الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية - وجع جنوبي- قراءة في العتبات والنصوص الموازية

بوزيد مولود الغلى

2014 / 4 / 19
الادب والفن


بوح الذاكرة – وجع جنوبي
قراءة في العتبات والنصوص الموازية
لا أتردد في القول ، إن رواية " وجع جنوبي" للأديبة المقتدرة البتول محجوب تعد في تقديري أينع أزهار ربيع السرديات في الصحراء ، إن جاز وسم هذه الهبّة نحو الكتابة الروائية ربيعا أينعت ثماره و تفتقت تيجانه ، وليس سرا أن المنجز الأدبي بالمغرب في المجمل قد طفر من النقد الى الكتابة السردية ، فطفت على سطح المشهد الأدبي روايات لنقاد مردوا على دراسة المنجز السردي لا على صوغ الرواية وخوض غمار تأليفها .
إن الكتابة عن الجرح الغائر الذي انوشم في ذاكرة أهل الصحراء الذين ذاقوا مرارة الاختطاف القسري و برودة الهروب إلى المنافي و ألم تمزيق شلو الأسر/لخيام و " إكرام" الخيام / طيها، قد دشنها الأستاذ الجليل ماء العينين ماء العينين الذي قدر له الاكتواء بسماع تلك الآهات و استرجاع تلك الأنات ذات جلسة أو جلسات للاستماع ، فنقل للتاريخ والذاكرة قصصا مبكية و شهادات ومحكيات في نصه الجدير بالقراءة " أنشودة الصحراء الدامية " - ، بيد أن الأوجاع التي ضجت بها تلك الشهادات المباشرة قد حَملت ضعفها هذه الرواية الجميلة " وجع جنوبي " التي وحدت و صهرت و لخصت كل تلك الأوجاع في وجع كبير تزداد حرارته و قساوته كلما توغل الجلاد جنوبا ، فاغتال هذا تحت السياط و خطف بسمة تلك التي حرمها دفء الأب فصرخت حتى كادت أن تنقطع من قلبها النياط : " أريد أبي حيا " ، وتلك عبارة إباء تطفح منها " مرجعية المولد " بتعبير الدكتور عبد الفتاح كيليطو ، فالأرضية والخلفية العربية تنجلي آثارها في النص الذي قد يجد فيه كثير من العرب شظايا عذاباتهم وبقايا تحدياتهم لكل قاتلات المروءة و مبيدات الإنسانية ، أليس النص الماتع وليد تجربة تتوئمها تجارب أخر مبثوثة في روايات أدب السجون و القصص المؤلمة التي تثقل بكلكلها الثقيل ذاكرة المكتوي بأوارها ، فاذا به يصرخ ناصحا " غريب الديار والهوى " أحمد - وقد ايقظت فيه الأندلس مواجع فقْدها و مواجيد الأنس بحلم تترائ فيه – والقلوب تتراءى- امرأة يشتم منها " رائحة القرنفل والعنبر وعبق عطر الصحراء " - ، " لا تعد الى تلك الأوطان العربية ، إنسَ دفء الأماكن هناك ....متعب أنا من ذكرى كل وطن عربي ، عزيزي أحمد ...لا تعد الى هناك ، لا شيء غير سين وجيم ... " .
قد تكون الأوطان التي لا يذكرها "علي" بغير ذكرى " سين ، جيم، ..." طاردة ، أو ضيقة ضيق صدور أهلها
لعمرك ما ضاقت أرض بأهلها /// ولكن صدور الرجال تضيق
أجل ، تضيق صدور الرجال كما ضاقت ارض الوطن بأحمد الذي قال : " فضلت التسكع على أرصفة المنافي الباردة هنا ، وارتياد أماكن التاريخ بأندلس فقدناها لحظة لهوٍ ، وبقينا نحوم حولها حسرة وغصة في الحلق " ، عندما لا يستطيع نسيان " غرف التحقيق الباردة ...وذاك المحقق الكريه الألفاظ بنظراته الحاقدة ....وكلماته النابية ...يا ابن الع....يسب المرأة التي حملتني وهنا على وهن ..." ، ألفاظ شتيمة وسباب يذكرك بما سماه مالارميه " كلمات القبيلة " التي تشي بهوية صاحب الكلمات كما بين كيليطو حيث قال :" لا يمكن خلط كتابة مغربي يكتب بالعربية بكتابة مصري من القاهرة مهما فعل ، ...لنقرأ مثلا رواية عبد الحي الموذن " خطبة الوداع " ، الحوارات والسرد بالفصحى ، لكن ، فجأة تقول أم لابنها " دابا يفرج ربي" ، ونقرأ في مكان آخر ...بهدلتني دين امك ...مع ذكر الأم تنبثق في الوقت ذاته لغة المولد" .
قد نشمئز من عنف هذه اللغة المناسبة في النص لقساوة السجان ، وقد تذكرنا بلغة المعلم القاسي في قصة يرويها الجاحظ بحسه النقدي اللاذع ، حيث يجيب المعلم المسؤول عما يواجه به شغب الصبيان " انما يكفيني أن اقول له : يا ابن ال...." . نكتفي بالقول مع بول ريكور ان كل عنف هو اعتداء على إنسانية الآخر " ، ثم نعود مع " مريم الى مدينة صحراوية الهوى لحضور أمسية هناك ، فلدفء احضان "الطنطان " ألق اللقاء ، لتلك المدينة الفاتنة ، الشامخة النظرات تشد الرحال " ، ولأن الطنطان مدينة تنزلت من النص منزلة غرة الحصان الجموح الطموح المطوّح بالطغيان الملوح بأجمل وأجود ما قد يجود به بيان الهيمان الولهان حبا ، سنبدأ مناوشة عتبات الرواية من أوسطها أو واسطة عقدها: الإهداء .
الإهداء :
الإهداء والهدية من اصل واحد يدل على العطاء دون عوض يؤخذ ، وأن تعطي غيرك أقل مما عندك ، فهذا عطاء ، وأن تعطيه مثل ما عندك ، فهذا سخاء ، أما أن تعطيه أكثر مما عندك ، فهذا شهد الوفاء ، و قد أهدت الكاتبة البتول أجمل ما جادت به قريحتها للطنطان التي وصفتها ب "مدينة مسكونة بالوفاء " ...الطنطان المحتفى بها في الاهداء أنثى دافئة القسمات تسكن الكاتبة وتسكنها ، تتقاسمان الوجع والحب والفرح ، أي تتقاسمان كل المشاعر قروحا و أفراحا ، إنها لغة الوجدان ، لغة صوفية عميقة تشي بنوع من الحلول والاتحاد الرمزي ، فالوجع الذي تئن من وطأته الكاتبة يوازيه أو يضاهيه وجع الطنطان التي غادرها أخوها " حسن المحجوب ، ذات فجر ضبابي ، وتوارى في الغياب" .
إن الإهداء للطنطان إهداء للذي "رحل قبل ان تتكحل عيناه بقراءة كتاباتها " ، لقد رحل مكرها دون أن يختار ، ولذلك ، بقي عبق ذكراه منثورا في ذاكرة المكان الذي حلّ محله في الوجدان ، فأصبح تربه معطرا بذكراه ، ولأن المكان لا يد له في الفاجعة ، لم يرتسم في الذاكرة مكانا يثير الرعب و الخوف والتبرم من سيرته كما هو الحال بالنسبة لأمكنة أخرى في الرواية موصومة بالعار و التوحش وكل معاني القتامة والسوء كقلعة مكونة و اكدز ....
العنوان :
يتألف عنوان الرواية المكتوب بلون أبيض خفيف يؤمن راحة بصرية من شقين يعلو أحدهما الآخر بشكل يوحي بأن الأعلى عنوان رئيس والآخر فرعي ، بيد أن الصفحة الأولى من الرواية والتي تليها أكدتا خلاف ما يتبادر الى الذهن ، إذ أن العنوان هو : " وجع جنوبي " ، الأمر الذي يسمح بالتأويل ، فإما أن الناشر تصرف في العنوان المركب ، فاحتفظ بالأقوى وقعا وتأثيرا ودلالة لارتباطه بالوجع و الجنوب ، وإما أن ورود الذاكرة مضافة الى البوح أريد به الإثارة و التنبيه الى أن مصدر الوجع الجنوبي أو مثيره ومهيجه ، هو بوح الذاكرة .

إن لكل كلمة في هذا العنوان معنى ، ولو انتهت المعاني لكان الكلام تكرارا كما قال علي كرم الله وجهه ،" و" الكلمة قد تعني أحيانا كل العمل الأدبي ، فهي أداته الفنية ، كما أن النغمات أداة الموسيقا " ، وقد وجدت من المفيد الإشارة إلى معنى لطيف ينطوي عليه " بوح الذاكرة " ، فهذا المركب الإضافي مكون من مذكر ومؤنث ، و كما أن الدواة و مدادها الداكن لا يشع إلا بصرير الأقلام على الورق ، فان "الوجع " الذي ملأ أقطار الذاكرة لم يسطع إلا بالبوح ، واللغة مستودع أسرار ، فالبوح والبواح مشتق من الإباحة و الاستباحة بمعنى الجواز ، وهو نقيض الحرام والحرمة ، فكأن الذاكرة قد تخلصت من الكوابح ومن أسيجة الممنوع فباحت بما تحمله من كلام ممنوع ...
و قد يكون في ورود كلمة "وجع" نكرة إيماء الى قوته وشموله أوغلبته ، على النحو الذي استفاده أهل البلاغة من القول المأثور : ما غلب العسر يسرين ....، أما الجنوب ، فأوسعُ في الدلالة من الصحراء في هذا المقام ، إذ لو صيغ العنوان على النحو الآتي : وجع صحراوي ...لكان في الدلالة ألصق بمعنى يفسره كل حسب منزعه ، لكنه في النهاية اضيق من الجنوب ، الذي يتسع ليلامس فقر الجنوب مقارنة مع الشمال ، و يقترب في الصورة الإعلامية من مآسي و كفاح جنوب لبنان ، وما العيب في توسيع المعنى كي ينساح نحو المشرق ،وقد تعرفنا على هذه الرواية عن طريق المشرق / الناشر أردني ، وكأننا نمضغ بأسى مأساة أدبائنا الذين لا نتعرف عليهم أولا نعترف لهم بما هم أهله إلا إذا جاؤوا من بوابة البعيد ، لقد قال عبد الفتاح كيليطو كلاما نفيسا في هذا المقام :" ...(ان) الصدى الايجابي الذي خلفه كتاب العروي (الايديولوجيا العربية المعاصرة عند مثقفين فرنسيين مشهورين ،هو ما يفسر الاهتمام الكبير الذي أثاره في الشرق . أن تمر عبر البعيد لتعرف القريب وتعترف به " .
الاقتباس :
يطالعك قبل التقديم نص فياض بالدلالة ذو ارتباط وثيق بما أثرناه في العنوان عن الذاكرة ، هذا النص الذي اتخذته الروائية عتبة هامة من عتبات النص مقتبس من " طوق الياسمين " للروائي واسيني الاعرج . يقول : " الذاكرة مثل العاصفة او الجنون ،عندما تستيقظ لا أحد يستطيع إيقافها " ، ما لا أحد يزعم نهاية لهذه الرواية التي ختمت بكلمتين : احلم ..أحلم ....، و " قلّ على الأيام أن يصدق الحلم " و لكن ، لولا الأحلام/ الآمال لهلك الأنام ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??