الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق ميريتوقراطية مشوّهة

سليم سوزه

2014 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


بقرتان اثنتان تزنان اكثر من أيًّ منا، ربما اكثر من عشرة منا. هكذا يرى بعضهم الديمقراطية. يصفونها بأنها ممارسة شعبوية لانها تعني حكم الشعب (Demos) بعموم طبقاته وثقافاته ومستوياته لا فقط بكفاءاته. لذا فهي ممارسة بارعة في صنع الغوغاء والفشل طالما تغلب الكثرة الكفاءة فيها حسب ما يراها هؤلاء. صار حلم هؤلاء تشذيب الديمقراطية وحصرها بيد الكفاءة والمهارة فقط. وهو ما يسمّونه "الميريتوقراطية" وتعني حكم الاجدر والاكفأ (Merit). هذا تجلّي سياسي لدارونية بايولوجية.

تفخر الولايات المتحدة الامريكية بانها صاحبة باع طويل في الميريتوقراطية وإن ديمقراطيتها الصارمة قد استطاعت الحد من وصول غير الكفوء الى هرم المسؤوليات، رغم انها لا تمنع احداً من التصويت. على قدر هشاشة هذا الطرح اذ لا يمكن لنا معرفة الكفوء من الاكفأ طالما الحزبان الكبيران (الجمهوري والديمقراطي) هم مَن يقرران ذلك، لكنه يحمل قدراً مهماً من الصدق. الولايات المتحدة الامريكية تمارس الديمقراطية وفق نظام المثلث الاعتيادي. القاعدة ديمقراطية مفتوحة على الجميع دون استثناء، بينما القمة ميريتوقراطية مغلقة على نخبة الكفاءات فقط. اي انها تحكم تلك الممارسة "الشعبوية" من اعلاها لا من اسفلها. تقوم احزابها بعملية انتخاب وغربلة ديمقراطية داخلية لكفاءاتها قبل ترشيحها، ثم يأتي اختيار الناس لهم بعدها. فهي تقترب من "الشورى" الاسلامي حيث المؤهلون (اهل الحل والعقد) وحدهم فقط مَن يحق لهم القرار واختيار مَن سيتصدى للحكم، لكنها تفترق عنه من انها تعرض خيارها على الناس بعد ذلك ويكون القرار لهم بالنهاية. ليس مثل الشورى التي لا تؤمن بخيار الناس. لذا فالتجربة الامريكية تضمن بأن اختيار الناس، مهما يكن شعبوياً ام عشوائياً، سيقع بالنهاية على احدى تلك الكفاءات. ممارسة نخبوية بحتة تتحايل او تلتف على الديمقراطية بمعناها "الشعبوي" من خلال ترشيح الاكفأ للاكفأ (الحزب) ثم تدعيم ذلك الاكفأ باصوات "الرعاع" حسب الوصف الميريتوقراطي طبعاً. هذه هي الميريتوقراطية الامريكية.

في العراق، استطاعت الديمقراطية "الشعبوية" خلق طبقة سياسية من نوع آخر. طبقة تشبه في ظاهرها نخبة الميريتوقراط لكن جوهرها ارستقراطي بحت، او بمعنى ادق، انها جمعت الاثنين، الميريتوقراطية والارستقراطية معاً. فهم ميريتوقراطيون، يؤمنون ظاهراً بضرورة وصول الاكفأ للسلطة، الاّ ان الاكفأ عندهم قرابة ونسب ورحم وصداقات. يحصروها بعشائرية ووجاهات اجتماعية لما لها حظوة في جمع اصوات البسطاء. ومع قوة المال والسلطة والاعلام التي يمتلكونها، يجد "الاكفأ" عندهم مساحته وقوته. فالكفاءة عند ميريتوقراطيينا تعني الاجدر مالياً والاكثر شعبية وليس الاكفأ بفكره وخبراته. المال يصنع سلطة والسلطة قادرة على انتاج المال مجدداً، اما الاعلام فهو قادر على تسويق الاثنين وتسويق القريب والفاشل بأنه "اكفأ".
علاقة غير شريفة تؤسس لمفهوم مغاير لما تُعرف به الميريتوقراطية الحقيقية.

المفروض انها ميريتوقراطية لكنها انزلقت نحو ارستقراطية مقيتة. تلك التي تعني حكم الافضل (Aristos). التعبير الفضفاض الذي يعني في قرارة نفسه حكم النسب والعائلة وابناء الطبقة الحاكمة دائماً. هي لا ترى اي "افضل" خارج منظومتها ودمائها. تعتقد بأحقيتها في احتكار السلطة، فهي القادرة على انتاج النخب والكفاءات دوماً. يمكن لانها تملك السلطة والمال والاعلام في بلدانها ولا تسمح لابناء الطبقات الاخرى مزاحمتها في هذا.

هكذا هو الحال مع سياسيينا. ميريتوقراطيون حيث الكفاءة تعني "المال" وارستقراطيون حيث الافضلية تعني "العشيرة". بهاتين الميزتين فقط يصل السياسي الى سدة الحكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية