الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيوعيو الأمس فاشيو اليوم

عفيف رحمة
باحث

2014 / 4 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


"لماذا اعتمدت الأحزاب الشيوعية في سوريا مبدأ الدفاع عن نظام سياسي عجز حتى اليوم عن معالجة أزمة وطنية كان المساهم الأكبر في إنتاجها؟ هو واحد من الأسئلة الكثيرة، لا بل أهمها، التي طرحت وتطرح حول واقع الأحزاب الشيوعية في سوريا وموقفها من الصراع الطبقي، أحد أوجوه الأزمة الوطنية وأهم مقدماتها الموضوعية.
ثلاث سنوات من العنف والعنف المضاد، أكثر من 150 ألف قتيل وما يعادل ضعفهم من الجرحى والمتضررين جسدياً، وما يزيد على مئة ألف مفقود وعشرات الآلاف من المعتقلين، وأكثر من مليونين ونصف مواطن لاجيء في دول الجوار و ستة ملايين ونصف مواطن مهجر و نحو مليون متضرر، مع كلفة تتجاوز 200 مليار دولار أميركي حتى اليوم لإعادة الإعمار، وما زالت هذه الأحزاب تصفق لنظام استمد مشروعيته من القمع والإستبداد الذي أنتج بدوره بيئة اجتماعية حاضنة لكل أشكال العنف والإرهاب.
نظام لم يوفر فرصة خلال تاريخه إلا وأكد فيها انحرافه عن خط المصلحة الوطنية حيث تبنى في عقده الأخير سياسات إجتماعية وإقتصادية مصلحية لا اشتراكية جاءت نتائجها كارثية على المستوى الوطني؛... تراجع حاد في التنمية الوطنية (الإقتصادية والبشرية)، إرتفاع في معدل البطالة، تدهور القطاع الزراعي وتراجع مساهمته في تشكيل الثروة القومية، توظيف الإستثمار المصرفي لخدمة القطاع التجاري، تراجع كارثي في العملية التربوية والتعليمية، تنامي الأمية، إزدياد الفقر وتزايد الهوة الطبقية وازدياد شقاء وقهر أبناء الصفوف الدنيا من البنية الإجتماعية في سوريا...
مؤشرات كافية "للرفاق الشيوعيين"، الممسكين دائماً بعصا المبدئية والطبقية، ليعلنوا إنحيازهم ودعمهم لجموع السوريين الذين انتفضوا على نظام استبدادي، (بطريقة فوضوية حتماً! لكن ليس إلا لغياب القيادات الوطنية والطبقية الواعية)، لكنهم استسهلوا الوقوف مع النظام للتشكيك بطبقية الإنتفاضة وثورية السوريين وصدق مظلوميتهم.
شيوعيون احتكروا لأنفسهم صفة الشيوعية، ولكن! لا علاقة لهم بما نبه إليه فريدريك انجلز من "إن كل شيء، كان واقعياً فيما مضى، يصبح قي مجرى التطور غير واقع، ويفقد ضرورته وحقه في الوجود، وصفته المعقولة. ومحل الواقع المحتضر يحل واقع جديد صالح للحياة، يحل محله سلمياً، إذا كان القديم عاقلاً بحيث يتقبل مصيره دون مقاومة، وبالعنف إذا عارض القديم هذه الضرورة"، (نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية).
لكن القديم لا يريد أن يرحل سلمياً وقد اختار أن يقاوم قوانين المادية التاريخية ومعه اختار الشيوعيون أن يتجاهلوا هذه الحقيقة وأن يتناسوا النظرية التي لبسوا عباءتها قرناً من الزمن وان يقفوا مع ما اعتبرته المادية خارج الزمن.
في مؤتمر بيروت (2012) يؤكد ممثلو الحزب الشيوعي السوري بخجل على أهمية وقف العنف والسير في طريق الحل السياسي وبناء الدولة الديمقراطية المدنية، في اثينا 2013 يدينون التدخل السافر في الحقوق السيادية لسورية، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي و أعوانهم في المنطقة، في بروكسل 2013 يخرجون بتوصية إدانة الدور التركي التآمري على الشعب و"القيادة السورية"، في لشبونة 2013 يتناسوا قضية الشعب السوري كلياً ولا يتذكرون سوى إنتفاضة الشعب المصري والتونسي، في دمشق 2013 يقررون رفض المؤامرات التي تهدف إلى "إسقاط النهج السوري المناهض للمشاريع الامبريالية والصهيونية" !!!
لفهم أبعاد هذه الإنحرافات عن الخط الطبقي وتحالفهم المقدس مع نظام سياسي سقط موضوعياً، ربما من المفيد البحث في أسباب تغنيهم واستحسانهم لسياسات النظام الجديد في روسيا الإتحادية الذي يتصارع مع النظام في الولايات المتحدة الأميركية على اقتسام المصالح والنفوذ.
إن ما يمكن التثبت منه هو أن الشيوعيين في سوريا (حلفاء النظام) دخلوا في حالة تخلخل معرفي بعد تفكك الإتحاد السوفييتي حيث فقدوا مرجعيتهم الفكرية والسياسية التي كانت لعقود طويلة ترسم أولويات برامجهم ومعايير تحالفاتهم، تحالفات أحرجت خيرة كوادرهم الشريفة ووضعت مصداقيتهم الطبقية موضع الشك، ونظراً لحاجتهم الدائمة إلى حاضنة سياسية تعزز وجودهم، توافقوا على الإرتماء من جديد في حاضنتهم القديمة روسيا رغم التباين الكبير بين "فكرهم العقائدي" والمنهج الشوفيني الليبرالي الذي تتبعه القيادة الحالية لروسيا الإتحادية.
إن أغرب ما وصلت إليه الأحزاب الشيوعية في سوريا هو وضع النظام الليبرالي في روسيا الإتحادية في تضاد طبقي مع النظام الليبرالي في الولايات المتحدة الأميركية رغم ان مشروع حزب "روسيا الموحدة" أرتكز بسياساته على أهمية الإنفتاح على العالم الرأسمالي والتعاون مع الإقتصاديات الغربية، إنفتاح وتعاون كان منذ بدايات تطبيقه خروجاً وتغييراً جذرياً لما سمي سابقاً بالإقتصاد الإشتراكي.
تبعية روسية للغرب المتزاوجة مع إقتصاد ريعي مرتكز بشكل كبير على تصدير مواد الطاقة، أدخل الإقتصاد الروسي عام 2009 في حالة "عدم استقرار" على أعتاب الأزمة الاقتصادية التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية، حيث تراجع النمو الإقتصادي في روسيا إلى 1.9% وبلغ معدل التضخم 11.6% وارتفع معدل البطالة إلى 8.4%...، مما دفع فلاديمير بوتن لتبني مشروع تشكيل كتلة اقتصادية منافسة (البريك ثم البريكس) في اطار العلاقات والقوانين الرأسمالية، كان أحد خبراء المصارف الإستثمارية في الولايات المتحدة الأميركية وضع خطوطها الأولى عام 2001.
وبدل أن يعمل الشيوعيون و"أعداء الإمبريالية العالمية" على تأسيس منظومة إقتصاديات ديمقراطية في إطار تعاون عالمي عادل كرد على أحادية القطب، ولأن الشيوعيين اعتقدوا خطأ أن الهدف من مشروع فلاديمير بوتن تشكيل قطب إقتصادي وسياسي جديد مضاد ومعاد للإمبريالية، إغتبطوا وهللوا لما اسموه إعاد إحياء الثنائية القطبية، دون أن يتنبهوا إلى أن هذه الثنائية ليست إلا عودة إلى الحرب الباردة التي قدمت في الماضي للغرب والرأسمالية أكثر مما قدمت للشرق والإشتراكية.
اللبس في مواقف الشيوعيين في سوريا نشهده أيضاً عند الاحزاب الشيوعية العربية وعدد غير قليل من الأحزاب الشيوعية في العالم، ويكفي قراءة بيانات مؤتمراتها الدولية والإقليمية حتى نكتشف الإنحدار الذي وصلت إليه هذه الاحزاب على مستوى مخزونها المعرفي وأدائها السياسي، أنحدار يكشف بدوره مدى تأخرها التاريخي وتخلف أدواتها النقدية في تقييم رأسمالية ما بعد الحرب العالمية الثانية وقوانين عولمة رأس المال التي أعادت للراسمالية زخمها، فهم حتى اليوم يفكرون كما لو أنهم في حقبة الأممية الثالثة !
هذا التخلخل المعرفي والسياسي في وعي النخب الشيوعية يمكن أن يفسر معضلة أستمرار الشيوعيون (الرسميون) في الدفاع عن نظام سقط موضوعياً، كما يمكن أن يفسر سبب دفاعهم عن السياسات الشوفينية الموتورة التي أظهرها قيصر روسا الإتحادية فلاديمير بوتن في تعامله مع المسألة الأوكرانية التي لا يمكن أن تدرج إلا في إطار حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي وشكل قيادتها السياسية، بعيداً عن الهيمنة الروسية في إطار القواعد الدستورية وضمن نطاق الديموقراطية والحرية السياسية.
هي قضية قديمة تعرض لها لينين في مقالته حق الأمم في تقرير مصيرها (1914): {لنأخذ اوكرانيا مثلا: فهل كتب لها ان تنشيء دولة مستقلة؟ أن ذلك يتعلق بالف عامل غير معروف مسبقاً ودون أن نحاول التخمين عبثا نتمسك بثبات بأمر لا ريب فيه هو حق اوكرانيا في انشاء دولة قومية. إننا نحترم هذا الحق ولا نؤيد امتيازات الروس على الاوكرانيين ونثقف الجماهير بروح الاعتراف بهذا الحق وبروح انكار الامتيازات لأية أمة كانت في الدولة}.
روسيا، بقيادة فلاديمير بوتن وحزبه الليبرالي المصنف كحزب من أحزاب يمين الوسط، تحولت فيها أممية العمال والكادحين إلى شوفينية روسية، ودكتاتورية الطبقة العاملة إلى ليبرالية قومية، وما زال الشيوعيون في أحزابهم العربية يتوهمون بشيوعية روسيا وينظرون لفلاديمير بوتن وكأنه وريث لينين ولحزب روسيا الموحدة كامتداد للحزب الشيوعي السوفييتي، ولا عجب في هذه الحالة أن نراهم في مؤتمراتهم الدولية والإقليمية يتنكرون لحقوق شعوبهم بالحرية والكرامة ويروجون صفة المقاومة والممانعة للسلطة الإستبدادية التي تحكم سوريا.
لقد أظهرت السنوات الثلاث للأزمة الوطنية في سوريا فراغ الساحة السياسية من الفكر السياسي الثوري ومن القيادات الوطنية والطبقية الواعية والصادقة المؤهلة لقيادة مسارات التغيير نحو مجتمع ديمقراطي قادر على تحقيق العدالة والحرية والكرامة للإنسان السوري، المنطلقات الأساسية للإنتفاضة في سوريا؛ فراغ يضع موضع الشك سلسلة من الفرضيات التي تعاملت الاحزاب الشيوعية واليسارية معها كمسلمات موضوعية منها الوفاء الطبقي والمصداقية الثورية لمن بقي فيها من قيادات.
وأمام إنحياز هذه الأحزاب لنظام وضعت الأحداث مصداقيته الوطنية موضع طعن، يصبح التشكيك بالمصداقية الطبقية والعقائدية لهذه الأحزاب أمراً مشروعاً ويضع في مقدمة لائحة الإتهام قضية استعداد هذه الجماعات للدوس على تاريخ الحركة الشيوعية في سوريا وإلتحاقهم القريب بقافلة الشوفينيين والقوميين الليبراليين مصدر إلهامهم الجديد؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد موافقة حماس على -مقترح الهدنة-؟| المسائية


.. دبابات الجيش الإسرائيلي تحتشد على حدود رفح بانتظار أمر اقتحا




.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة


.. -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر! • فر




.. استعدادات أمنية مشددة في مرسيليا -برا وجوا وبحرا- لاستقبال ا