الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الحمّى
نصيرة أحمد
2014 / 4 / 19الادب والفن
جلسا في الحديقة الساكنة هنيهة من الزمن الخائر القوى.كانت الشمس منهكة تماما وهي تودّع الارض آخر مرّة , دون أن تعي أبدا أنها تسحبُ في أعطافها نهارا تحرّقت اطرافه بفعل حرارة تموز , والليل يحاول أن ياتي ويولد ساخنا دون اذن من أحد .سقطت دمعةٌ على أرض الارجوحة المتربة. أجهدت روحها المعذّبة وقالت بجفاء : أحبك . لقد أملى عليها القلب الحزين قولتها وأشاحت بوجهها الشاحب نحو الارض المعشبة حيث تغلغلتْ خطوط النمل الناعمة بين ثنايا العشب النافر . أغمضت عينيها للحظة كأنها تودّع العالم المؤذي بأرادةٍ قوية وأفاقتْ على صوته المشوب بحرقة : حبيبتي ..هل نذهب؟ ( ترى هل قضى عليّ السأم فلا مفر من مواجهة تفاصيل الحياة بغباء مملّ..؟) أمسك يدها برفق , واحتضنها بوجل مشوب بحبّ خائف مطارد. كان لايقوى على الكلام, أو ان حديثه سيكون اكذوبة كبرى لاتطاق . تمشيا سويةً في الممرّ المهمل وهي تكاد تسقط كأنها تلملم أجزاءها المثقلة بفعل حرارة الجسد المنهك .نظرت الى أعلى فاصطدمت نظراتها المشوشة بشباك الغرفة المتلفعة بأغصان الاشجار الكثيفة .لقد ضمّتهما عروسين منذ زمن بعيد ، وغادراها آسفين على ذكريات الدفء الاول , المتناثرة في جدرانها وزواياها الرخوة .( ماذا يحدث لي ...ألمٌ مخبأ في ذرات جلدي فلا أعي شيئا أهمس ...أناديه ...هل فقدت وعيي ؟..ظلمةٌ مقيتة وطنين الاجهزة الكهربائية يحفر رأسي وأنا مسجّاةٌ في الصالة الموحشة ...لاأسمع شيئا هل أنت قربي ..؟ لاأرى شيئا ...أناديه ...هل يظهر صوتي ؟ لاأسمع شيئا ....ماء ...أريد شيئا من الماء ..جفّ حلقي ويبس القلب تماما . وعيٌ مفرطٌ . صوتٌ يظهر في الاحشاء ...صوت أمرأة كانت قربي ذات ليلة . أو هذه الليلة .يدٌ تمسّدُ رأسي وجبهتي الساخنة . تسألني أو أسألها . صوت امرأة ليلية .تمتدّ يدي لتبحث عن شىء وهمي ..ماء ..ماء..يبس الماء . هل أنت هنا ؟..رأيتك أو حلمت بك . كنت تزمجرُ و تلوذ بالصمت . النوم يأكل جدران البيت المثقل بالظلمة ,أرفع جسدي المحترق بضعة سنتمترات عن الارض , وأزحفُ..أزحف ..وسادة قديمة مقرفة مبلولة بعرق المرض المجنون . وفراش عليل . أزحف .يدٌ هائمة ارتجفتْ بقوة . قطراتٌ من الماء غرقت ْ في بحرٍ من الحمّى . النوم يهاجمني والحمّى تلوذ به .جرذٌ يتقافز قربي , لاأقوى على حمله على الهرب ..لاأقوى على الهرب . أريد لأنسى..لكن رائحة الدم تطوّق المكان ..تطوّق قلبي. خوفٌ يزحفُ خوفٌ يصفع همسي ..هل انت هنا ..؟ أو كن ..(يدك تفارق يدي ..أستذكر وجهك, أو انني أهذي . الظلمة تبكي .الفجر يلوح ...) .كان أزيز السيارة الحبيب يحوط الاجواء ..لم يكن يمسكها شىء والشارع يتآكل تحت عجلاتها الناعمة .تكورّتْ في المقعد الوثير ككرةٍ من نار . لاتقوى على فرد جسمها الضعيف.خرجوا من المستشفى ويده تمسك يدها .أيها الدافىء ..لااريدك ...لاأريد دفأك .. شيئا من الثلج يطفىء قلبي .
ليلة مجنونة..
....ألا ماأتعس هذا الليل . سؤال واحد كان يضنيها ..ترى هل سأفقد طفلي ؟ كان الهمس ينداح اليها وئيدا من الغرفة المجاورة . والنومُ يشكّل خطوطا من الارق المكتوم . أبحث عن شىء مهووس يبقي عقلي في مكانه . وأثاث الغرفة تتزاحم للانقضاض على ذكرى هازئة . لن أتحرّك.. كتبت عليّ لحظة الجمود المنفعل للابقاء على الحياة . هل يتسنى لي أن اسمي الاشياء باسمائها ؟ أن أحلم بالشمس المنكسرة تتغلغل الى عالم مملوء باليأس والافق المتفاقم..وحصارٌ قاتلٌ يدخل سنته الرابعة ...؟ قال الطبيب : لايوجد لدينا بنج ..نفعلها بدونه ...ياالهي ...دخل عليها فجاة وأودعها قبلة حب يحتضر . ومضت الى وحدتها المريبة والذكريات وصورٍ شتى , تثقل عليها .وتنبهت بعد اغفاءة مضنية على الوسادة المرتمية وهي غارقة بدمعٍ تصارع طويلا مع ساعات الليل الطويل . أماه ...أماه ..أختاه ....أيها الاحبة ..أنقذوني من شراسة الحدث .أنقذوني ..أرتجف ..لاشىء يمسك هذا الجسد من هجوم الالم الثائر . أريد لأنسى ...كلبٌ يعوي لشبح انسان يتخاطف سرا , نداءٌ أعمى .والليل وئيدا يمضي . يضحك في سرّه , وينثر في زوايا الغرفة خوفا أخر لايجدي ..أيها الاحبة ..شبحُ الموت يحاصر جسدا مرمى ..تهمله الذكرى ..شهورٌ ثلاثة من الحمل المتعب لكنها تشعر بسعادة لايضاهيها شىء .تمسّد بيدها الدافئة النبض العذب ..خيال جميل يشاور عينيها ..أنا مشلولة القدرة ..أنا الجانية ..خُنِق النبض الهامس بهوجاء مقيتة . الشمس تغطس باكرا ...آه ..اسرعي ايتها العجلات ..الالم يأكل دمي ..أغرق ..هل يعاد الزمن ثانية ..لهذا اليوم فقط ..آه ..لحظات ..زمن غائب يتكسّر في زوايا غرفة نتنة ..سرائر سكرى برائحة الاجساد المتناثرة .وضوءٌ خافتٌ مبهمٌ ...آه ..وجع مدمّر ..أصرخ ...أصرخ..سيلٌ هادرٌ من الدم الغضّ غسل المكان الموبوء ..ممرضّة شاحبة ..وامرأة غير عابئة . وعينان رماديتان تبحثان عن بقايا كنز زائف ..انتهى ...صمت ثقيل ..ها انهم ينبشون بقايا الدفء الممزّق في الاحشاء ..يبرد جسدي . يدٌ راجفةٌ تمسد جبهتي الغارقة . خفت الالم .خفت النبض . أمسك يدها بقوة .هيا ..والليل مازال طويلا ...وأنا وحدي ..أغرق في أنفاسي وصوت بكاء مرّ يتردّد في الممرّ البارد الموحش ..هل أحلم ..؟ أنظر خلفي .تسكن ريح ثكلى ..والظلمة تتعالى ...هلمّي ..ونجمٌ يسقط في أزبال شتى تتساقط حول سياج المكان الموبوء . وصوت غائم ينداح حزينا...( هل أغفو..؟) ....هيا ...وأمسك يدها برفق..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس