الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوابيت بوصفها صناديق بريد مستعجل

سعدي عباس العبد

2014 / 4 / 20
الادب والفن


التوابيت بوصفها صناديق بريد مستعجل ..

_____________________________________________________

• الصناديق قبل انّ تأخذ هيئتها وملامحها واشكالها الاخيرة التي تتشكّل بموجبها علامتها المتأخرة .. كانت اشجار تنمو في الفضاءات الرحبة , مشكّلة عبر تناميها وتجاورها غابة الفضاءات الخضر .. او كانت مواد اوّلية لمعادن ..فالصناديق في كل الاحوال نتاج الارض ..نتاج الغابات .. لكنها لم تورث سمات وخواص الغابة كما نحن نورث غالبا اشكال او بعض ملامح اسلافنا عبر الجينات التي نتورثها جيل لجيل ..فالتابوت , صندوق .. وايّ صندوق .. ! ياللخيبة ..لايشابه ملامح الشجرة التي خرج من رحمها الخشبي .. لا في الوظيفة المنوط به ولا بالشكل الذي يفترض ان يكون مماثلا ولو بالحد الادني للشجرة .. فوظيفة التابوت واسطة نقل بين ظلامين . او غرفتين متباينتين في المحتوى والشكل . لكنهما متقاربتين في الدلالة والرموز .. فكلاهما يؤثثه الصمت والظلام .. التابوت يقلك إلى الغرف السفلى بوصفه ناقل محايد يؤدي وظيفة تماثل وظائف البريد المستعجل ..هناك عند المحطة الاخيرة يفرغ التابوت حمولته ..يفرغها ايضا داخل صندوق . لكن هذا الاخير صندوق مغاير تماما في فضاءهِ الاسود الداكن وصناعته والمهمة المنوطة به ..فهو صندوق من تراب يختلف عن سائر الصناديق .. يختلف مثلا عن صندوق جدّتي ..ذلك الصندوق الذي استدل اليه عبر رائحة جدتي .. فالصندوق على نحو ما , هو جدّتي , فروح جدّتي مترسّبة في قاعهِ السفلى .. اقصد بذلك رائحتها المزّمنة التي اتحسّسها حالما يفتح غطاء الصندوق , فتنبعث صادمة , نفّاذة , تضوع من كامل فضاء الداخل .. من تربتّها التي تستخدمها لسجود ومن مسّبحتها ذات النقط السود الناعمة المنتظمة في خيط طويل , ومن ثيابها , ومن كفنها الذي اعدّته ليوم لا مثيل له . لسفرتها او نزوحها او رحلتها الاخيرة .. رحلة من الصندوق إلى الصندوق . الكفن الذي ستتلفعه جدّتي اكثر معايشة للصناديق من جدّتي فهو سيتنقل بين صناديق عدّه .. وسيبقى في المثوى الاخير او الصندوق الاخير , خاتمة الصناديق , متلفعا بدن جدتي , في اتصال لافكاك منه , مدللا على حميمية الرائحة التي كانت تصل بين الاثنين الغاطسين في خاتمة الصناديق , جدّتي ورائحة قاع الصندوق .. انّ صندوق جدّتي الخارج من عظام شجرة ما , كان يؤدي وظيفة الحارس او المحفظة او المتحف . فهو في اغلب مقتنياته يشابة التحف او الآثار او المخلّفات التي تعود لعهد الملك غازي الاول ..فضلا عن انه هو ذاته بات اثرا .. أثر داخل أثر .. كما للموتى صناديق لنقل جثامينهم او حياتهم الساكنة في تحوّلها نحو الصمت والتحنيط . فاللاسرار ايضا صناديقها . ولكن تلك الصناديق الرمزية تتخذ جملة علامات وملامح .. فصدور الرجال صناديق مغلقة , على سبيل الرمز . وقاصات البيوتات الثرية والبنوك ومكاتب رجال الاعمال صناديق مغلقة .. وصناديق الشكاوي في الدوائر صناديق مغلقة وصناديق رسائل البريد وصناديق شكاوي المواطن ... والذاكرة هي الاخرى صندوق لحفظ التاريخ وأرشفة الذكريات وحوادث الفيضانات والاوبئة والحروب وتواريخ الموتى من المريدين والانساب والاباء والامهات ..... الذاكرة صندوق سيكون ذات وقت ما , محمولا في صندوق ..وسيغطسان معا داخل صندوق . وللصناديق بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07