الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرانز فانون والظواهري

صبحي حديدي

2005 / 7 / 15
الارهاب, الحرب والسلام


أن يدين المرء الإرهاب الأعمى ضدّ المدنيين، وحين يُستهدف الأبرياء وهم في غفلة تامة عن الخطر الكامن، أو بالأحرى في موقع يكفل الطمأنينة ويبعث على الأمان، كأن يكون المرء في حافلة أو قطار أو مترو (كما جرى لضحايا جرائم لندن الأخيرة)، أمر طبيعي ولا يحتاج إلى تردد أو تمحيص أو تقليب رأي. أمر آخر مختلف تماماً أن تصبح تلك الإدانة أداة تأثيم جماعي سياسي ـ ثقافي، أو حتى بيولوجي (ثمة مَن يتحدّث عن "جينات" إرهابية يرثها المسلمون كابراً عن كابر!) من جهة، ومطحنة عمياء بدورها تطحن كيفما اتفق بعد أن تخلط الحابل بالنابل من جهة أخرى.
فإذا وجد المرء المنطق في إقامة الصلة بين عمليات لندن الإرهابية وأيمن الظواهري، فكيف للمرء ذاته أن يعثر على منطق سليم بين الظواهري و... فرانز فانون! الأمريكية جيسيكا ستيرن، صاحبة كتاب "إرهاب باسم الله" والموظفة السابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي (قسم أوكرانيا!)، وفي مقال بعنوان "تفسير الإدمان على الجهاد"، تقيم الصلة التالية: "لقد انتبه الظواهري إلى أنّ النظام العالمي الجديد مصدر إذلال للمسلمين. وجادل بأنّ من الخير لشباب الإسلام ان يحملوا السلاح ويدافعواعن دينهم بفخار وكرامة، من أن يخضعوا للمهانة. العنف، في كلمات أخرى، يردّ الكرامة للشبيبة المهانة. وهذا شبيه بفكرة فرانز فانون عن العنف بوصفه "قوّة تطهيرية" تحرّر الشباب المقهور من "عقدة النقص، واليأس، والعجز عن الفعل"، فتشدّ عزائمهم وتردّ لهم احترام الذات. كذلك حذّر فانون من مخاطر العولمة على العالم النامي".
وإزاء هذه الخلطة الهجينة العجيبة، الخبيثة عن سابق قصد، بين تفكير الستينيات (توفي فانون سنة 1961 حيث لم يكن فجر العولمة قد بزغ بعد!) وتفكير هذه الأيام؛ وبين مفهوم "الجهاد" الراهن ومفهوم "العنف" الستيني بدوره، الذي كان مصطلحاً سياسياً له مدلول الكفاح المسلح ضدّ الاستعمار والإمبريالية وأنظمة الإستبداد والتبعية، وليس الإرهاب أبداً (وإلا لتوجّب تصنيف الثوري الكبير أرنستو تشي غيفارا في رأس الإرهابيين الجهاديين حسب ستيرن!)... نحار حقاً: هل ينصبّ سخط ستيرن على الظواهري، أم على فانون؟
لا ريب، بالطبع، أنّ مسألة العنف لم تكن واضحة تماماً في مشروع فانون العامّ، وكانت تمتزج عنده بمفهوم «استخدام القوّة» أحياناً، و«الكفاح المسلح» أو «الإنتفاضة الجماهيرية» أحياناً أخرى. وفي «معذّبو الأرض» ذهب إلى حدّ الحديث عن «عنف مسالم». غير أنّ العنف، لكي نستخدم العبارة البليغة للباحثة الأمريكية ليندا ميتزغر، «هو السمة الجوهرية في كلّ استعمار عرفه التاريخ، ولم يكن فانون هو الذي اخترعه». وإذا مارس المستعمِرالعنف المنهجي المنظّم لاستلاب الأرض، ومصادرة الهوية واللغة والثقافة، ونهب الثروات، وعقاب أبناء البلد الأصليين، وإجبارهم على العيش في شروط إجتماعية واقتصادية ونفسية وصحية وتربوية متدنية، وسنّ القوانين الجائرة، وممارسة النفي والإبعاد... فبأي حقّ ينتظر المستوطن من إبن البلد ــ الأسير والسجين والمقهور ــ أن «يكبح جماح نفسه»؟ هذا بالضبط ما يثيره فانون، وعلى صعيد سيكولوجي بارع، حين يتساءل: لماذا يكون من واجب الضحية أن تربّي قاهرها وتعلّمه الأخلاق السلمية؟
ولا بدّ من وقفة عند مقولة فانون الشهيرة حول الحاجة إلى «التطهر» Catharsis أو «التطهير» عبر العنف، التي تتكيء عليها ستيرن. ولعلّ جزءاً لا بأس به من سوء الفهم، في العالم الأنغلو ـ سكسوني خصوصاً، ينبع من مشكلة لغوية ناجمة عن ترجمة عبارة فانون الشهيرة la violence desintoxique إلى:violence is a cleansing force في الترجمة الإنكليزية. وبالطبع، كان في وسع فارينغتون (صاحب الترجمة الإنكليزية، الممتازة مع ذلك) أن يستخدم كلمة Detoxify، لأن هذا على وجه أصحّ ما قصده فانون بالوظيفة التطهيرية للعنف الثوري، تماماً كما يتوجّب على المدمن أن يخلّص جسده من سموم الكحول أو سموم المخدرات كخطوة لا بدّ منها للتخلّص من الإدمان.
والحاجة إلى «التطهر» ترتدي عند فانون الطابع الجمعي أكثر من الفردي، تماماً كما هي حال معظم المفاهيم في مشروعه. وهي تتقاطع مع مفهوم معقّد آخر هو «صورة العالم» كما تتباين وتتناقض بين المستعمِر والمستعمَر. ولأنه اعتبر القهر ظاهرة كليّة وتعمل بالتالي كمظهر ثقافي أيضاً، فقد شدّد على وجوب فهمها باستخدام كلّ المصطلحات اللازمة لوصف التجربة الإنسانية الكلية. وفي تفصيل كهذا تدخل رؤية فانون للأدوار التي تلعبها الأسطورة، والتصوّف، والقراءة الشعائرية للتكوين، والمجهول، والشعر بصفة خاصة.
وفي نهاية المطاف، أليس "العنف" بالمعنى العام سمة محورية يومية في معظم المجتمعات، وفي المجتمعات الغربية بصفة خاصة؟ ألا يدخل في طبيعة الحركة اليومية للدولة، وللقانون، ولوسائل الإعلام، وللنُظم التربوية، ولعلاقات العمل، وللبيئة؟ أليس العنف أية علاقة، أو سيرورة، أو شرط يسفر عن قيام فرد أو مجموعة بانتهاك الحقوق المتكاملة، المادية والثقافية والاجتماعية و/ أو السيكولوجية لفرد أو مجموعة أخرى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جهود إيجاد -بديل- لحماس في غزة.. إلى أين وصلت؟| المسائية


.. السباق الرئاسي الأميركي.. تاريخ المناظرات منذ عام 1960




.. مع اشتعال جبهة الشمال.. إلى أين سيصل التصعيد بين حزب الله وإ


.. سرايا القدس: استهداف التمركزات الإسرائيلية في محيط معبر رفح




.. اندلاع حريق قرب قاعدة عوفريت الإسرائيلية في القدس