الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استذكارات : عن الشحاذ والي الاعرج او العراق , لا فرق

سعدي عباس العبد

2014 / 4 / 23
الادب والفن




استذكارات : عن الشحاذ والي الاعرج او العراق . لا فرق



• ...... وكما يخيّل ليّ باستمرا .. ..ودائما كنت ارى إلى العراق . شيخ منهك .. بلحية كثة نافره .. يرفل باسمال من جار عليه القدر ..كنت اراه على الدوام متسربلا بالجراح ... شيخ طاعن بالسنوات .. يمشي وحيدا متوكأ على شيخوخته .. او هكذا كانت ملامح العراق في مخيّلتي ..ولا ادري لماذا أخاله على هذه الهيئة الممعنة في البؤس والشجن ... وكلما استغرق عبر مخيّلتي في اجترار ملامح العراق , تثب إلى ذاكرتي ملامح احد بؤساء زقاقنا .. ذلك البائس المشلول التي حفرت الفاقه عميقا في روحه وبدنه وتركت آثارا قاسية من الانيميا مطبوعة على سحنته وعلى احد اطرافه السفلى الشبه مشلولة .. كان اسمه : والي الاعرج ..ونحن الصغار .. الصغار في كلّ شيء . ننعته ب ابو العجايز .. والحقيقة لا نعلم اوّل من اطلق تلك الكنه او اللقب او العلامة الرمزية .. التي لا تتطابق حتى في حدّها الادنى مع ميول وسلوك ذاك الوالي ..فهو شيخ وقور دمث . يميل للعزلة والصمت ..ويحترف الشحاذة كمصدر وحيد لإدامة الاستمرار في الحياة .. كان يقطن داخل بيت مشيّد من الطين وجريد النخيل يقع عند منتصف الزقاق .. لايعيل احدا سوى اخته : تسواهن . وهذا هو اسمها وعلامتها وقدرها وخرابها , لم تكن تلك التسواهن متزوجة ..كانا وحيدين . . موغلين في عزلتهما .. باب بيتهم المتصدع المصنوع من بقايا نفايات الجينكو . كان مغلقا طوال اليوم .. وكنا نحن الاطفال الاشقياء المتمرسين بالشيطنة والمشاكسة , نجد لذة لاتضاهى في قذف الباب بالحجارة . كنا نفعل ذلك كلما سنحت الفرصة لذلك .. ولا احد يزجرنا من اهل الدار ..او من العجوزين البائسين .. ولاندري كيف تسربت لاسمعنا ذات وقت ما .. معلومة , كنا نعدّها انذك اقرب ما تكون الى شيء مفعم برائحة السحر والدهشة , كانت المعلومة او الخبر تقول انّ والي الاعرج يكنز ذهبا ونقودا معدنية من فئة الدراهم في صفيحة او وعاء او علبة سمن فارغة .. من تلك العلب ذات الحجم الكبير .. اتذكّر حاولنا مرات عديدة السطو على ذلك الكنز المزعوم .. غير انّ سائر محاولاتنا بائت بالفشل ولم يحالفها النجاح في الاستحواذ على النقود .. حيث كنا نحن الشياطين كما ينعتنا الكبار .. نحلم جدا بتحسس بريق الدرهم الذي لم يدخل لجيوبنا الا في ايام العيد .. الآن وبعد مرور سنوات عديدة على اندثار ذلك المشهد ..وانطماره في احدى حفر النسيان بكامل كنزه وواليه وتلك الاخت العجوز العانس ..يبرز من جديد . ذلك الوالي الاعرج .. يلوح على مقربة مني .. ولكن بملامح مغايرة , اشد بؤسا وانهكا من والي .. لا ادري من اين تدفق هذا الوالي الجديد , المسمى : العراق .. او هكذا كان يطلق عليه .. ونحن الكبار في القحط والحرمان ننعته ببلاد السواد او الرافدين .. كم هو شديد الشبه بملامح والي .. اوكم هو والي شديد الشبه بالعراق او هكذا كان يخال ليَّ.. كان الاثنان يلتقيان في خواص متماثلة , يشتركان في سمات توحد ملامحهما .. فوالي كان كما العراق يكنز الذهب .. ولم يوظفه لضرورات التي تستوجبها طبيعة الحياة .. وكلاهما يرفلان بالحرمان والفاقه .. والي نتاج قدر اعمى ..والعراق كذلك .. والي تأريخ طويل من الشلل .. والتوغل بعيدا في مجرى من الحرمان .. تأريخ مشوّهة تؤرشفه الحجرات الطينية , المؤثثة بالرطوبة شتاءا .. والناضحة حرارة قاسية صيفا .. حجرات على مقربة من مناخ العراق ..والعراق هو الاخر تأريخ طويل من الخرابات المتعاقبة على مر الطواغيت .. العراق نتاج قدر جغرافي او صدفة ليس لها صلة بالتحليل او النظرة الميتافيزيقية التي تزعم انّ الاشياء نتاج ارادة مطلقة , غيبية .. والي .. نتاج جملة ظروف وعوامل تآزرت في تضافر عشوائي ..فانتجت في نهاية الامر قدر والي .. القدر الذي كان يتشكّل منه زمان ومكان والي .. فاكتسب والي رائحة المكان . الرائحة التي خضّبت روحه بنكهة الحجرات ورائحة الطين والرطوبة .... العراق مكان خصب لانتاج القحط والوجع ..العراق ذاكرة تؤرشف فقط .. تؤرشف لخراب الاوبئة والفيضانات والعوز والحروب .. العراق حاضنة لامثيل لها لانتاج الطاعون والسل والكوليرا .. والي ضحية المكان الذي اصطفاه القدر , المكان كان العراق ..ووالي تحدر من هذا المكان . فاتسم بكل محمولاته .. والي رحل من المهدِ الى القبرِ , وما بينهما فاصل طويل وطويل جدا من الحرمان والشقاء .. لكنه لم يغادر ذاكرتي , فبقي كأثر شاخص في ارض الحرمان .. اثر لا يزول الا بزوال واندثار الذاكرة ... فكلما يلوح ليّ طيفه الاعرج .. تلوح معه ملامح العراق ..اشعر بوشيجة حميمة تصل بين الاثنين ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي