم، تتقاذفهم أنسام الأمل في التغيير وعواصف القلق حيال المستقبل والتحديّات التي تحيط به لتجعله سرابا خادعا ومرعبا في الوقت نفسه، ورياح اليأس من إمكانيّة حدوث التغيّير - التي تكاد تكون قد تسرّبت في نفوس شريحة واسعة من ابناء شعب ما بين النهرين - كل هذه العوامل مجتمعة جعلت العديد ممّن لا يعرفون سوى عراقيّتهم تعريفا لكيانهم ووجودهم في حيرة من أمرهم، غير قادرين على الإختيار ومعرفة ما يمكنهم فعله أو إن كانوا حقّا قادرين على إنقاذ وطنهم من تسونامي الطائفيّة المقيتة الذي يضرب المنطقة ويحيل دولها خرابا الواحدة تلو الأخرى.

لقد دفع اليأس البعض إلى الإعتقاد بأنّ ذهابهم إلى الإنتخاب لن يجدي نفعا، وبأنّ نفس الكتل الكبيرة ستحصل على كلّ شيء، أو أنّ الكتل الجديدة إن حازت على عدد قليل من المقاعد ستندمج مع برنامج الأحزاب الأكبر ولن تشكّل جبهة معارضة واسعة وقويّة، كما غابت ثقة الكثير من الناخبين في إمكانيّة العثور على المرشّح المناسب الذي يعبّر عنهم بحق. لكنّ هذه المشاعر كمن يستسلم مبكّرا ليوفّر على نفسه عناء المحاولة، وينتظر موته في صمت، ولا يوجد ما يساعد على بقاء الحال على ما هو عليه أكثر من يأسنا المبكّر هذا. لهذا يتوجّب علينا جميعا أن نذهب إلى صناديق الإنتخاب ونصنع التغيّير بأنفسنا، أن نقول نعم للعراق الموحّد التعدّدي الذي يحترم كافّة أبناءه وينعم فيه الجميع بالإستقرار والحقوق والواجبات المتساوية على أساس المواطنة والكفاءة لا غير.

العراق اليوم يمرّ بمرحلة عصيبة، ويتأثّر بما يحصل في الإقليم المضطرب أصلا، ها نحن اليوم نستيقظ باكرا لنصطدم بمشاهد جفاف نهر الفرات وحرائق تلهب مياه نهر دجلة، إنّها محاولات تستهدف وجود العراق، أرضا وشعبا وتاريخا، محاولات خطيرة يجب أن نتنبّه لها جميعا ونقف معا لحماية بيتنا الأوحد، فإنّنا إذا ما فقدناه لن نجد بديلا عنه، وإذا ما عثرنا على البديل في دولة ما فلا يمكن أن نضمن بأنّ القادم من الأيّام سيجعل تلك الدولة مكانا آمنا لأجيالنا القادمة في المهجر. البلد الآن يواجه آفة الإرهاب ووباء الفساد والمحاصصة والجهوية والقبلية والطائفيّة والأخطر ضياع الهوية الوطنيّة والشعور بالمواطنة، ليس العراق الوحيد في هذه الأزمة اليوم، بل أغلب دول المنطقة كسوريا ولبنان وبدرجة أقل مصر وليبيا، نحن اليوم في زمن يتهجّم فيه المتآمرون على كل من يهتم لمصلحة الوطن، بل إنّ كلمة "وطني" أصبحت هجاءا بالنسبة للبعض منهم، فالمنطقة تجتاحها أيديولوجيّات شريرة لا تؤمن بالوطن ولا حدوده ولا رموزه ولا شعبه ولاثقافته الضاربة في عمق التاريخ وتحاول تشكيل دول جديدة وفق منظورها المتخلّف الذي لا يواكب العصر ويقوم على الدمار والتخريب وسفك الدماء في كل مكان، عدو المنطقة اليوم فكر إجرامي لا يعرف معنى التحضّر ويعد كل أشكاله هدفا يستوجب التدمير، هو عدوّ جاء ليغرق المنطقة في ظلام الجهل مضلّلا البعض بأوهام تاريخيّة ساهمت مهادنة الأنظمة الشبه علمانية سابقا لها في تكريسها، ولهذا نراهم اليوم يخدعون البعض بأنّ التخلّف تقدّم وبأنّ الرجعية محافظة على الأصالة غير مدركين بأنّ تراث هذه المنطقة يمتد إلى عصور لا يعرفون هم عنها شيئا وتفوق في تطوّرها ورقيها ما يروّجون له بكل تأكيد.

أمّا الحقيقة فإنّ شعوب المنطقة من الناطقين بالعربيّة أو الكرديّة أو الفارسيّة أو التركيّة أو الآراميّة السريانيّة أو الأرمنيّة أو العبريّة يحملون العديد من المشتركات، بشكل يحطّم أساطير الإنتماءات الساميّة والهندو-أوروبيّة وغيرها، فالملامح الخارجيّة لكل هذه الشعوب يكاد يمكن تصنيفها – بغض النظر عن اللغة والثقافة والدين – إلى مجموعة الشعوب القوقازيّة أو ببساطة شعوب الشرق الأوسط، كما إنّ تعايشهم طوال قرون يثبت بأنّ كل هذه الإشكالات والتعصّبات الدينيّة والمذهبيّة والقومية تافهة ويمكن تجاوزها وبأنّ مصلحة المنطقة ورخاء شعوبها أجمع يجب أن يكون هدف الجميع لتحقيق الإستقرار وننعم بحياة تليق ببني البشر، بدل أن يحاول كل طرف إبادة الآخر – وهو ما لن يمكن تحقيقه أبدا إلاّ بفناء الجميع – ولكنّنا الآن نرى الأوطان تدمّر وتحرق وتصرف الأموال والثروات من كل الأطراف على شراء الأسلحة لقتل الآخر، إنّها مهزلة يشارك فيها الجميع وبشكل يثير الرثاء والسخرية في الوقت ذاته. لقد تناست الشعوب بأنّ الدول العظمى دائما ذات مساحات كبيرة وتعيش في سلام مع جيرانها وشعوبها متنوّعه بما يثريها ثقافيّا وإجتماعيّا، لكنّ شعوب المنطقة اليوم تروم تكوين دويلات صغيرة أحاديّة اللون – غيتوهات - وتعيش في عداء مع جيرانها وتهدّد بعضها البعض فيما يخص مصادر المياه وتصدير مصادر الطاقة وغيرها، ويحكمها في الغالب كيانات رجعيّة تدّعي كونها حامية لهذه الفئة أو تلك. هذه الكيانات تعتاش على الصراع ولن تطمح أبدا في خلق الإستقرار لأنّه يتعارض مع وجودها ومصالحها، فهي لا تقدّم شيئا إلاّ لنفسها، فإذا ما توفّر السلام المجتمعي وغابت الإشكالات التي تمكّنهم من التلاعب بعواطف الجماهير، ستخسر كلّ شيء ويكون مصيرها الزوال.

لن تروّج هذه المقالة لأي جهة سياسيّة، لأنّني واثق بأنّ شعبنا العريق قادر على تشخيص مصلحته جيّدا، هذه الفرصة – التي لا أرجو أن تكون الأخيرة فما دمنا هنا سنواصل المحاولة – ولكنّها تأتي في وقت عصيب محليّا وإقليميّا لهذا يجب أن يستغلّها الشعب ليعلن عن رفضه لواقع الفقر والموت اليومي المجّاني والذي أصاب الجميع ببرود غريب حتّى بدأنا نتلقّى أخبار الإنفجارات كجزء من الروتين اليومي وهو أمر خطير يشي بموت المشاعر والإنسانيّة والتي لا أزال أؤمن بأنّها عميقة الجذور في أرض النهرين. كلّ ما أريد قوله هو أن نتذكّر كل هذا عندما نقف أمام صندوق الإنتخاب، ونختار من ينظر إلينا كمواطنين عراقيّين لا غير، ولا يضيف صفة أخرى ليعرّفنا بها، ولا يطالب بصفة أخرى أو يقدّمها على عراقيّته، المرشّح الذي ينظر للجميع على أنّهم أبناء هذا الوطن ولهم نفس الحقوق والواجبات. قد تعتقد بأنّ غيرك لن ينتخب على هذه الاسس وبالتالي تضيّع صوتك، ولكن قد يفكّر الجميع بطريقتك وننقذ الوطن، أو تكون سبيلا للتغيّير مستقبلا ويدرك الآخرون بأنّهم مخطئون وبأنّهم عراقيّون فقط في النهاية. إنتخب من لا يجعل نفسه وكيلا للرب على الارض، من لا يتكلّم بإسمه أو إسم الانبياء والأئمّة والأولياء وغيرهم، فكل من يتكلّم بهذه الاساليب يخدعك ليحقّق مصلحته، نحن شعب ذكي وندرك بأنّ هؤلاء لا يمتلكون وسيلة للإتصال بالعالم الآخر أو أنّهم يمارسون تحضير الأرواح، لذا لا يمكن أن ندعهم يخدعوننا ليضحك العالم علينا في النهاية. لنتذكّر أمام صندوق الإنتخاب بأنّ ننتخب النزيه الذي لم يسرق ولم تتلوّث يده بأموال الشعب ودماءه، لا يهمّنا صلاته فالكثير يستعمل هذه المظاهر الخادعة ليخفي فضائحه، وفي النهاية إعتقاده مسألة تخصّه ولن تخدم الوطن في شيء، يجب أن نبحث عن النزيه الذي يقدّم برنامجا واضح المعالم ونحاسبه على نسبة ما تحقّق منه في الإنتخابات القادمة. يجب أن ننتخب من يضمن الحريّات العامّة والذي لا يوكّل نفسه رقيبا على الآخرين فيما لا يضر المجتمع ويتغاضى في الوقت نفسه عن السرقات والجرائم، يجب أن ننتخب من يحترم حقوق المرأة، لا بتوفير عدد مقاعد معيّن للنساء في البرلمان، بل من يحمي النساء من الإضطهاد وزواج القاصرين ووقف تعليمهنّ ويقف ضد من يساهم في إنتهاك حريّتهن الشخصيّة لأنّه لا يرى في المرأة إنسانا بل سلعة يحاول شرعنة إستغلالها بطرق ما أو يحاول تغليفها وحبسها لأنّه لا يتمكّن من كبح جماح نفسه.

لننتخب من يؤمن بوحدة هذه الأرض ويعرف تاريخها جيّدا ويدرك مشكلاتها التاريخية والإجتماعيّة ويضع المصلحة العامّة – لا الفئويّة نصب عينه – عند إتّخاذ اي قرار يتعلّق بمستقبل هذا الوطن، علينا أن ننتخب من لا يحصل على دعم من الخارج، لأنّ هذا الأخير يريد مكاسب في مقابل هذا الدعم ولن يكون المرشّح مستقلاّ وممثّلا لمصالح الشعب، بل لمصالح سيّده الذي يدعمه، فهو يشعر بأنّه حصل على دعم ذلك الطرف الخارجي لا الشعب ولهذا فإنّه يدافع عن مصلحته الخاصّة التي تتوافق مع مصلحة سيّده. لننتخب من يكون العراق أولويّة عنده ولا يأبه عن تضارب المصالح مع أيّ طرف خارجي آخر – شرقا أو غربا أو جنوبا – ويتّخذ القرار بما يحقّق مصلحة العراق فقط.

لننظر إلى واقع البلد، الفقر وسوء الخدمات والبطالة، ولنقارن وضعه في الخمسينيّات والستينيّات والسبعينيّات مع وضعه اليوم، ونقارن ما كان عليه العراق وما هي عليه اليوم العديد من دول المنطقة الحديثة النشأة، ليس هذا نقمة على تلك الشعوب، فكل من يعرف إدارة مصالحه يستحق كل الإزدهار الذي ينعم به الآن، لكن يجب أن ندرك بأنّ إمكانات العراق لا تتوافق مع ما نراه اليوم على الأرض الواقع أو ما كنّا نعايشه أبان الحصار الإقتصادي، لننتخب من يحمل حقّا خططا تنموية مدروسة لأنّ الوقت الذي أهدرناه في الصراع والتخريب طويل ويجب أن ندرك بأنّ الوقت حان لننهي كل ذلك ونلتفت إلى المستقبل، فلن يجدينا الصراع على الماضي ولن نجني منه سوى دمار الحاضر وضياع المستقبل.

هنالك مسائل عديدة تهدّد مستقبل وطننا اليوم، أكبر بكثير من المسائل الدينيّة والخلافات الميتافيزيقيّة البلهاء، هنالك تغيّرات مناخيّة وتصحّر يضرب المنطقة، هنالك حروب مياه قادمة ونفاذ وشيك لمصادر الطاقة، التي نهدرها اليوم وقد أضعنا كل ما إمتلكناه من ثروات زراعيّة وحيوانيّة – البصرة اليوم تتوفّر على ثلاثة ملايين نخلة من اصل ثلاثة عشر مليون في السابق – كما إنّ العراق لم يستخدم إيرادات النفط في تحقيق نهضة إقتصاديّة أو صناعيّة أو جعل أرضه مكان إستثمارات أجنبيّة كما لم يأبه أبدا في إستثمار الإمكانات السياحيّة التي يتوفّر عليها، يجب أن نوقف كل هذا وننتخب المستقبل ونوقف كل الصراعات التي ستخلق دويلات متخلّفة وأجيال تائهة تكون فرائس سهلة للتطرّف نتيجة شيوع الجهل والإنغلاق الفكري، المنطقة بأسرها تواجه منعطفا خطيرا في تاريخها قد يدخلها في دوّامة تستغرقها قرونا من الزمن – هذا إذا كان في إمكانها الخروج منها خصوصا وأنّ بذور النهضة من كفاءات وعقول متحرّرة – قد تحمل الخلاص مستقبلا – تضطر للهجرة الآن بشكل يهدد بحرمان المنطقة من إمكانات نهضتها المستقبليّة أو يطيل عقود الظلام بشكل كبير.

لننتخب العراق الواحد، المستقبل، مصلحة الوطن العليا، المواطنة، المدنيّة التي تكفل للجميع المساواة والعدالة، لننتخب العلمانية التي تحترم الجميع ولا تجزّء الشعب وتجعله شعوبا متنافرة وتغرق الآخرين في دوّامة اللا إنتماء واللاهويّة لأنّهم يريدون أن يكونون مواطنين فحسب، لننتخب مصلحة العراق لا مصلحة دول الجوار أيّا كانت لأنّها وبالتأكيد تتنافى مع مصلحتنا الخاصّة، لننتخب من يحارب من يهدد أمن الوطن أيّا كان هذا التهديد، سواء أكان الجماعات الإرهابيّة أو الميليشيات المسلّحة ، بل للنتخب من ينظر إلى كل هؤلاء كإرهابيّين يتنافى وجودهم مع مفهوم الدولة، لننتخب من يقدّم لك برنامجا على أرض الواقع لا وعودا بالسعادة في عالم الماوراء. والقرار لكم يا أبناء سومر وبابل وآشور، القرار لكم يا ابناء العراق الأصلاء وبيدنا نختار ما نريد لمستقبل العراق أن يكون عليه.

كلكامش نبيل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكافآت سخية للمنتخب العراقي بعد تأهله لأولمبياد باريس 2024|


.. عقاب غير متوقع من محمود لجلال بعد خسارة التحدي ????




.. مرسيليا تستقبل الشعلة الأولمبية لألعاب باريس 2024 قادمة من ا


.. الجيش الأمريكي يعلن إنجاز بناء الميناء العائم قبالة غزة.. وب




.. البرجوازية والبساطة في مجموعة ديور لخريف وشتاء 2024-2025