الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- ذروة التمرد و الترهلات الفكرية في قصيدة لم تكتمل - حوار مع المفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني في -بؤرة ضوء-- الحلقة العاشرة من - العقلنة والإنعتاق الإنساني -

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2014 / 4 / 21
مقابلات و حوارات


" ذروة التمرد و الترهلات الفكرية في قصيدة لم تكتمل " حوار مع المفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني في "بؤرة ضوء"- الحلقة العاشرة من " العقلنة والإنعتاق الإنساني "

من رواق الأدب والثقافة
20.أ. عند كتابة القصيدة هل تختبئ بين ثناياها لتجسد ذروة التمرد ؟

الجواب:
كتابه القصيدة هي في حدّ ذاتها فعل مكتمل , فعل قول خالص لذاته, speach- act , حسب "أوستين ", و هو بالتالي مطالبا لا بالإخبار أو التقرير أو التبرير . هو لا يجسّد " دورة التمرّد " أو جوهره و لا نقاء الفكرة و المثال, بل هو التحقق الاستعراضيّ للتّمرّد . فالقصيدة ليست قصدا ومقصدا و بل هي تجويف له و علّة تقسم ظهر سواءه , تخرّب اطمئنانه لهيبة المعنى في عديد الاتجاهات . إذ هي باشتغالها على اللغة و باللغة فإنّها تقطع جسور مرجعيّتها و تحطّم دعوى شفافيّتها/ مرآويتها القائلة بنقل العالم على ما هو عليه , و بالإشارة المرجعيّة إلى الذوات و الأعيان مستخدمة في ذلك - في عمليّة التخريب – معاول الانزياح : بالاستعارة و المجاز و التوقف و الحذف و التكرار , و استدعاء غريب اللفظ و الاختلاق و تحريف مجاري الصرف..., و بتشكيلها للصور . تمعن القصيدة في التلاعب بمألوف المدركات و بمستحكم القيم و المعتقدات. تعيد خلط أوراق النظم الرمزيّة, تتسكّع و تعربد في ساحات حقول الدلالة , تنزل المركزيّ منها من عليائه و ترفع الهامشيّ إلى ملكوت خلق مستجدّ الرموز و عجيب عوالم القصور المسحورة . و ما لم تكن القصيدة كذلك فهي لن تعدو أن تكون سوى تناصّ كسيح متهافت و نظم مكرور, او هي تكريس لتقليد الشعر بما هو نظام لسلطان القول المأثور , موقّعا و موزونا ؟

*
*

20. ب. وكمفكر سياسي هل ستنقل من خلالها مايحدث من ترهلات فكرية ومأسي إنسانية ؟

الجواب:
انطلاقا من مسلّمة كون أنّه لا فكر و لا وعي خارج اللغة , و بما أن القصيدة هي ذلك الاستخدام المخصوص للغة المسوم بالشعريّة , فهي لا تنكتب أو تتحقق إلاّ من خلال الدفع بالذاتيّ إلى أقصى الحدود لغويّا , إلى تلك الثغور و الأصقاع و المنافي , التي تجعل من الذاتيّ كونيّا . ليكون الشاعر ذلك الكائن الذي يقتات من الضباب ...ليغدق وطنا , لا بل كونا .
و قد كتب الشاعر محمود درويش في مجموعته الشعريّة " لا تعتذر عمّا فعلت " و في قصيدته : "لا تكتب التاريخ شعرا" ما يلي:
لا تكتب التاريخ شعرا هو
المؤرّخ لا يصاب برعشة
الحمّى إذا سمّى ضحاياه
و لا يصغي إلى صرخة الجيتار
(..............)
فلاسفة و فنانون مرّوا من هناك
و دوّن الشعراء يوميات أزهار البنفسج
ثمّ مرّوا من هناك ... و صدّق الفقراء
أخبارا عن الفردوس و انتظروا هناك.
يفيد هذا المقطع من شعر درويش بتفكّر العلاقة المستشكلة بين الشعر و التاريخ / الوعي السياسي و الاجتماعي و لعلّه من الأجدر بنا أن نشير إلى تدرّج درويش في النظر إلى تجربته الشعريّة من جهة القول بأنّ للوعي بمثل هذا الموقف من " السيّد التاريخ " لديه , لم يتبلور بالوضوح و النضج الكافيين إلاّ بعد خوضه مرحلة من العناء المعرفيّ و الإبداعي و من علامات تلك المعاناة ثلاث محطات فارقة و هي : قصيدة " الجداريّة " المطوّلة , و مجموعة " لماذا تركت الحصان وحيدا " , ثم مجموعة " لا تعتذر عمّا فعلت ", التي بها غادر محمود درويش منطقة الشعر الوطنيّ المحمّل بهموم التراب و الزيتون و الوطن و المقاومة , أي الشعر السياسي و الايديولوجيّ, ليتّجه نحو الشعريّة الخالصة , الى القصيدة التي تختار شكلها و نفسها الكونيّ . إذ لم يحتفظ درويش من خزانة رموزه الوطنيّة إلاّ ببعض الأدلّة و المواطن التي من أكثرها تواترا في شعره الجديد رمزيّة الطير المهاجر: الطائر الدوريّ...
و بهذه النقلة النوعيّة التي يصفها درويش نفسه بـ " القفز إلى الهاوية ", تكون العلاقة بين الشعر و السياسة قد شهدت تغييرا جذريّا , من استتباع السياسيّ للشعريّ إلى تنويع سياسة الشعر, بالكيفيّة التي يصبح معها الشعر هو أفق السياسة و ليس العكس. و هي لعمري العلاقة الطبيعيّة الأصيلة , على اعتبار أن السياسة هي الارتهان بالمتعيّن الظرفيّ , بينما يتعالق الشعر مع الوجوديّ و المطلق الأزليّ . السياسة نظام يقوم على التغيير بالكسر و الانتفاء و الشعر منظومة تعمل بجدل الهدم و البناء. و تتحرّك دلالة " الحريّة " في القصيدة برشاقة الفراشة و بتعدد الألوان الرمزيّة بين " عيون إلزا" عند إيلوار و "بحر أيلول الجديد " عند درويش و طريق "سمرقند " عند أدونيس , بينما تعقلها السياسة في مفهوم واحد أحد كأن يكون فرضا فلسطين أو الاشتراكيّة .
و بنظرة أبعد في الزمان و المكان , نرى أن شعر المتنبي على عظمته لا تستدعي منه الذاكرة الجماعيّة -بقطع النظر عن اهتمامات المختصّين و الأكاديميين - غير صور الحكمة ذات البعد الأزلي ّ , بينما تستبعد النواحي الخاصة بمعاركه السياسيّة و و في المقابل يحفظ التداول لابي نواس جزءا اهم من خمرياته نظرا لارتباطها بتفاصيل كونيّة لها صلة بمتعة الحياة , بالإضافة إلى غياب السياسي فيها أو ضآلته .
و خلاصة القول في هذا السياق , و دون فصل للمقال , يمكننا الادعاء بأن الايديولوجيا بما هي نظريّة أفكار , و بمعنى الاعتقاد و المبدئيّة , تظلّ مبثوثة بدرجات متفاوتة في النص الابداعيّ , نظرا لأنّ لكلّ فرد عاقل بما في ذلك المبدع , فلسفته الخاصة في الحياة , فريدة أحيانا , لكنها غالبا ما تكون مشتركة تدور حول السائد من القيم و الأفكار و مع فارق في درجة الوعي الحاد بها لذي المثقّفين . أمّا عن تفضيل حضور السياسيّ في الشعريّ من عدمه, فإنّ الموقف التقدّمية حسب رأيي يفترض القبول بالتعدّد , أي بتساكن الحساسيات و التيارات الشعريّة المختلفة : للشعر الملتزم و الشكلانيّ و الصوفيّ و العاطفيّ و غيرها . وأن التنوّع كان و سيظلّ موجودا في أغلب العصور, و إن طغى اتجاه ما على غيره في مرحلة محددة. كما أنّه علينا في المرحلة الراهنة أن نغادر منطقة إصدار الأحكام انطلاقا من ثنائيّة الخطأ و الصواب الوضعانيّة , خاصة فيما يتعلق بحقول الابداع. , لندخل عصر الفكر الاحتماليّ. أمّا سلوكيّا و إيتيقيّا فعلينا الاقرار بحق الاختلاف , و بأن لا نعالج صعوبات التحرّر إلاّ بالمزيد من الحريّة , ذلك هو الشرط الذي سيتحقق باكتساب القصيدة اقتدارها الذاتيّ من خلا تأثيرها الفعلي و الجماليّ , على خلخلة الركود ...بدون إسناد معنويّ أو ماديّ لسلطتها من خارجها.

*
*

21.كشاعر متى خانتك الكتابة، وتوقفت عند قصيدة لم تكتمل بعد ؟

الجواب:
ليست الكتابة في الأصل غير نوع من ألخيانة إنها الخيانة ذاتها, الخيانة بما هي " نسيان للوجود بالاستغراق في متاهة الموجود " على حد تعبير "مارتن هيدغر " في كتابه الوجود و الزمان . ذلك أن الكتابة كتقنية رسم للعلامة القوليّة , هي في واقع الأمر أثر لما عداها , بقايا لما أو كان هنا , هي تعبير عن غياب لحضور سابق يقتصر في وظيفته على المسك بخيط واه من طلب حضور / استحضار ما لكائن انسحب بتلك الكيفيّة التي أصبح معها مضطرّا لتسجيل حضوره بوسيط الكتابة .
فالكتابة إذن هي استعاضة بنظام اختزاليّ من الأدلّة ( الخطاب , النص ) عن الحضور الكامل و الممتلئ , عن سكنى اللغة بالكلام , بفعل القول الحيّ الذي عرف عهده الذهبيّ مع الأسطورة . هو ذات الكلام الذي جاءت به النصوص الكبرى المؤسسة من التعاليم و و رسائل القول المقدّس / الوحي و النبوءات و إشراقات العرّافين ...ليستبعد فجأة و يترك مكانه لخطاب اليقين المكتوب و ويركن إلى جهة الخطابة كتقنية و أداة وظّفت لخدمة السلطة ألسياسية بعد أن تمّ إخضاعها الى القولبة و التبسيط في قواعد و صيغ البلاغة المكررة , و في محسّنات البيان و زخرفه السطحيّ .
وحدها القصيدة ظلّت تحمل عبأ الكلمة البكر, متنكّرة بحيل الاستعارة و المجاز , من أجل أن تحافظ على أسرار الترابط العضويّ بين القول و الفعل , و سجينة في معتقل " المحاكاة " ـ محاكاة الحقيقة ـ بسبب ما حكم به النظر الفلسفي الأفلاطوني على الفنون كلّها و نقلها من منزلة إنتاج المعني Sémiosis إلى درك تقليد الواقع / المثال Mimosis . فكان على القصيدة أن تتجشّم عناء رحلة « عبور الصحراء " الطويلة , مزوّدة بماء الغموض و ذخيرة الاحتمال . فهل للقصيدة إمكان للخروج العظيم الجديد ؟ و هل لها أن تكتمل ؟
لعلّه بالإمكان القول أنّه ليس هناك من قصيدة مكتملة , و أنّه ليس على القصيدة أن تكتمل , إذ لو اكتملت لتوقّف الشعراء عن القول , و لختم المعنى , و لساد العالم صمت جليديّ رهيب , أو صرير بلاغيّ عدميّ لجعجعة اليقين ؟
لذلك فإنّ الشاعر لا يبدع في الحقيقة سوى قصيدة واحدة, تظلّ مفتوحة على التخلّق بالولادة و التجدد ما دام الشاعر متورّطا في الحياة, و منشغلا بصيانة أسباب البقاء.
و مثل القصيد مثل شجرة يغرسها الشاعر فتنمو بجذع هو شخصيته الفنيّة , أسلوبه و عنوان فرادته , و تتفرّع أشكالا متنوّعة بالصور البهيجة و المخلخلة . تبدو القصيدة ـ الشجرة شبيهة ببنات جنسها, لكنها مع ذلك تختلف عنها في الآن نفسه بمساحة فيئها و بكثافة نشرها و اكتناز ثمارها. كما يتحوّل الشاعر من زارع إلى بذرة تجدّد دورة الخصب , تعود إلى التربة بقانون " تفاحة نيوتن , أو برحلة طير مهاجر و انتجاع ضباء , لتعيد معجزة النبات بالانبعاث في دورة الخلق و الابداع .
فالقصيدة التي لم تكتب بالمعنى الحرفي و المرجعيّ للعبارة , ما هي إلاّ خلق في طور الكمون , هي استراحة شتويّة تنتظر نذر الدفء لتبرعم و تتفتّح و تزهر من جديد ...


انتظرونا والمفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني عند رواق الأدب والثقافة وسؤالنا " 22.كناقد ماالذي يعتريك حين تجتذبك بعض النصوص ، فتشمر عن أدوات النقد ، لتمارس طقوس رؤاك في تشخيص العمق الجمالي والإبداعي أو مواطن الضعف فيها ؟ "- الحلقة الحادية عشر .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: لم نكمل إزالة التهديد لكننا غيرنا مسار الحرب


.. عاجل | وسائل إعلام إسرائيلية: مقتل إسرائيلية وإصابة آخرين في




.. حرائق وأضرار في كريات شمونة والجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مس


.. ماذا تريد إسرائيل من ساحة غزة؟




.. لماذا مخيم جباليا؟