الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحزاب في العراق: بين الدكتاتورية والرفض الشعبي

شاكر الناصري

2014 / 4 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لو أجرينا مراجعة لتاريخ الأحزاب السياسية في العراق، التي تقف على هرم السلطة أو تلك التي تتقاسمها معا، لوجدنا إنَّ العديد منها يشكل امتداداً لنمط الأحزاب التي انتشرت في العالم العربي والشرق الأوسط عموماً خلال العقود الماضية وإنَّها وليدة مرحلة الاستعمار والتحرر الوطني وإنَّ الكثير منها تشكل من أجل تحقيق أهداف قومية محددة كما هو الحال بالنسبة للأحزاب القومية الكردية أو لتمثيل طائفة معينة والدفاع عنها ضد الظلم والتهميش اللذان أحاقا بهذه الطائفة أو رداً على سيادة وطغيان الأنظمة الدكتاتورية والشمولية فكانت نسخة مشوهة منها. في حين تشكل البعض منها رداً على وجود حزب ما، ولمواجهة تأثيره على الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية في البلاد كما هو الحال بالنسبة لحزب الدعوة على سبيل المثال.

أما ما تشكل من أحزاب تحت تأثير سقوط النظام البعثي السابق، فإنها سعت لإحياء نزعات تتعلق بالهوية والانتماء ولكنَّها في المحصلة النهائية غير قادرة على مسايرة الأحزاب النافذة التي فرضت وجودها كقوة أساسية في المشهد السياسي العراقي.
ما شهده العالم من تغيرات وتحولات سياسية عاصفة كما حدث بعد انهيار جدار برلين وانهيار الثنائية القطبية التي أحكمت قبضتها على العالم لعقود طويلة، ترك آثاره على العالم وعلى جدوى وجود الأحزاب السياسية في العالم خصوصاً تلك التي دارت في فلك ذلك الصراع وكانت انعكاساً صارخاً له ووضعها جميعاً تحت طائلة السؤال ولكن هذا السؤال ظل بعيداً عن الأحزاب العراقية القائمة آنذاك فعاشت ومازالت في حالة من التخبط السياسي والفكري ولا يمتلك سوى اجترار الماضي والبحث عن مكانة سياسية هامشية .

الأحزاب السياسية في العراق ورغم إدعاءاتها المتواصلة حول الديمقراطية وسلطة القانون والدستور والسلم الأهلي، إلاّ إنَّها في واقع الحال تحمل نواة الدكتاتورية التي ستكشف عن نفسها ما أن يصل أي من هذه الأحزاب إلى السلطة أو أن يتمكن من فرض سلطته على منطقة أو مناطق معينة من العراق.فكل تلك الادعاءات سرعان ما تساقطت ليكتشف العراقيون إنَّ حلمهم بتغيير حياتهم أو تغيير الممارسة السياسية بشكل إيجابي يخدم تطلعاتهم ويخفف حدة إخفاقاتهم المتكررة كان وهماً كبيراً تساقط بشكل مريع وان عليهم البدء من جديد دائما بحثاً عن نظام سياسي لايستند إلى الدكتاتورية أو إلى منطق الإقصاء وخلق النزاعات المدمرة، فما حدث إنَّ العراقيين باتوا يعيشون على وقع صراعات سياسية كلفتهم الكثير من الضحايا وانعدام الأمن والشعور بالخيبة والتحسر على المال العام الذي يُسرق علناً، فأطراف هذه الصراعات لاتتوانى عن اللجوء للعنف و المليشيات واستقدام المؤثر الخارجي من أجل تثبيت نفوذها أو فرض تنازلات على خصومها في الوقت الذي تعمل فيه على تثبيت شرعتها وقانونها الذي يبيح لها السطوة والنفوذ والتحكم بالمال العام واستغلاله لمصالحها .

إنَّ التغيير السياسي الهائل الذي حدث في نيسان 2003 لابدَّ وأن يُنتج ممارسة سياسية جديدة وخلاقة تساهم في إعادة بناء الدولة المنهارة وأن يعيش الإنسان في بلد يحترم كرامته! هكذا توهم الكثير من العراقيين، فما حدث إنَّ كلَّ الأحزاب السياسية باتت تتصارع من أجل فرض التراجع على حياة العراقيين وتحويلها الى ساحة لتصفية حساباتها ونزاعاتها، فتلمَّس المواطن الذي يعيش في رعب متواصل زيف وكذب كلّ الشعارات والأهداف التي رُوجَ لها .

لقد سقطت هذه الأحزاب في العديد من الاختبارات الحقيقية التي تكشف عن مصداقيتها امام المواطن الذي تتملكه المخاوف المتواصلة من العنف والإرهاب المُنفلت وتفتتَ العراق وأصبح المستقبل مجهولاً . فما يتم كشفه من فضائح الفساد وإستغلال المال العام واحتكار الوظائف العامة والتلاعب بمقدرات ومعيشة الافراد ... الخ كان كافياً لأن يجعل المواطن العراقي يتطلع للتغيير والتخلص من هذه الأحزاب لأنَّها وبكلّ بساطة أصبحت عبئاً ثقيلاً على حياته وأمنه وآماله .
وإن أولى النتائج التي أفرزتها تجربة هذه الأحزاب هو أن السياسة قد تحولت في نظر الكثير من العراقيين إلى لعبة للانتهازية والوصولية واستلاب حقوق الأبرياء وأداة لتحطيم الإرادات وتعالي فئة أو مكون على آخر .

من الدروس الحاسمة التي يجب علينا أن نعترف ونجهر بها، إنَّ العراق بحاجة إلى أحزاب سياسية جديدة تجعل من السياسة وممارستها اداة فاعلة في أحداث التطوير والتحديث الاجتماعي والثقافي الذي تأمل العراقيون تحقيقه لعقود طويلة، وان تكون قادرة على التعاطي مع تطورات العالم الذي نعيش فيه بفكر سياسي واجتماعي جديد يفسح المجال واسعاً أمام ولوج الشباب والنساء والفئات الاجتماعية المختلفة إلى ميدان السياسة وبأفاق تبتعد كلياً عن أفق وممارسات الأحزاب التي تتصارع في العراق وفسادها وطائفيتها وحزبيتها الضيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب