الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر ملطشة المعارضة

أحمد عدلي أحمد

2005 / 7 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لم أكن أتصور أن يأتي اليوم الذي أجد فيه نفسي مضطرا للدفاع عن أحد الحكومات العربية ، ذلك أنني دائما _ولا زلت_ أرى أن أداء أغلب هذه الحكومات دون المستوى المقبول من العمل الحكومي ، كما أنها تفتقد _باستثناءات قليلة _ إلى الأساس الشرعي المبرر لوجودها على رأس السلطة في بلدانها ، ولكن ذلك لا يعني دائما أن هناك بديل أكثر كفاءة من هذه الحكومات ضمن دوائر المعارضة على أرض العمل السياسي ، وهو واقع يجب الاعتراف به دون أن يعني ذلك الاستسلام له بمنطق أن ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لعل أبرز مثال على ذلك هو خطاب المعارضة المصرية التي اشتدت هذه الأيام ، والذي تحول _على حد قول عبد المنعم سعيد_ إلى حالة من الردح العام، حيث تستخدم عبارات حادة وتعبيرات مبالغة وسوقية أحيانا من أجل تعبئة ديماغوغية ضد الحكومة دون تقديم طرح بديل أو تأسيس مشروع سياسي يجيب على الأسئلة الهامة التي تواجه المجتمع المصري في هذه اللحظة الفارقة. ولعل رصد الخطاب المصري المعارض في انتقاداته للحكومة المصرية وأدائها في قضية اغتيال رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية يمثل دليلا جيدا ففي صبيحة يوم السبت 9/7 خرجت صحيفة الوفد المعارضة بعناوين تتهم الحكومة بمسئوليتها عن دم السفير الشهيد الذي أرسلته إلى بلد تحت الاحتلال متهمة الحكومة بالخضوع لإملاءات أمريكية برفع مستوى تمثيلها في العراق ، فيما يبدو أنه رد على اتهامات الحكومة المتواصلة للمعارضة بأنها تخدم أجندة التغيير الأمريكية ، وهكذا تحول الأمر إلى مزايدة بعد أن أصبحت السياسات الناجعة تقاس بمدى بعدها عن الهوى الأمريكي لا بمدى ما تقدمه للمصالح الوطنية ، وبرأيي أن إرسال بعثة تمثيل مصرية لبغداد في هذه المرحلة بالذات هو خير ما يمكن أن تفعله حكومة تهتم بأن تكون ذات تأثير إقليمي في المنطقة العربية ذلك أن بلدا عربيا رئيسيا مثل العراق تتشكل السياسة فيه من جديد ، ويعيد تأسيس علاقاته بمحيطه وبالعالم ، وهو ما سيتشكل بشكل نهائي حسب تأثيرات عدة بضمنها مدى مساهمة الدول المختلفة في مساعدته على تسهيل حالة المخاض الصعب التي يمر بها ، ولو _ في الحد الأدنى_ بالتمثيل الدبلوماسي الذي يعتبر في أوضاع كتلك تعبيرا عن اعتراف بنظام يحاول الإرهاب عزله ودعما لتجربة ديموقراطية _على عيوبها_ يحاول الإرهاب تصفيتها ، ورمزا للتضامن والتواصل بين شعبين لا شك أنه سينعكس على العلاقات البينية المستقبلية.، ولا شك أن مصالح مصر الإقليمية تتطلب أن يكون لها في المستقبل تواجد في هذا البلد العربي الرئيسي الذي يمكن أن يكون لاعبا محوريا في المنطقة في حال نجاح تجربته ، صحيح أن، الحكومة يجب ألا تكرر أخطاء الماضي بدفع ثمن مبالغ فيه مقابل "الدور" الإقليمي والدولي(كما في نموذج حرب اليمن) ، ولكن ذلك لا يعني في المقابل انعزالا كاملا ، والاكتفاء بمتابعة ما يحدث في بلد عربي والتهليل فرحا بإنجازات القتلة والمخربين المسماة مقاومة ، وهو بالمناسبة ما اعتادت أن تفعله جريدة الوفد التي اعتادت الاحتفاء بالزرقاوي وإرهابه ، وإبراز عملياته ضد الأمريكيين تحت اسم المقاومة على الصفحة الأولى _مع تجاهل فظائعه ضد العراقيين وغيرهم من الأبرياء من صحفيين وموظفين دوليين_ وعندما يقع بعض المصريين ضحايا له مثلما حدث يوم الخميس ، أو قبل ذلك عندما اختطفت جماعته مهندسين وعمال، فالذنب كله على الحكومة التي أرسلت الشهيد الشريف ليموت في العراق ، أو سمحت بسفر العمال المصريين (رغم أن هناك مادة دستورية تكفل حق السفر للجميع ، فكل مواطن بالغ عاقل يتحمل مسئولية قراراته ، وليس على الحكومة إلا تحذيره طبقا لمفاهيم الديموقراطية التي تتغنى بها المعارضة ). اتهامات الوفد لم تقف عند ذلك ، بل امتدت لاتهام الحكومة بالتقصير في محاولة التفاوض مع الخاطفين ، وقد فات الصحيفة المعارضة أن الإرهابيين في العراق عندما يريدون التفاوض فهم يعلنون مطالبهم بشكل واضح وعلني غالبا عبر الانترنت مثل إيقاف تعامل بعض الشركات التي يعمل لها الرهائن في العراق أو سحب قوات ما مشاركة في التحالف من العراق أو حتى فدية مالية ،و هم عادة ما يحتفظون بالرهينة طويلا لمدة تصل لشهور ( مثل الصحفية الفرنسية المحررة أخيرا بعد اختطاف دام خمسة أشهر) ، وهو ما لم يحدث في حالة الشريف إذ قتله الإرهابيون بعد أربعة أيام فقط من اختطافه مما يعني أن قتله هو الهدف الوحيد من العملية قي محاولة عقاب الحكومة المصرية على مواقف عديدة ليس أولها إرسال بعثة لها في العراق ، بل تبدأ من المعاهدة مع إسرائيل ، وتصل إلى الحرب المصرية الناجحة (وإن بتجاوزات لحقوق الإنسان لا يمكن إنكارها) ضد الإرهاب في مصر بما فيه فرع القاعدة المصري ، وهو تنظيم الجهاد الذي أسسه الظواهري ، وأعضاؤه الآن بين مسجون وطريد. ومع ذلك فإن خطاب الوفد ليس الأسوأ بين المعارضة ، فهناك صحيفة "صوت الأمة " التي صدرت صفحتها الأولى بعنوان بذيء هو "مصر ملطشة" وبعيدا عن العنوان الذي لا يمكن تجاهل ما فيه من سوء خلق ، وإهانة لا تصح لوطن يفترض أن كاتب المقال ينتمي إليه وهو ملا تجده في صحف دول لا تعرف أماكنها على الخريطة مثل "ميكرونيزيا" و"سنغافورة" ومع ذلك لا تجد في خطابهم إلا الفخر ببلادهم والاعتزاز بها ، ولكن مضمون الافتتاحية أسوأ بكثير ، فهو يحاول أن يصور حادثة اغتيال السفير المصري دليلا على ضعف النظام المصري ، وعجزه عن حماية مواطنيه ، رغم أننا نرى دولا عظمى يضرب الإرهاب مواطنيها داخل حدودها ، وهي النطاق الذي تمتد إليه سلطتها الفعلية دون أن يفسر ذلك بضعف النظام وانهياره ، وقد ضرب الإرهاب البنتاجون نفسه ، وأطاح ببرجي مركز التجارة العالمي ، ومازالت دماء ضحايا تفجيرات لندن لم تجف ، وما أرى تلك الافتتاحية إلا تعبيرا عن أمنيات صاحبها بانهيار النظام المصري (رغم أنه فعليا يظهر قلقه من ذلك) ، وهو يتصور أن انهيار النظام نعمة تخلص مصر من الحكومة الغير رشيدة ، وما ذلك إلى بسبب التباس تاريخي بين السلطة كمؤسسات وكأفراد ، مما يجعل الكثير يقبل بفكرة تدمير المؤسسات كعمل مقبول ضد حكومة فاسدة أو زعيم طاغية ، وهو ما يبرر التأييد الذي يحظى به التمرد في العراق في أوساط عديدة، ولكن انهيار المؤسسات لا يعني سوى فوضى وهلاك لأرواح وضياع لمصالح الأفراد والجماعات، ولقد أدركها قديما علي بن أبي طالب ولو عبر عنها بعبارة ملتبسة فقال : "لابد للناس من سلطان بر أو فاجر"... لقد كان يعني السلطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موقف التنظيمات المسلحة الموالية لإيران من التصعيد في رفح| ال


.. إسرائيل - حماس: هل ما زالت الهدنة ممكنة في غزة؟




.. احتفال في قصر الإليزيه بمناسبة مرور 60 عاما على العلاقات الف


.. بانتظار الحلم الأوروبي.. المهاجرون يعيشون -الكوابيس- في تونس




.. حقنة تخلصكم من ألم الظهر نهائيا | #برنامج_التشخيص