الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البارّ بين الأثَمَةِ

سامي فريدي

2014 / 4 / 20
حقوق الانسان


سامي فريدي
البارّ بين الأثَمَةِ

متى5: 3"طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 4طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. 5طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. 6طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. 7طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. 8طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. 9طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ. 10طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 11طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. 12اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ."

بيلاطس البنطي بعدما أعلن براءة يسوع مما يستوجب الحكم (لو23: 14-15) عرض مبادلته مع بارابس للعفو عنه لمناسبة عيد الفصح. فشمول يسوع بالعفو يعني تجريمه ضمناً؛ ومن ناحية أخرى وضعه مقابل بارابس المتهم بعدة جرائم، ينفي عنه صفة البراءة التي حكم بها على شخص يسوع.
بارابس هذا.. وصفه متى بأنه "سجين مشهور"- (متى 27: 16). ولدى مرقس هو "مسجون مع رفاقه المتمرّدين الذين ارتكبوا القتل في أثناء الشغَب."- (مر15: 7). ويقول عنه لوقا :"ألقيَ به في السجن بسبب فتنة حدثت في المدينة وبسبب قتل."- (لو 23: 19، 25). ويذكر يوحنا ان "بارابس كان لصّا."- (يو 18: 40).
وقد جاء صلبه مع اثنين من المجرمين.."سيق إلى القتل مع يسوع أيضا اثنان من المجرمين. ولما وصلوا إلى المكان الذي يدعى "جلجثة" صلبوه هناك مع المُجرمَين، واحد عن اليمين والآخر عن اليسار."- (لو23: 32- 33)[متى27: 38، 44 ؛ مر15: 27، 32 ؛ لو23: 39- 43 ؛ يو19: 18].
عندما يصل الأمر بشخص ما أن يُحكمَ بالاعدام، لا تعود ثمة أهمية للحديث عن مدى براءته ، او نوعية الناس الذين يُحشَر معهم في السجن أو في منصّة الاعدام. لكن حالة يسوع هنا تشير إلى كم من الأبرياء الذي يتعرّضون لأحكام قضائية تجرمهم وتقتص من حياتهم وتصل حتى الموت، وهم بلا ذنب حقيقي. ودور الوشايات والنفاق والشغب والنزعات العدائية للبشر في تدمير حياة ناس أبرياء وقتلهم.
ان ذكرى صلب يسوع تتكرر كلّ عام، ويجري الاحتفال بها بصور وأشكال متعددة في العالم. ولكنه قليلا ما يجري التوقف عند دلالات تجربة يسوع على الصليب، ومدى زمكانيتها المستمرة والمتواصلة باصرار وعناد غريب. " الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ."- (متى25: 40)
ثمة احصائية قديمة تشير إلى أن نسبة 20% من ضحايا احكام الاعدام في الولايات المتحدة الأميركية تثبت براءتهم بعد ذلك. كم بلدا في العالم يطبق أحكاما قضائية جنائية، وكم هي حالات الاعدام السنوية في كل بلد؟.. وكم هي نسبة الأبرياء والضحايا بين تلك الاعدام؟.. ما من بلد تبلغ به الجرأة ودرجة الشفافية للكشف عن محتويات سجونه وأعداد المعدومين فيه في كل عام. أنني أرجو من قلبي أن يصار إلى إصدار قرار أممي يلزم كلّ بلد وكل جماعة سياسية بتقديم لائحة سنوية تتضمن كشفا قضائيا سنويا بحالات الأحكام الجنائية بما فيها احكام الاعدام وبالتفصيل. وتقييم مستويات البلدان سياسيا وحضاريا بحسب احترامها لقوانين الشفافية القضائية والسياسية ومستوى الاستقرار الأمني والسياسي لكل بلد. لأنه من غير المنطق، ان تستمرّ عجلة الزمن، بينما تتراجع قيمة الانسان وكرامته في العالم، ودونما اهتمام برعاية هذا الجانب، وصيانة كيان الانسان الذي هو سيّد هذا الوجود والتاريخ والجماعة والعائلة. ان مثل هذه الثقافة وتقنينها دوليا وبلدانيا وتربويا كفيل بالحدّ من الاستهتار العالمي بحق البشر.
وإذا كان أحد دلالات صلب يسوع لاهوتيا، وضع حدّ للقرابين الحيوانية التي درجت بعض الشرائع والثقافات ممارستها للتكفير عن الذنوب، فالأحرى كذلك، وضع حدّ للقرابين البشرية التي يجري استرخاصها بمبررات وذرائع دينية وسياسية واجتماعية وقضائية، بدء بالعنف الاجتماعي وأنظمة العقوبات البدائية ولس انتهاء بتطبيقات بعض النصوص الدينية المتخلفة. ويسوع الناصري هو الذي قال:
متى5: 38"سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. 39وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. 40وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. 41وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. 42مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ. 43سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، 45لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ."- (متى5: 38- 45)
"هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ. 13لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ."- (يو15: 12)
ان صناعة السلام الاجتماعي والعالمي لا تأتي من معجزة، أو قرار سياسي، وانما هي امتحان لسعي الانسان ومصداقيته. ان الله قادر بالتأكيد على ملء حياتنا وعالمنا بالمعجزات، ولكن كم من البشر سوف يحترمون تلك المعجزات والهبات ويرعونها. ان تاريخ البشرية يشهد بحجم الدمار والشرّ الذي ألحقه البشر بالطبيعة والبيئة وكلّ الهبات المجانية في البيئة والحياة، وأن وازع الشرّ في نمو واضطراد، بدل الارتداع والعمل من أجل الخير والصلاح والسلام.
ليس المطلوب زيادة عدد المنظومات السياسية والدينية وتشديد عبودية الناس لقوانينها وتعليماتها، ولكن المطلوب، هو العكس، دعم حرية الفرد، وتعاون الأفراد في صناعة السلام وعمل الخير.
المطلوب هو اصلاح قلب الانسان، وتنظيفه من النجاسات، بدء بحبّ الجار والأقربين. وإذا أحب كل فرد جاره ومن حواليه، ففي النتيجة، سوف يحبّ كل سكان المدينة بعضهم بعضا، ولن يتمكن عدوّ الخير من خداعهم واختراقهم. لأنه هو أيضا القائل: "كونُوا واحِدَا، كمَا نَحْنُ وَاحِدٌ"- (يو17: 22)، وهذه الوحدة تبدأ باتفاق القلوب والنفوس والأذهان، انتهاء بكل عمل الانسان.
يسوع صديق الخطاة..
هكذا وصفه الفريسيّون عندما رأوه جالسا مع العشارين والخطاة، فكيف ردّ عليهم..
متى9: "9وَفِيمَا يَسُوعُ مُجْتَازٌ مِنْ هُنَاكَ، رَأَى إِنْسَانًا جَالِسًا عِنْدَ مَكَانِ الْجِبَايَةِ، اسْمُهُ مَتَّى. فَقَالَ لَهُ:«اتْبَعْنِي». فَقَامَ وَتَبِعَهُ. 10وَبَيْنَمَا هُوَ مُتَّكِئٌ فِي الْبَيْتِ، إِذَا عَشَّارُونَ وَخُطَاةٌ كَثِيرُونَ قَدْ جَاءُوا وَاتَّكَأُوا مَعَ يَسُوعَ وَتَلاَمِيذِهِ. 11فَلَمَّا نَظَرَ الْفَرِّيسِيُّونَ قَالُوا لِتَلاَمِيذِهِ:«لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟» 12فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ:«لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبE بَلِ الْمَرْضَى. 13فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ."
يرى الأب متى المسكين أنه يمكن تحديد منهج المسيح في ثلاثة أبعاد:
- البعد الأول.. لمن جاء المسيح؟ وسنعرف أنه جاء من أجل الخطاة.
- البعد الثاني.. ما غاية المسيح من خلاص الخطاة؟ وسنعرف أن الغاية هي أن يدخلوا ملكوت السماء.
- البعد الثالث.. ما هي الطريقة لخلاص الخطاة؟ وسنعرف أنها المناداة الحرّة للتوبة لتجديد الانسان.- (كتابه: الكنيسة والدولة/ ص6-7).
ويقول:"أنّ المسيحية تهتمّ بالانسان من جهة خطيته. الخطيّة مدخل المسيحيّة للانسان، ومنه تنفذ إلى أعماقه لتجذبه من هناك، من اليأس والألم والظلمة، إلى النور والقداسة ومعاينة وجه الله."- (ن. م.- ص7) ولنا هنا ان نفهم الخطيّة بالمعنى الواسع للمفردة والافق اللاهوتي الذي يصف انفصال الانسان عن ربّه. والانفصال عن الله هو غياب الحق والصلاح والسلام وكل خير حقيقي. وهو المنظور الروحي الدقيق لفكرة الصليب باعتباره الكفارة التي دفعها يسوع المسيح من دمه لغفران الخطايا، وعقد المصالحة بين السماء والأرض. وبقدر ما تجسد توبة المرء قراره الشخصي واعلان إرادته في درء الخطيّة، فأن كفارة صليب المسيح هي وثيقة الغفران وتجديد حياة الانسان ودخوله في عهد الحرية والنعمة.
كلّ أعمال وخطاب يسوع الناصري اتجهت للخطاة والمجرمين والمرضى والفئات المنبوذة من المجتمع ومنهم العبيد والنساء والاطفال والأجانب. فالبرص والمجاذيب كان المجتمع يتجنبّهم، والأعمى والأخرس والزانية والطفل ينظر إليهم نظرة أدنى في المجتمع [autsider]. هؤلاء كانوا موضع اهتمام كرازة وعمل يسوع المعلم والشافي والمخلّص.
وقد استخدم يسوع وصف [لص، سارق] في غير موضع [متى24: 43 ؛ لو 12 : 39 + 21 : 34 + 17 : 24 +رؤ 3 :3 + 16 : 15] في الدلالة على موعد المجيء الثاني. كما وردت في الدلالة على الانبياء الكذبة في [يو10: 1، 8، 10 ؛ لو22: 52، مر14: 48].
لكن معنى هذا ليس اختصاص يسوع وعمله بفئات معينة من البشر دون سواهم، لأن الخطاة والمجرمين والمرضى هم بشر أيضا، ووجودهم في مركز الاهتمام ينطلق من حاجتهم الماسة من جهة، ولكن من جهة أخرى لدلالتهم العامة على الجميع. فالخاطيء شخص اعلنت خطيته، وكذلك المريض معروف مرضه ومثلهما الأعمى أو الأبرص أو الأصم حيث لا سبيل لانكار أوضاعهم، ومثل ذلك ينطبق على الزانية أو اللص المحكوم بفرز مجتمعي أو قضائي، وكذلك الميت – في حالة لعازر- ، هذا الاقرار والتشخيص أمام المجتمع هو بمثابة اعلان الذنب أو الخطية، فتكان الخطوة التالية في العمل اليسوعي هو منحهم الغفران والشفاء من الخطية للانتقال للحياة الجديدة. ولكن بالمعنى الروحي، فأن كلّ شخص بعيد عن الربّ هو شخص تحت الخطية ويحتاج إلى المصالحة والغفران والتجديد. فكلنا خطاة حتى نعترف بخطايانا ونتوب لكي تتجدد حياتنا ونخلص من العتيق.
من هذا يتبين ان شخص يسوع الناصري أحبّ الخطاة والمستضعفين والمرضى والناس جميعا حتى وضع نفسه لأجلهم. ولنا أن نتأمل في دلالة محبته الفائقة للصّ التائب وهما في لحظاتهما الأخيرة على الصليب.. مما يعني ان الصليب كان جزء من عمله أولا، وأنه حتى وهو في تلك الحالة المريعة من الألم والمقاساة، لم يتوقف عن محبته وكرازته الخلاصية..
"لوقا23: 39وَكَانَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُذْنِبَيْنِ الْمُعَلَّقَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ قَائِلاً:«إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا!» 40فَأجَابَ الآخَرُ وَانْتَهَرَهُ قَائِلاً:«أَوَلاَ أَنْتَ تَخَافُ اللهَ، إِذْ أَنْتَ تَحْتَ هذَا الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ؟ 41أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْل، لأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا، وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ». 42ثُمَّ قَالَ لِيَسُوعَ:«اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ». 43فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | تعرّض مروحية رئيسي لهبوط صعب في أذربيجان الشرقي


.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري




.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين


.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل




.. وزير الخارجية الأردني: نطالب بتحقيق دولي في جرائم الحرب في غ