الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سمير قصير ودموع اميرالاي

سمر يزبك

2005 / 7 / 15
الصحافة والاعلام


إذا حدث ونبتت لنا أجنحة بين الضلوع، وزعانف على خصورنا، قد لا نصدق، حقيقة عيشنا فوق الأرض، وإذا حدث وطارت بنا الأجنحة وسبحت الزعانف الى محيطات من بهار، فلنا أن نصبر على بخل الغرباء الذين يمرون يومياً، دون التفكير ولو لمرة واحدة بمسح الدماء اليابسة عن وجوهنا.
تلك الأجنحة التي نبتت، وأنا أشاهد وعلى فترات متباعدة، منذ أن بثت شاشات التلفزة صوراً عن اغتيال الصحافي سمير قصير، صوراً تجذبنا الى الموت حيث تتسابق أرواحنا لفضول القتل والدماء. ليس البكاء وحده الذي يحرق جلودنا، ولا صوت الغناء الأخير لأرض تبتلع ترابها وأحلامها. كانت الصورة التلفزيونية، حبر العالم الجديد، التي علمتنا انتظار ملايين القتلة والمقتولين.
المشهد الأكثر وجعاً ذاك الذي قُدّم على شاشة العربية عندما أطل صديق سمير قصير، السينمائي السوري المتميز عمر أميرالاي بصوته المتهدج الصارخ، وهو يبوح بشهادته فوق مربع الشاشة، رقص بعينيه، احتفالاً لوداع أخير يليق بصديق. لم يُطنب في الحديث كما فعل الكثيرون غيره، عندما تحدثوا عن الموت، والخسارة ومرثيات الفناء والشهادة، انهمر على غير عادته بالحديث متهدجا، ولم أصدق أنه هو نفسه، فعندما كنت أراه في مقهى الروضة الذي سُيذكر دائما كملتقى للمثقفين في دمشق كنت أفكر قبل إلقاء التحية عليه، بأمر واحد. كيف سأترك السلام الداخلي الذي يرفل به هذا الرجل على حاله بعيداً عن الضجيج؟ لم أصدق أنه قادر على الثورة كعاصفة ستقتلع عين الكاميرا. لم يبك في بداية البرنامج، فاض بحديث الأسى والشجن، ووقفت عيناه فجأة في مواجهة الكاميرا. ثم بكى، وتوقف عن الكلام، رغم أن الكلام غواية للبقاء.
بكى وفي كل ما قيل، وما كُتب عن اغتيال سمير قصير، لم أشاهد، صورة أشد تأثيراً، من دموع أميرالاي التي قالت لنا: كم أنتم حزانى.
كم سنتحول يوما بعد يوم الى يتامى
وكم نفقد من مقومات وجودنا ونهضتنا
بكى أمام كاميرا التلفزيون، ولم يرف له جفن، دونما الخجل من دموع عينيه، ظل يحدق في العدسة الزجاجية وهو يفتحهما على اتساعهما.
الذين يبكون وخاصة الرجال، يخفون دموعهم في جيوب قلوبهم، لأن الرجال لا يبكون، كما علمتهم أمهاتهم في هذا الشرق، لكنه بكى بتحد، كانت دموعه تخرج من الشاشة، كما يخرج ملايين القتلة منها، ويملأون حياتنا، يعيشون بيننا، ويتنفسون الهواء الذي نهرب من فساده.
يسبح المقتولون في أرواحنا، ويتحررون من أكفانهم ليجترحوا قلوبنا. ونحن نبحث من شاشة الى أخرى عن خبر جديد عنهم، ونحادثهم مع قهوة الصباح، ونبيذ آخر الليل، يتنزهون في شرفاتنا، ولا يتوقفون أبداً عن مناداتنا ليل نهار، بعد أن حررتهم الصورة من النسيان.
ونحن ننتظر كمتوحشين، مزيداً من صور القتل والدم، والرجال الذين يقفون أمام الضوء دون خجل من إطلاق دموعهم إلى القتلة المرتاحين وراء كراسيهم، دموعهم المتحولة إلى شهادة وفاة، تحرر الشاشة من خرافة واقعها، فنصدق أن ذلك الشاب المتجدد، المحب للحياة والحرية والامل بغد لن يأتي، لأن صاحب البوط العسكري ما يزال يجيد مسح بوطه برقاب البشر، سنصدق حقيقةً، بعد الدموع العصية أن صورته الدامية التي تحررت من الاطار المعدني كروح معذبة في جحيم دانتي، وهو متكئ على مقود سيارته في جلوس أخير، أنه ربما يفعل نفس الشيء ويجلس معنا، ونحن نتابع دماء جديدة تسبح في الفضاء، ويبتسم لنا قائلاً: أنا هنا، وربما يمد يده، مطالباً بفنجان قهوة.
كيف نتذوق طعم القهوة مع كل هذه الدماء النازفة يومياً؟
الصورة نفسها: دموع أميرالاي الماشية بكبرياء فوق الأرصفة، وتحت الشمس، ثم الاتكاء الأخير والحنون لجبهة نائمة على مقود سيارة. حين يحنُّ الحديد على الدّم.
بلاغة الحزن..
البلاغة التي تنبت أجنحة ..
هنا، في مكان من ضغينة وكراهية، حيث لا تنبت الأجنحة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام