الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكالية الهوية قراءة في رواية فرانكشتين في بغداد للكاتب أحمد سعداوي

غياث منهل هادي

2014 / 4 / 19
الادب والفن


اشكالية الهوية
قراءة في رواية فرانكشتين في بغداد للكاتب
أحمد سعداوي
غياث منهل هادي 16/4/2014

بدءآ, لا تحاول هذه القراءة السريعة تقديم دراسة متكاملة للرواية. ولا تدعي تقييما لها بقدر ما تحاول تسليط الضوء على ثيمة محددة ومحورية –حسب رأيي- في بنية الرواية، الا وهي موضوعة الهوية الوطنية.
يشكل سؤال الهوية الوطنية العراقية سؤالا مفصليا للإنسان العراقي في مرحلته التاريخية الراهنة، هذه الهوية التي شهدت العديد من الهزات والانتكاسات المتمثلة بالحروب والهجرات المتعاقبة والصراعات الداخلية وصولا الى سقوط النظام السابق واحتدام الصراعات الطائفية والتهجير...الخ. من هنا كان هذا السؤال محوريا في الجدل الثقافي والأدبي العراقي في مرحلة ما بعد 2003. وكان للرواية القدح المعلى في هذا الجدل المستمر.
تكمن اهمية المعالجة الروائية لموضوعة الهوية في كونها-اي الرواية- تقدم مقاربة بديلة لإشكالية تكوين هوية وطنية عراقية بعد فشل المقاربات الاخرى كما يرى البعض. (1) فبعد ان فشلت السياسة والاقتصاد في بناء الامة او الهوية العراقية تأتي الرواية بمحاولة خلق وعي مشترك تنطلق منه مسيرة تشكيل الهوية الوطنية. ومن اخر الاعمال التي وضعت هذا السؤال تحت مشرط المعالجة الروائية ,هي رواية فرانكشتين في بغداد للكاتب احمد سعداوي.(2)
تقدم الرواية سؤال الهوية ضمن حبكة روائية بوليسية متناصة مع رواية فرانكشتين لماري شيلي والفلم السينمائي الماخوذ منها. تنطلق من هذا التناص المعلن لترسم خصوصية المشهد العراقي بواقعية سحرية شيقة. تنطلق الرواية من منطقة الوثائقية التي ميزت العديد من الروايات العراقية المعاصرة (3). فالمؤلف هو شخصية في الرواية تقوم بتتبع خيوط القصة المركزية و تلمس ملامح تكون وتطور شخصية البطل. بطل الرواية هو كائن غرائبي هجين يحمل اسما ينم عن فقدان او التباس الهوية: (الشسمة), و"الشسمة" كلمة عراقية دارجة تنم عن التباس الشخص او الشيء المسمى وغموضه واحيانا عدم الرغبة في نطق اسمه وتحديد هويته. هذا الغموض والعجائبية في تكوين ورسم معالم هذه الشخصية تتضح مع تنامي معرفة القارئ به. انه شخص/شيء هجين - كما هي الهوية التي يرمز اليها. يخلقه هادي العتاك بائع الخردوات والمواد المستعمله عبر تجميع الاشلاء المتناثرة من بقايا انفجارات بغداد الكثيرة. يجمع هادي العتاك بقايا الجثث ويخيطها مع بعضها بصورة فجة. يتغير وجه ال"شسمه" وشكله باستمرار مع تغير واستبدال الاشلاء والقطع المكونه لجسده الهجين. (4)
هذه المكونات تتساقط بمرور الوقت وبتساقط المجرمين الذين تسببوا في مقتل اجسادها الاصلية على يد ال"شسمة". هذا البطل الاسطوري الخارق كائن غريب. جسده مضاد للرصاص وموته مستحيل الا بالقضاء على جميع القتله. وهو روح تتلاقى فيها مئات الارواح التي ازهقت في شوارع بغداد في سنوات الارهاب والعنف التي توثقها الرواية. تتضخم اسطورة ال"شسمة" وتكبر بحجم الكوارث التي تعصف بالعراق. يقول احمد سعداوي على لسان بطله:
"انا ولاني مكون من جذاذات بشرية تعود الى مكونات وأعراق وقبائل واجناس وخلفيات اجتماعية متباينه، امثل هذه الخلطة المستحيلة التي لم تتحقق سابقا. انا المواطن العراقي الاول، هكذا يرى".(5)
هذا الخليط العجيب من الارواح والاجساد التي تنتمي الى مختلف الاطياف المكونة للمجتمع العراقي يشير الى طبيعة الهوية التي يمثلها ال(شسمه).فهو اذ لا يحمل هوية محددة بذاته يمثل الهوية الجمعية للعراقيين الضحايا. هو الانا العراقية الممزقة والتي يعاد تجميعها بعد كل هزة سياسية تمثلها انفجارات بغداد. الانا التي تنتقم من القتله وتنصف المضطهدين.
الى جانب الشخصية المحورية فان المكان في الرواية يلعب دورا مهما في طرح فكرة تراكبية وهجنة الهوية. (6) تنطلق احداث الرواية في مكان بلا هوية محددة وفي زمان صراع الهويات وتداخلها. فالمكان الرئيسي الذي تدور حوله معظم احداث الرواية هو حي البتاويين في قلب العاصمة العراقية بغداد بكل ما يمثله هذا الحي من خليط سكاني له انتماءات قومية ومذهبية متنوعة. فهناك المسيحي والشيعي والسني وهناك التوجهات والميول المتنوعة كالعروبي والاسلامي واليساري وغيرهم.
برمزية واضحة يطرح في الرواية (7) صراع جانبي بين ابي انمار، صاحب فندق ((العروبة)) وبين فرج الدلال صاحب محل دلالية ((الرسول الاعظم)) المقابل من اجل ترميم الفندق والشراكة فيه واعادة تسميته الى فندق((الرسول الاعظم)). من الواضح ان الصراع هنا هو صراع تكوين الهوية الجديدة في العراق. فالاسم الاول يشير بوضوح الى البعد القومي، والاخر الى البعد الاسلامي من تلكم الهوية. يتمكن فرج الدلال من رفع رقعة ((فندق العروبة)) بعد مغادرة ابي انمار-الذي افلس وترك بغداد نهائيا- بعشر دقائق:
"رمى الرقعة على الارض وداس عليها، ثم صاح على احد صبيته لكي يأخذها الى الخطاط فيمحو "العروبة" ويكتب رقعة جديدة باسم ((فندق الرسول الاعظم)). كان واثقا انه سينجح فيما فشل فيه ابو انمار". (8)
وقريبا من نهاية الرواية يؤكد الكاتب فشل ابي انمار في مبتغاه وتلاشي الهويتين وضياع المكان الحلم:
" لم يعد الفندق، منذ ان نزع فرج الدلال، رقعته التعريفية يحمل اسما محددا. لم يعد "فندق العروبة" ولم يصبح ((فندق الرسول الاعظم)) كما كان يخطط له فرج الدلال بسبب حالة التشاؤم التي تسيطر عليه." (9)
بعد التفجير الذي هز المنطقة بأسرها و دمر ركنا من اركان المبنى لم يعد الاخير صالحا للسكن. رفض فرج الدلال المجازفة باي مبلغ لاصلاح او استثمار ما تبقى من هذه البناية الخربة "المشؤومة". وهكذا اصبح الفندق المهجور مأوى للقطط و الأزبال ولم يعد يرتاده احد باستثناء شبح ال"شسمه" الذي كان يشاهد في ارجاء المكان بين الحين والآخر. الرمزية التي يحملها المبنى وعلاقة ال(شسمة) به تحيلان الى معنى انسلاخ الهوية وضياعها. فالمكان بقي بلا هوية ولم يرغب مالكه بإصلاحه والاهتمام به ليصبح المأوى للشخصية الشبحية التي لاهوية محددة لها.
يتداخل البعد المكاني في الرواية مع البعد الزمني الذي تمثله ذاكرة المكان. فالزمن يدل على مستويات متعددة لتكوين هوية المكان. فالمكان الذي يستخدمه هادي العتاك لتجميع جسد الشسمة هو "الخرابة اليهودية". الهوية المركبة للمكان تحيل الى التكوين التراكمي للهوية العراقية. فهي هوية مركبة من مكونات ومراحل تاريخية متتالية. هذه المكونات تركت بصماتها على المكان الذي يعج بالرموز التي تشير اليها، ومن ذلك الاشارة (10) الى الورقة المعلقة على الجدار والتي تحتوي على اية الكرسي. بعد ان يخلعها ال (شسمه)، لكونها متهرئة بسبب القدم ومطوية بحيث تشوه المكان. يجد اسفلها ايقونة جبسية لمريم العذراء، في اشارة الى المكون المسيحي الذي يشكل جزءا من النسيج الاجتماعي والتاريخي العراقي. هذه الايقونة يحطمها رجال الشرطة اثناء تحقيقهم مع هادي العتاك، في اشارة ضمنية الى تهجير المكون المسيحي والضغوط التي يعاني منها. ليكتشف الاخير في اليوم التالي، بعد ان ازال بقاياها شمعدانا يهوديا أسفلها وهنا يعاد تذكير القارئ بهوية المكان الذي كان يسمى ب ((الخرابة اليهودية)) في احالة اخرى الى المكون اليهودي في الذاكرة والهوية العراقية. و في اشارة مشابهة(11) يخلف انفجار سيارة مفخخة في وسط الحي حفرة عميقة. تكشف هذه الحفرة جزءا من السور التاريخي لبغداد العباسية. تكتفي الجهات المعنية بردم الهوة وتصرح بانها تحتفظ للاجيال القادمة بإرثها الحضاري. هذه الطبقات الثلاث التي ترمز بالتتالي الى اليهودية فالمسيحية فالإسلام، تدل بوضوح على الطبقات المكونة والمراحل المؤثرة في تكوين الهوية الوطنية العراقية في جانبها التاريخي. الايقونات الثلاث تعد معادلات موضوعية لفكرة هجنة الهوية الوطنية وتركيبيتها.
بالإضافة لما تقدم، يعرض الكاتب لتغير، وهشاشة وزيف مفهوم الهوية عبر الانتماء العائلي والبطاقة الشخصية. فالجذور العائلية قد تكون عائقا امام الانتماء للمكان. الصحفي محمود (السوادي) ذو الاصول المشكوك فيها من غير العرب وغير المسلمين تحاول عائلته الحاقه بلقب عشائري محلي (من العمارة) ولكنه يرفض ذلك اللقب الزائف ويهرب الى بغداد باحثا عن الحرية. ان تعلقه بلقب السوادي الذي منحه اياه والده هو محاولة لتأصيل انتماء حقيقي ورفض اخر زائف. البطاقة الشخصية من جانب اخر هي المعبر عن كيفية تحول الهوية من انتماء حقيقي الى شكلية ورقية متغيرة، زائفة وخالية من المعنى . يشير "المؤلف" الى استخدامه البطاقات الشخصية المزورة لتسهيل حركته داخل بغداد ولتجاوز السيطرات التي كانت تفرضها ميليشيات طائفية .(12) و يختم مشهده الاخير من الفصل الثامن عشر:
"جمعت اغراضي على عجل وتحاسبت مع صاحب الفندق ثم غادرت هاربا الى بيتي. وخلال الطريق بسيارة التكسي تذكرت هويتي المزيفة. اخرجتها من جيبي ورميتها من شباك السيارة. مفترضا ان من يلاحقوني, كما هو حالهم مع فرانكشتين الذي يسعون للقبض عليه من دون جدوى، لن يتمكنوا ابدا من رؤيتي ثانية".(13)

ينتقد البعض هذه الرواية لكونها محاولة استيراد نسق غرائبي بعيد عن المحلية وتطويع الواقع المأساوي المحلي ضمن اطار ونموذج بوليسي قوطي غير ملائم. ويتهمها الاخرون بالافراط في الاستعارة والتناص بحيث تبتعد عن الاصالة في معالجة موضوعاتها. رغم كل هذه الانتقادات التي نجيد اطلاقها ازاء اي عمل ابداعي يحرك ركود المشهد الادبي فان الرواية تنجح في اخذ القارئ الى عالمها وتستمر في اسره بخليط جميل من الفانتازيا والواقعية السحرية، بين النشوة الجمالية والسحر، بين واقع الموت والجثث المتفحمة وحلم الانتقام و"العدالة الشعبية"،بين اليومي والاسطوري...الخ. هي محاولة تأصيل محلي لاسطورة مستعارة. اذا كانت الرواية محاولة حالمة لمقاربة قضية واقعية ومأساوية كقضية الهوية الوطنية العراقية فعزائنا اننا من خلالها نضمد جرحا خلقته السياسة و فشلها المتراكم وعقَده الاقتصاد المتعثر وتبعاته الكارثية . تعطينا الرواية فسحة امل نرى من خلالها انفسنا وننتقم ممن قتلنا. شهداؤنا ينتقمون من قتلتهم و ينكلون بهم. احلامنا التي يجيد احمد سعداوي ترميمها ترى النور. فرانكشتين في بغداد هي قراءة جديدة لإشكالية الهوية العراقية الممزقة. وهي محاولة لصناعة هوية عراقية جديدة عبر صناعة اسطورة روائية عراقية.

هوامش:
(1) علي بدر، مقابلة مع برنامج ماكازين عن موقع اليوتيوب في 22/3/2012 http://www.youtube.com/watch?v=7BUTxAFox5E
(2) احمد سعداوي، فرانكشتين في بغداد بيروت-بغداد منشورات الجمل 2013
(3) نجد هذا بوضوح في روايات علي بدر وخصوصا روايتي بابا سارتر وحارس التبغ.
(4) سعداوي ، صفحة 334
(5) نفس المصدر، صفحة 161
(6) الهجنة: لغة: خِسَّةُ النَّسب من قِبَل الأمّ ، اِخْتِلاَطُ تَعَابِيرِ الكَلاَمٍ بغَيْرِ الفَصِيحٍ. والهجن اختلاط النسب فإذا هجُن الشخصُ كان أبوه عربيًّا وأمّه أعجميّة. عن معجم اللغة العربية المعاصر: http://www.almaany.com/home.php?language=arabic&lang_name=%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A&word=%D9%87%D8%AC%D9%86%D8%A9
(7) سعداوي ، صفحة222
(8) نفس المصدر، صفحة 280
(9) نفس المصدر، صفحة 349
(10) نفس المصدر، صفحة 240
(11) نفس المصدر، صفحة 332
(12) نفس المصدر، صفحة 338
(13) نفس المصدر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف


.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين




.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس