الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية زج أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبي ورجوع شبه جزيرة القرم الى روسيا

سناء عبد القادر مصطفى

2014 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


قضية زج أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبي ورجوع شبه جزيرة القرم الى روسيا
الدكتور سناء عبد القادر مصطفى
مقدمة
منذ أواسط شهر كانون الأول 2013 تتصاعد حمى ضم أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبي الذي بذل وما زال يبذل مع الولايات المتحدة الأمريكية جهودا كبيرة من أجل ذلك. فهل يا ترى سوف ينجحون في ذلك؟ الجواب على هذا السؤال يتطلب منا تحليل تاريخ هذه الأزمة من خلال القاء نظرة على تاريخها.
أن تاريخ الأحزاب اليمينية والفاشية الجديدة في أوكرانيا معروف ليس على صعيد أوكرانيا فقط وانما في جميع جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا. أن فرقة كاليجينا (Galichina) الأوكرانية التابعة لفرقة الأس الأس (SS ) الألمانية اثناء الحرب العالمية الثانية قامت باحراق 140 شخصا من بينهم 79 طفلا في مخزن للغلال في قرية خاتين في بيلوروسيا سنة 1943 وكذلك احراق قرية بابييار حيث كان يعيش فيها عشرات المئات من اليهود. والآن يستعمل الفاشيون الجدد واليمنيون الأوكرانيون (أحفاد ستيبان بانديرا 1 January 1909 – 15 October 1959 – زعيم الحركة القومية الأكرانية والذي ساعد ألمانيا الفاشية في الحرب العالمية الثانية في احتلال أوكرانيا باعلان الولاء شخصيا أمام أدولف هتلر) نفس الشعار الذي استعملوه سابقا ((у-;---;--т-;---;--о-;---;--п-;---;--и-;---;--м-;---;-- м-;---;--о-;---;--с-;---;--к-;---;--о-;---;--л-;---;--е-;---;--й-;---;-- в-;---;-- ж-;---;--и-;---;--д-;---;--о-;---;--в-;---;--с-;---;--к-;---;--о-;---;--й-;---;-- к-;---;--р-;---;--о-;---;--в-;---;--и-;---;-- والذي معناه : سوف نغرق موسكو بالدم اليهودي وأضافوا له الزنوج. وهنا نتسائل : ما دام اليهود الصهاينة اشتركوا مع الفاشيين واليمنيين الأوكرانيين ، فلماذا يكررون هذا الشعار في الوقت الحاضر ولمصلحة من؟ وهل نسوا أن باراك أوباما- رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي يدعمهم هو زنجي!! الجواب باعتقادي أن اليهود يريدون أن يقدموا أنفسهم كضحايا من أجل أن يتدخل الغرب لانقاذهم وهذا ما فعلوه في الحرب العالمية الثانية.
انقلاب الميدانيين في كييف
فبعد انقلاب سياسي خطير في السلطة نتيجة أحداث ساحة الميدان في العاصمة كييف استلمت المعارضة اليمينية المتطرفة السلطة. وقبل أن نعطى الرأي في الأحداث الجارية علينا أن نحلل الأطراف التي ساهمت في تغيير السلطة ، فأولها حزب الحرية برئاسة أوليغ تيانيبوك وثانيها حزب الضربة الذي يقوده الملاكم العائد من المهجر في الولايات المتحد الأمريكية فيتالي كليتشكو وثالثها حزب الوطن (باتكيفشينا- Fatherland) بزعامة أرسيني باتسينوك وأخيرا تجمع أحزاب تقوده رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو التي حكم عليها بالسجن 7 سنوات أيام الرئيس المخلوع فيكتور يانيكوفيتش.
تتصف جميع هذه الأحزاب بالقومية المتطرفة والفاشية المدعومة من الغرب واسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية. كان بامكان فيكتور يانيكوفيتش أن يستخدم اسلوب آخر أكثر جدية في التعامل مع الأحداث التي جرت في ساحة الميدان في كييف ويحل المشكلة بشكل جدي استنادا الى الأسلوب الذي استخدم في بيلوروس وروسيا وكازاخستان قبل بضعة سنوات و لايدع الأمر يتطور الى استقالة رئيس الوزراء ميكولا أزاروف وذهاب ضحايا من قوات الأمن (بيركوت) والشرطة بأكثر من 25 شخصا بواسطة قناصة مدربة من فوق سطوح عمارات تحيط بساحة الميدان والذي تبين فيما بعد انهم تدربوا على أيدي عناصر منظمة البلاك ووتر التي كانت في العراق المشهورة بقتل 14 شخصا في ساحة النسور ببغداد في سنة 2007 والتي غيرت اسمها بعد الحادث الى أكاديمي و يقع مقرها في بلدة ماكلين بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية. ويقدر عدد ضحابا ساحة الميدان في كييف بأكثر من 500 شخص.
وفي لقاء تلفزيوني بثته القناة الروسية الأولى من موسكو في 13 مارس 2014 مع أوليغ بالاشوف أحد ضباط قوات ألفا السوفيتية التي ساهم في عملية اجتياح قصر أمين الله في كابول يوم 27 كانون الأول/ديسمبر 1979 أن اسلوب القنص من فوق أسطح العمارات العالية في ساحة الميدان استخدم من قبل قوات غربية في فيلنوس عاصمة جمهورية ليتوانيا ضد المتظاهرين في ربيع سنة 1991 (عملية Nalivachenko ) والذين طالبوا برحيل القوات السوفيتية من فيلنوس ومن بعدها اتهم الغرب الاتحاد السوفيتي بذلك وكذلك عملية (Gladios) التي قتل فيها رئيس الوزراء الايطالي أندريوتي(Andrioti) سنة 1969 والتي اتهم فيها تنظيم الألوية الحمراء في ايطاليا.
وعلى الرغم من توقيع اتفاق في 21 شباط /فبراير 2014 بين الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش والمعارضة اليمينية حول ادارة السلطة ، الا أن المعارضة لم تلتزم بهذا الاتفاق وعملت هذا الانقلاب الفوضوي في عموم البلاد من احراق للمباني العامة والمؤسسات الحكومية ونهب المصارف الحكومية والأهلية وكذلك الاستيلاء بواسطة قوة السلاح على المشاريع الاقتصادية العامة والخاصة. وهنا يطرح سؤال نفسه. اذا كان الاتحاد الأوروبي يريد أن تصبح أوكرانيا عضوة فيه، فهل يروق له هكذا شعب يحرق ممتلكاته العامة والخاصة بنفسه؟؟!! أم أن مساعدته لهذه العصابات الفاشية من أجل الاستحواذ على أوكرانيا؟!
ولهذا فلا تشكل التطورات التي بدأت منذ حوالي الشهرين في بلد التربة السوداء أوكرانيا فوز للديمقراطية الملطخة بالدم وبثورة شعبية كما ينعتها الغرب وماكنة الاعلام الأمريكي وتكرره بعض الفضائيات العربية.
ونتيجة لهذا الوضع المأساوي وبدعم من الاتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية المتحمسين لضم
أوكرانيا الى الأول طفحت الى السطح الأحزاب والقوى السياسية اليمينية الرجعية ذات النهج والأيدولوجية الفاشية التي أقدمت على سن تشريعات وقوانين تضر بتاريخ ومستقبل أوكرانيا وعلاقتها الحميمة مع روسيا. فهذه التشريعات التي تمنع استعمال اللغة الروسية في غرب أوكرانيا تشبه القوانين والتشريعات التي سنتها دول بحر البلطيق : أستونيا ولتوانيا ولاتفيا في 1992 وما بعدها.
ضم أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبي
منذ سنة 2004 والغرب يحاول ضم أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبي. أن تاريخ الأحزاب اليمينية المتطرفة معروف من حيث الأساليب غير الشريفة وغير القانونية التي يتبعها أعضائها وقد حدث ذلك في أوكرانيا منذ عشرة سنوات. فالرئيس السابق لأكرانيا فيكتور يوشينكو وأتباعه في حملتهما الانتخابية في سنة 2004 قاموا بتأجير باصات أرسل فيها الطلاب من مدن أوديسا ولفوف وفولين وجيتومير وغيرها من مدن غرب أوكرانيا مع دفع مبالغ مالية لهم لقاء اشتراكهم في المظاهرات المؤيدة ليوشينكو في كييف حيث وفر لهم الأخير الخيام والغذاء والملابس وحتى مستحضرات الهلوسة المثيرة للأعصاب كالمادة المعروفة بالأستاسي التي تخلط مع الشاي والقهوة التي توزع على المتظاهرين في العاصمة كييف وقد اتيع نفس الأسلوب من قبل دعاة الأنضمام الى الأتحاد الأوروبي. أما عن اتهام يوشينكو بأن الحكومة مسؤولة عن تسميمه وهذا ما أدى الى تشوه وجه ، فهذا ادعاء خال من الصحة وأثبتته التقارير الصحية التي كتبها أطباء مستقلون. في حين يعرف الناس في كييف وأوديسا علاقة يوشينكو وزوجته بالمافيات الغربية وفروعها في بولندا ودول بحر البلطيق مثل لتوانيا ولاتفيا التي مولت حملته الانتخابية.
أما في حالة انقسام أوكرانيا الى شرقية وغربية فسوف تلحق نتائجه السيئة غرب اوكرانيا. والسبب في ذلك هو تركز صناعات استخراج الفحم الحجري والمتالوروجيا (الحديد والصلب) والصناعات الكيمياوية والكهربائية والسيارات وغيرها في شرق اوكرانيا وهذا ما يخاف منه الغربيون.
ويعتبر حوض الدونباس وكريفوي روك في شرق أكرانيا من المناطق المهمة نظراً لامدادها صناعة الصلب والحديد بالفحم المستخدم في توليد الطاقة اللازمة لصهر الحديد. و يمتلك حوض الدونباس شهرة كبيرة منذ بداية الحكم السوفيتي والحركة الستاخونوفية (نسبة الى عامل المنجم في دونيتسك اليكسندر ستاخانوف الذي ضرب رقماً قياسياً في استخراج الفحم) كونه يشكل عصب الصناعة الثقيلة في أوكرانيا.

يراهن القوميون الأوكرانيون على حصان طروادة الذي سوف يؤدي الى قصم ظهورهم ويأتي بنتائج لاتحمد عقباها على الشعب الأوكراني.
أن اهمية أوكرانيا بالنسبة لأوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية تنبع من أن القواعد العسكرية البحرية والجوية والبرية التي شيدت أيام الاتحاد السوفيتي لا زالت تحتفظ بأهميتها الستراتيجية، فعلينا أن لا ننسى أزمة الصواريخ العابرة للقارات أيام الرئيس بوريس يلتسين ومن الذي يجب أن يمتلك مفاتيحها درءاً لأزمة نووية؟
تتألف الخارطة الديموغرافية لأوكراينا من القومية الأوكرانية التي تشكل الأكثرية الساحقة من سكان الجمهورية (77.8%) والباقي من الروس (17.3%)والبيلوروس(0.6%) والمولدافيون(0.5%) والتتار(0.5%) وهناك نسب قليلة من الرومانيين والبولنديين وشمال القفقاس والبلغار والاغريق حيث تتراوح نسبهم بين 0.2-0.3%.
واثناء الحرب العالمية الثانية رحب سكان غرب أوكرانيا بالألمان على الطريقة المألوفة في أوروبا الشرقية بالخبز والملح حباً منهم في التخلص من الحكم السوفيتي على العكس من سكان شرق أوكرانيا الذين لم يرحبوا بهم. ولكن تجدر الاشارة هنا الى أن حركة للمقاومة نظمت في غرب أوكرانيا بقيادة أحد وجهاء المنطقة الذين أطلقوا عليه اسم "الشيخ كولباك Starik Kolpak" نظراً لكبر سنه ولخبرته القتالية.
ولكن في نفس الوقت نظم عمال مناجم الفحم في منطقة الدونباس التي تعتبر مدينة دونيتسك عاصمتها الاقليمية حركة مقاومة كذلك. وقد اتحدت فيما بعد حركات المقاومة تحت قيادة واحدة لتوجه ضربات موجعة للفاشست الألمان وانتهت بتحرير أوكراينا من النازية الألمانية بمساعدة الجيش السوفيتي.
ولهذا فان عملية ضم أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبي بهذه الطريقة اللاحضارية والفوضوية التي بسببها انتشر العنف والسلب والنهب والقتل والاجرام لا يقبلها ولا يستسيغها الشعب الأوكراني بنفسه ومن ثم فان تصعيد العداء بين الشعبين الروسي والأكراني لا تعطي ثمارها الطيبة للشعب الأكراني.
أما بخصوص وعود الإتحاد الأوروبي بتقديم الدعم المالي للاقتصاد الأكراني كما جاء في تصريح لكاترين أشتون- رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فلا يمكن الا بعد أن تصبح أوكرانيا عضوا في الاتحاد الأوروبي. وسمح الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا أن تكون عضوا في معاهدة EØ-;---;--S التي تضم الدول بعض الدول الأوروبية التي هي خارج الاتحاد الأوروبي مثل النرويج وسويسرا وفنلندا والنمسا والسويد وايسلندا ولايخشتاين. ولهذا فان حلم نشطاء ساحة الميدان في كييف في الدخول الى الاتحاد الأوروبي لا يمكن تحقيقه بهذه العجالة التي يتصورونها.
وينبغي على أوكرانيا أن تحل مشكلة ديون روسيا المترتبة عليها بحدود 16 مليارد دولار أمريكي، من ضمنها استيراد الغاز من روسيا الذي بلغ 2 مليارد دولار أمريكي. (انترفاكس 21 آذار/مارس 2014).
وفي أول اعلان لرئيس الوزراء الأوكراني الجديد أرسيني باتسينوك قال أن الحكومة ستقوم بتخفيض الرواتب التقاعدية وتعويضات الضمان الاجتماعي بنسبة تتراوح بين 40-50%. وسوف ترتفع أجور الكهرباء بعد توقيع اتفاق مع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي Organization for Security and Cooperation in Europe التي يرمز لها ب (OSCE).
أما مسألة ادخال اصلاحات السوق الحرة في أوكرانيا فتجد معارضة كبيرة أوساط الطبقة العاملة وموظفي القطاع العام انطلاقاً من تجربة روسيا ودول بحر البطيق- أستونيا ولاتفيا ولتوانيا في تسعينيات القرن الماضي لأن الرأسمال الأجنبي اشترى مصانع القطاع العام وحولها الى مصانع تابعة للغرب ومن ثم أعلن اغلاقها بسبب افلاسها وكانت النتيجة هي تسريح أعداد كبيرة من العمال والموظفين. أن هذه السياسة المقصود منها تدمير القاعدة الصناعية في هذه الدول وجعلها تابعة للغرب انتبهت لها روسيا وبيلوروسيا اللتان لم تعطيا الغرب المجال الكافي لتنفيذها. أن تطور الصناعات الخفيفة والثقيلة والقطاع الزراعي في روسيا وبيلوروسيا بمعزل عن تأثير الغرب أتت أكلها لصالح الدولتين خلال السنوات الأخيرة.
وهذا معناه سوف تحل أزمة اقتصادية خانقة على أوكرانيا بفضل ثورتهم الشعبية كما يسيمها أنصارها الغربيون.
أن ما يجري من تطورات سريعة في مدن أوكرانيا الشرقية والجنوبية مثل دونيتسك (عاصمة مقاطعة الدونباس مركز استخراج الفحم الحجري) وخاركوف (العاصمة القديمة لأوكرانيا) وأوديسا أضخم موانيء البحر الأسود ودنيبروبتروفيسك وغيرهما من مدن الغرب الأوكراني مثل لفوف وكيييف وكريفوي روك من ارسال العصابات الاجرامية الفاشية المدعومة من قبل الغرب الى مدن اوكرانيا المختلفة يهدد استقرار البلاد ويقلق أمن الناس ويجعل الوضع السياسي والاقتصادي في البلد خطرا هذا اذا علما بداية هجرة مابقارب 50 ألف شخص لحد الآن من المدن الأوكرانية المجاورة للحدود الروسية الى روسيا. كل هذا يجعل العالم الغربي في موضع الاتهام من محاولته لنشر الربيع العربي الفاشل الى أوكرانيا بعد انكشاف أوراقه في سوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن وغيرهما من دول الشرق الأوسط. وهذا ما حدى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتسميته "بالشتاء العربي" في خطابه يوم 21 آذار/مارس 2014 أمام مجلس الدوما الروسي بمناسبة انضمام القرم ضمن روسيا الاتحادية.

رجوع شبه جزيرة القرم الى روسيا الاتحادية :
أجري تصويت شعبي في يوم الأحد الموافق 16 آذار 2014 على مقترح استقلال جمهورية القرم (ضمها نيكيتا خروشوف سنة 1954 الى أوكرانيا بعد أن كانت ضمن روسيا منذ عهد القيصرة يكاتيرينا الثانية بعد حرب القرم ضد الدولة العثمانية 1783) بخروجها من أوكرانيا وانضمامها الى روسيا . وهذا ما أثار حفيظة الغرب وأمريكا من ذلك وتصويتهم في مجلس الأمن ضد انفصال القرم عن أوكرانيا مما اضطرت روسيا الى استعمال حق النقض (الفيتو) لصالح القرم. وكانت نتيجة التصويت الشعبي التي أعلنها رئيس لجنة الانتخابات في القرم ميخائيل ماليشيف يوم الاثنين المصادف 17 آذار/مارس 2014 أن 96.77% من المشاركين في الاستفتاء حول مصير الجمهورية صوتوا لصالح الانضمام الى روسيا، في حين صوت3% من المشاركين لصالح بقاء القرم جزءا من أوكرانيا. وصرح ماليشيف بأن نسبة المشاركة في الاستفتاء الشعبي كانت 83.1% . ولم يعترف البرلمان الأوكراني بنتيجة التصويت ولا الاتحاد الأوروبي
في حين اعترفت روسيا بنتائج التصويت الشعبي وجرت مراسيم توقيع قوانين انضمام القرم وسيفاستوبل الى روسيا الاتحادية في الكرملين يوم 21 آذار/مارس 2014 بحضور الرئيس فلاديمير بوتين وجميع أعضاء مجلس الدوما الروسي والحكومة الروسية ورئيس وزراء وحكومة القرم سيرغي أكسونوف (Sergey Aksonov) ورئيس ادارة مدينة سيفاستوبل ألكسي جالي (ِAleksey Chali) وغيرهم من ممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية في روسيا الاتحادية.
أن تاريخ العلاقات الدولية يضم في طياته الكثير من الأمثلة على ارادة شعب ما في الاستقلال والانضمام الى دولة يختارها انطلاقا من مبدأ حق تقرير المصير الذي أقر من قبل الأمم المتحدة سنة 1951 والذي يعود تاريخه الى معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى. وهناك الكثير من الأمثبة على ذلك في التاريخ الحديث، فعلى سبيل المثال لا الحصر. سكان جبل طارق الذين رفضوا سنة 1981 السيادة الاسبانية وقبلوا بالانضمام الى بريطانيا في شكل حكم ذاتي، وفي سنة 1982 صوت سكان جزر المالوين حسب التسمية الأرجنتينية أو الفولكلاند كما يسميها البريطانيون بأغلبية ساحقة بنسبة 99.8 بالمائة للبقاء تحت النفوذ البريطاني. ومن بين 1672 ناخبا، شارك في التصويت 92 بالمائة. ولم تُسجَّل سوى 3 أصوات ضد البقاء تحت سيادة التاج البريطاني. الأرجنتين ترفض هذه الانتخابات برمّتها مثلما ترفض نتائجها.
بعد فشل المقاومة الغير العنيفة ضد الحكم الصربي في عام 1990، قام الألبان بتمرد مُسلح عام 1997-1999، مما أجبر منظمة حلف الشمال الأطلسي (الناتو) على شن هجوم على صربيا والجبل الأسود والتي أستمرت 78 يومًا لوقف الحرب في كوسوفو. وفي عام 1999، بناءًا على قرار أصدره مجلس الأمن الدولي قامت الأمم المتحدة بإرسال بعثة لإدارة اقليم كوسوفو. وبتاريخ 17 شباط /فبراير 2008، أعلن البرلمان في كوسوفو الإستقلال وتشكيل "جمهورية كوسوفو". وبناءًا على إتفاق بروكسل تقوم صربيا بتطبيع علاقاتها مع كوسوفو لكنها لا تعترف بإستقلالها بشكل رسمي.
وتم الإعتراف بإستقلال جمهورية كوسوفو من قبل 108 دولة عضو في الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي،والاتحاد الدولي للطرق النقل ومجلس التعاون الإقليمي ومصرف التنمية الأوروبي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، بالإضافة إلى 23 دولة من أصل 28 دولة من دول الاتحاد الأوروبي.
وصرح المؤرخ الروسي سيرغي جيرنيخوفسكي في حديث له مع القناة الأولى للتلفزبون الروسي يوم 22 آذار 2014 بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستقل شرعيا عن التاج البريطاني وانما كان نتيجة حرب بدأت في 19 نيسان /أبريل 1775م عندما اصطدم البريطانيون بالثوار الأمريكيين في مدينتي لكسنجتون وكونكورد في ماساشوسيتس، واستمرت ثماني سنوات وانتهت في 3أيلول/ سبتمبر 1783 عند توقيع معاهدة باريس بين بريطانيا والولايات المتحدة التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة.
ونتيجة لإنضمام شبه جزيرة القرم بكاملها الى روسيا الاتحادية أقدم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على اتخاذ خطوات بفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا.
فرض الحصار الاقتصادي على روسيا الاتحادية
تمخضت العقوبات الاقتصادية ضد روسيا عن منع السفر ل 33 شخصا من بينهم . سيرغي ميرونوف – رئيس حزب روسيا العادلة الذي لم يأسف على ذلك وكذلك لا يملك حسابا في احد البنوك العالمية حسب تصريح له في القناة الروسية الأولى يوم 24 آذار/مارس الجاري. ويتوقع المراقبون السياسيون أن تأتي هذه العقوبات أكلها لأنها تمس كثير من القادة المقربين من بوتين الذين من بينهم سياسيون وعسكريون ورجال أعمال على العكس من السياسيون الروس الذين لن يأبهوا بها. وطالت العقوبات الاقتصادية منع التعامل بالفيزا والماستر كارت وتقديم الخدمات المصرفية من قبل البنوك الأوروبية والأمريكية الى بنك روسيا وبنك SMP الذي يملكه الأخوة أركادي وبوريس روتينبيرك وكذلك Sobin bank وInvest Kapital Bank. وتعتبر هذه البنوك من أضخم البنوك الروسية ويعتقد الأوروبيون والأمريكيون أن هذه العقوبات سوف تشل وتضعف من عمل هذه المؤسسات المالية وتؤثر سلبا على الاقتصاد الروسي لما تقدنه من خدمات مصرفية ومالية الى المشاريع الاقتصادية في البلاد وجمهور المتعاملين معها بالإضافة الى بورصة موسكو للأوراق والأسهم المالية.
وجدير بالذكر أن اليابان تمكنت من استحداث نظام فيزا كارت خاص بها لتلافي المشاكل التي يمكن أن تواجهها اثناء التعامل مع نظام الفيزا والماستر كارت الأمريكي. وكذلك صرح رجل الأعمال الروسي علي شير عثمانوف بأنه سوف يقوم بنقل جزء كبير من أمواله الى الصين لإستثمارها في صناعات الحديد والصلب الصينية. وفي تصريح لرئيس وزراء الهند مانموهان سينغ أن بلده لا تؤيد فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا وبنفس المنوال صرحت رئيسة الأرجنتين كريستينا فرنانديز دي كيرشنر أنها كذلك لا تدعم فرض مثل هذه العقوبات.
ولم تنخفض قيمة الروبل الروسي كما توقع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وانما على العكس فقد ارتفعت قيمته كما جاء ذلك في موقع انتيرفاكس الروسي INTRERFAX RU يوم 26 آذار/مارس 2014 وهو أن الدولار الأمريكي انخفض سعره من 35.47 – 35.52 روبل أي بمقدار 5.5 كوبيك أما اليورو فقد انخفض من 48.9695 روبل الى 41.5600 روبل. أن قيمة سلة العملات الصعبة في بورصة موسكو بلغت 200 مليون أمريكي يوميا.
أن الخاسر الوحيد من فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا هو الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي اذا علمنا أن حجم التداول السلعي بين روسيا و والولايات المتحدة الأمريكية هو 3 مليارد دولار أمريكي وبين روسيا والاتحاد الأوروبي هو 2 مليارد دولار أمريكي بالاضافة الى ضخامة استثمارات رؤوس الأموال الروسية التي تقدر 15 مليارد دولار أمريكي.
أن الخاسر الوحيد من فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا هو الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي اذا علمنا أن حجم التداول السلعي بين روسيا و والولايات المتحدة الأمريكية هو 3 مليارد دولار أمريكي وبين روسيا والاتحاد الأوروبي هو 2 مليارد دولار أمريكي بالاضافة الى ضخامة استثمارات رؤوس الأموال الروسية التي تقدر 15 مليارد دولار أمريكي. سيرغي ميرونوف – رئيس حزب روسيا العادلة

الخلاصة
ليس من مصلحة بلدان أوروبا ولا الولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب الوضع الاستثنائي في أوكرانيا وذلك لأن العالم يعرف جيدا تطور الأحداث السريعة في كييف وبقية مدن وأصقاع أوكرانيا. ولم تتدخل موسكو في الشؤون الداخلية لأوكرانيا وانما على العكس حاولت وتحاول أن تحلها سلميا. أن الحرب الباردة ليس من مصلحة أوروبا ولا الولايات المتحدة الأمريكية. ولا ننسى أن الشعبين الروسي والأوكراني عاشا بسلام عبر مئات السنين وأن كييف هي العاصمة الأولى لروسيا وأساس تكوينها حيث كانت تسمى في غابر الزمان كييف روس أو روس الكييفية والتي جمعت روسيا وأوكرانيا وبيلوروسيا وهي الجمهوريات السلافية الثلاث التي أسست الاتحاد السوفيتي 1922-1991 .
المصادر

1. الحوار المتمدن-العدد : 1029 – 2004/11/26 (نظرة على الانتخابات الأوكرانية)
2. الحوار المتمدن-العدد : 1036- 2004/12/3 (غربان الشؤم تطير الى أوكرانيا)
3. الحوار المتمدن-العدد : 1125- 2005/3/2 ( الورود التي تقصم ظهر البعير)
4. الحوار المتمدن-العدد : 4395 – 2014/3/16 (الوضع الاقتصادي والسياسي في أوكرانيا)
5. موقع انترفاكس- نوفستي باللغة الروسية.
6. القناة الأولى للتلفزيون الروسي
7. أعداد متفرقة من صحيفة كومسومولسكايا برافدا لشهري شباط وآذار
8. موقع الحكومة الروسية والرئيس الروسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص