الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفلات الأمني وبقاء الشعب

عدنان الكاشف

2005 / 7 / 15
القضية الفلسطينية


"إذا لم يوضع حد للتجاوزات والانتهاكات الأمنية القائمة بهذا الشكل، فان هذه الحكومة ستعلق مسؤولياتها، إذ لا تستطيع أن تقول لشعبنا أننا مسؤولون وفي ذات الوقت هناك إطلاق نار على المواطنيين واعتداءات على ممتلكاتهم وصلت في بعض الأحيان حدود القتل".
"القدس" 15/6
"إن أي مسؤول أمني لا يؤدي الدور المطلوب منه عليه أن يذهب الى بيته فالمواطن الفلسطيني لم يعد يحتمل العيش دون أمن".
"القدس" 16/6
"أعلن من هنا من نابلس جبل النار انطلاق عملية سيادة القانون وحفظ النظام التي سيشارك فيها المواطنون والمؤسسات والمطاردون والفصائل الوطنية والاسلامية، وأننا جميعا متفقون على ضرورة تحقيق أمن المواطن والوطن لكي يعش الجميع بأمان واستقرار".
القدس 23/6/2005

ثلاثة تصريحات صدرت عن رئيس الوزراء أحمد قريع في غضون اسبوع، بعد استفحال حالة الفوضى والانفلات الأمني في المجتمع الفلسطيني، والذي اخذ منحى خطرا بإستخدام السلاح بشكل قاتل، الامر الذي اصبح يشكل مصدر قلق على الحياة العامة، ولعل التصريح الاكثراستغرابا واثارة ومثارا للجدل، ذلك الذي يتحدث عن نية الحكومة تعليق مسؤولياتها اذا ما استمر عليه الوضع الحالي.
الغرابة في هذا التصريح أنه يصدر عن الرجل الثاني في السلطة، والاثارة انه يحمل تهديدا مبطنا، ليس للمتسببين عن هذه الحالة لمحاسبتهم ومساءلة العابثين، ويحمل أيضا هروبا من واقع يتطلب المواجهة والتحدي.
والمتتبع للشأن الفلسطيني الداخلي يلحظ جملة من التصريحات لمسؤولين فلسطينيين عديدين، تصل أحيانا رقما قياسيا مدهشا من حيث عددها وتناقضها حتى على لسان المسؤول الواحد.
والمتتبع أيضا للصحف اليومية يجد العديد من إعلانات الشجب والاستنكار لهذا الحدث أو ذاك، أو الاعتداء على هذا المسؤول او ذاك، سواء إطلاق النار أو حرق سيارة أو الاعتداء على ممتلكات خاصة.. ..الخ.
إن استشراء حالة الفوضى والانفلات الأمني في مختلف محافظات الوطن، أمر يدعو الى الحيرة و السخط في آن واحد، ليجعل المواطن البسيط يتساءل: لماذا يسمح أصحاب وصانعوا القرار، عندنا، للأمور أن تسير باتجاهات خطيرة جدا تهدد كينونة هذا الشعب وتمزق نسيجه الاجتماعي، والأغرب من ذلك أيضا أن أي مسؤول سلطوي أو حكومي عندما يشارك في ندوة سياسية أو ورشة عمل فانه "يدعو الى وضع حد لحالة للانفلات الأمني ومحاربة الفوضى والفساد... الخ"، وكأنه مواطن عادي، وليس ذي صلة بالعمل على التغيير كقائد ومسؤول وصانع قرار!
وعندما يرفع هؤلاء مثل هذه الدعوات فمن الذي يعمل على تنفيذها ؟ ولعل ما جاء في تصريح رئيس الوزراء وكأنه دعوة غير مباشرة وغير مقصودة لاستمرار هذه الحالة المزرية؟! أليس المتضرر الأول والأخير هو المواطن البسيط الذي صدق شعار الحملة الانتخابية الرئاسية "الأمن للوطن والمواطن"، رغم إدراكه الفطري ان تحقيق ذلك سيصطدم بالعديد من العقبات والمعيقات الناجمة عن صراع النفوذ؟ ثم هل الذي يطلق النار ويؤجج هذه الحالة معني بالاستقرار المجتمعي؟ وعلى اثر حادثتين منفصلتين، وقعت احداهما في مدينة رام الله، يقال انه تم تهريب أكثر من 70 قطعة سلاح الى تلك القرية التي كان أصحاب حادثة رام الله منها، وفي محافظة نابلس وأثناء تشييع جثماني شهيدين مؤخرا ، كانت هناك مجموعات مسلحة، شاركت في التشييع، تتربص الواحدة بالاخرى، وبعيون جاحدة، ومستعدة للضغط على الزناد تحت أقل أي نوع من الاحتكاك او الاستفزاز، الامر الذي يستوجب إعادة النظر بجدية، والبحث عن الايدي الخفية التي تحاول جاهدة تغذية هذه الحالة البغيضة. ومن هنا فأن ما قاله وزير الداخلية نصر يوسف في استجوابه امام جلسة المجلس التشريعي بإتهامه بعض قادة الاجهزة الامنية بارتباطها بأجهزة دولة أجنبية، يجب النظر اليه بخطورة بالغة، ومحذرا في الوقت نفسه من حالات الصراع على مراكز النفوذ، حيث أشار حين توليه وزارة الداخلية قائلا:"استلمت مؤسسة أمنية فيها فوضى، ومراكز قوى وشلل وعصابات""القدس" 9/6 . هناك حالة قلق وخوف حقيقية وأسئلة مشروعة، تدور في أذهان مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية من عمال ومثقفين وفلاحين و رجال اعمال وأصحاب رؤوس أموال وسياسيين ومهنيين وشخصيات تعمل في العمل الأهلي والشعبي، وتتجلى حالة القلق هذه في الصفات والتعبيرات التي يطلقونها ويتحدثون عنها في اجتماعاتهم ولقاءاتهم مثل، أن "الوضع خربان، والحالة تعبانة، السلطة ملتعن فاطسها ، وشلة زعرنة وزعران ، وبلطجة.....الخ".
إن الوضع الذي وصفه وزير الداخلية أمام جلسة التشريعي خلال الاستجواب، كان عليه أن يدق ناقوس الخطر، ليس أمام الحكومة والرئاسة فقط،، بل أيضا أمام جميع أعضاء المجلس التشريعي، ولا ندري ماذا حصل في لجنة الأمن والداخلية التي تم تخويلها بمتابعة الموضوع، وهل نكتفي عند باب السب والشتم دون العمل الجاد للقضاء على مظاهر الشللية والعصابات ومراكز القوى! وماذا فعل وزيرالداخلية بهذا الخصوص! أم اكتفي بمقولة اللهم اني بلّغت! أم انه أصيب بالصدمة من هول الواقع، وعدم معرفته به، خاصة وأنه قد أكد لمحدثه في تفبل عزاء الرئيس عرفات انه على استعداد لوضع حد لكافة المظاهر السلبية في غضون ثلاثة أشهر!
إن الاصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتم بمعزل عن محاربة أشكال ومظاهر الفساد المختلفة، الناتج عن مراكز النفوذ داخل السلطة، والذي يعتبر التربة الخصبة لنمو الجريمة المتمثلة بحالة الانفلات الأمني والفوضى وغياب القانون، ليصبح الأمر أكثر تعقيدا عندما يستدعي هذا الاصلاح تغيير قيادات الأجهزة الأمنية التي تعايشت مع هذه الحالة، وبالتالي لا يمكن القضاء على حالة الانفلات، إلا باستئصال قيادات ربطت نفسها بأجهزة مخابرات أجنبية كما يقول وزير الداخلية، ولا نريد أن نبعد كثيرا حتى نعرف عن أية مخابرات أجنبية يدور الحديث، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يكن هناك انفلات أمني في الانتفاضة الأولى، بل بالعكس كان هناك تماسك قوي وتكافل اجتماعي حقيقي، رغم بروز وظهور نوايا سلطوية؟ والجواب ببساطة أنه لم يكن هناك فساد بكل ما يحمله من اشكال ومظاهرسلبية، نظرا لوجود رقابة وانخراط شعبي في العمل الوطني.
للأسف الشديد تصريحات نصر يوسف أمام التشريعي، وكذلك رئيس الوزراء بتعليق أعمال الحكومة، لم تثر أية ردود فعل سواء سلبية او ايجابية من قبل القوى السياسية والمجتمعية، وكأن الأمر لا يعنيها على الاطلاق، وسلمت به وكأنه قدرها الذي لا تستطيع تغييره. انه لأمر محزن حقا أن تصل الأمور الى هذا المستوى، ولم يتحرك ضميرأي مسؤول او وزير من وزراء حكومة التكنوقراط الذين رحب الشعب بهم أثناء تشكيل الحكومة الجديدة، على طريق توسيع القاعدة الشعبية للحكومة والسلطة معا، حتى القوى الأخرى أوالشخصيات المستقلة المشاركة في الحكومة، لم تبد أي موقف أو استنكار أو تهديد بالانسحاب من الحكومة إذا استمر تقاعس الحكومة عن القيام بعملها بتوفيرالأمن للمواطن، وإذا كانت هناك اعتبارات معينة تحكم هذا التنظيم أو ذاك في رسم سياساته الداخلية، فإن ذلك لا يعفيه من تحمل مسؤولياته أمام جماهيره وشعبه.
ويبدو ان أبو علاء قد أدرك خطورة تصريحه قبل غيره من زملائه في الحكومة، ليعدل عنه في التصريحين اللاحقين المشاران اليهما في بداية هذا المقال، وتبقى المهمة المركزية لحكومته هي كيفية ترجمة هذين التصريحين الى واقع، حتى لا تبقى تصريحات المسؤولين غير ذي جدوى، اذا لم تقترن بفرض سيادة القانون واتخاذ اجراءات أكثر فاعلية من خلال:
1- تطهير كافة الاجهزة الامنية من جميع القادة والعناصر التي تعمل على اثارة حالة الخوف والهلع بين المواطنين، من خلال استخدام السلاح الذي بأيديهم ما يثير تساؤلات مشروعة عن طهارة هذا السلاح.
2- مصادرة كل سلاح يشهر في وجه المواطنين أو يستخدم بالاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم.
3- إعادة بناء وتأهيل عناصر هذه الاجهزة، بما يضمن احترام المواطن ويحمي مصالحه.
4- العمل على فرض سيادة القانون من خلال تفعيل القضاء عبر استقلالية كاملة ونزاهة تامة، وضرورة توفير الحماية للقضاة.
5- البدء بمحاكمة المسؤولين عن الفساد بكل شفافية مهما كانت مراكز هؤلاء، خاصة وان العديد منهم بدء يالهروب خارج البلاد.
6- تشكيل مجالس محافظات- وحتى لجان أحياء شعبية- من مختلف القوى والفعاليات الاجتماعية والاهلية في كل محافظة، وبمشاركة فاعلة من كل محافظ، بإعتباره ممثلا للرئيس.

حكمة كونفوشيوس
أخيرا نختتم بما جاء بأحد النصوص المقدسة في الكنفوشيوسية، حيث دار الحديث التالي بين المعلم وتلميذه:
- "سأل تزو كونغ عن ما هي الحكومة الصالحة؟
- فقال المعلم: ثلاثة أشياء يجب توفرها في الحكومة: غذاء كافي وعدد جنود كافي وثقة الناس بها.
- فعاد تزو وسأل: ما الشيء الذي يمكن أن تتغاضى عنه من هذه الأشياء الثلاثة؟
- فأجاب كونفوشيوس: يمكن أن أتغاضى عن الجنود.
- فقال تزو كونغ: وما الشيء الذي يمكن أن تتغاضى عنه من الشيئين الباقيين؟
- فأجاب كونفوشيوس: يمكن أن أتغاضى عن الطعام، لأنه منذ قديم الزمان والموت هو النصيب المشترك بين جميع البشر، بينما شعب لا يثق في حكامه لن يبقى".

فهل هناك أبلغ من ذلك ومهمة أقدس من المحافظة على بقاء الشعب؟ سؤال سيظل مطروحا برسم المرحلة الحالية لتحقيق مهامها وانجاز وأهدافها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآثار المهربة.. تمثال جنائزي رخامي يعود من فرنسا إلى ليبيا


.. بودكاست درجتين وبس | كيف تنشر الصحافة الاستقصائية الوعي بقضا




.. وكالات أنباء فلسطينية: انتشال جثث 49 شخصا في مقبرة جماعية في


.. بعد اقتراحه إرسال جنود لأوكرانيا.. سالفيني يهاجم ماكرون




.. هجوم رفح.. خيارات إسرائيل | #الظهيرة