الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المزاودة في سيكولوجيا العقل السوري

خالد قنوت

2014 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


في 24 نيسان سنة 1955 عقد في الدولة الاندونيسية مؤتمر باندونغ الذي حضره قادة و زعماء ذلك الزمان و كان من أهم نتائجه أن وافقت كلاً من الجمهورية السورية و جمهورية مصر ممثلة برئيسها جمال عبد الناصر بمقررات مؤتمر باندونغ التي تقر بقبول قرار الأمم المتحدة رقم 181 الصادر في 29 تشرين الثاني سنة 1947 القاضي بتقسيم فلسطين.
في عام 1961 يقف الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ليقول: (ليس لدي خطة لتحرير فلسطين) و يرضى بعدها بالتراسل مع الرئيس الأمريكي جون كندي و يقبل سنة 1969 مبدئياً بخطة السيناتور الأمريكي وليم روجرز الأولى للسلام.
لم تكن قضية تحرير فلسطين هي أولى أولويات الرئيس عبد الناصر بل كانت مصر و إعادة بنائها فكانت له خطوات جبارة في ذلك كتأميم قناة السويس و صد العدوان الثلاثي ثم بناء الجيش المصري و صفقات السلاح التشيكية ثم السوفيتية و بناء السد العالي و بناء مجمعات حلوان للصناعات الثقيلة و بناء الأمل في أجيال المصريين.
تشير تحاليل و شهادات سياسيي ذلك الزمان أن بعثيي سورية هم من ورطوا عبد الناصر في القضية الفلسطينية خلال دولة الوحدة ثم بالمزاودة عليه خاصةً بعد الانفصال مما دفعه إلى رفع شعار حرب التحرير الشعبية و شعار كل شيء من أجل المعركة كان بنتيجتها هزيمة حرب حزيران 1967. كان من خطايا عبد الناصر أنه لم يقف عام 1964 بالمرصاد ليحارب سياسة المزاودة و اعتبارها مسألة جوهرية في قضية الوعي العربي لأن كل القوى السياسية التي كانت تمارس المزاودة في القضية الفلسطينية هي نفسها القوى التي هيأت لاجواء اليأس و الاستسلام و في الخراب الذي حصل تجاه قضية فلسطين و في اتجاه قضية الديمقراطية و انتشار المعتقلات و المجازر و في الانقسامات العربية العميقة و ساهمت في خراب الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و تأسيس انظمة النهب و الاستبداد و قيام التيارات الدينية المتطرفة.
استذكر التاريخ المعاصر الذي عاشه الكثيرين منا و قرأ عنه الكثيرين, لنسقطه على واقعنا الحالي بعد قيام الربيع العربي منذ انتشار النيران بجسد التونسي محمد البوعزيزي ليستقر الحال منذ ثلاثة سنوات على الثورة السورية و ما وصلت إليه.
يصف الراحل إلياس مرقص الحركات الجماهيرية على امتداد البلدان العربية في الفترة الناصرية بأنها (حركات جماهيرية بالمعنى الايجابي لكلمة جماهيرية حيث الجماهير هي الكتل البشرية الكبرى زائد فكرة التقدم) فما الوصف الممكن للحركات الجماهيرية العربية في ربيع 2011؟ و أخص بالذكر هنا الحالة السورية.
لا شك أن الوصف يتطابق مع توصيف الكتل البشرية و لكن هل زائد فكرة التقدم؟ أم هي مجرد حركة و فقط؟. هذا سؤال جوهري علينا جميعاً أن نسأله لأنفسنا لنبدأ بإعادة تقييم هذه الثورة بتوصيفها الواقعي و الحقيقي ثم العمل على زيادة فكرة التقدم لها.
الحركات الجماهيرية الشعبية كانت نتيجة ظروف موضوعية سياسية و اقتصادية و اجتماعية فرضت من قبل مفرزات نظام البعث السوري الذي انتج نظام نهب عائلي تمثل بعائلة الأسد لتحول دولة جمهورية إلى حكم وراثي لم تفلح بقية الأنظمة العربية في تحقيقه بسبب ربيع 2011 و كان من سوء حظ السوريين أنهم اضطروا و تحت تهديد الدمار أن يقبلوا بالتوريث دون أن يدركوا أنهم أمام مشروع تدمير وطني أكبر و أعظم, حيث الدولة مغيبة و المؤسسات تحولت لفروع أمنية و أصبحت المنظومة الأمنية أكبر من الدولة و الوطن و فوق الجميع.
ثلاث سنوات و ضمن استراتيجية متماسكة عمل النظام على بعثرة أي جهود لإضافة فكرة التقدم على الحركة الجماهيرية لا بل احتوى و احتكر فكرة التقدم بوجوده و بقائه و هذا أهم اسرار بقائه حتى اليوم إضافة للدعم اللامتناهي من قوى دولية قدم و يقدم لها خدماته و خبراته المخابراتية.
في الجانب الآخر لم تسمح الظروف على الأرض بقيام قوى سياسية تفكر أو تعمل لإضافة فكرة التقدم على الحراك الجماهيري العظيم لأسباب كثيرة منها دموية و عنف النظام و تواضع أداء المعارضات التقليدية و نزوح الكثير منها خارج الوطن و لكن كانت هناك قوى سياسية تمارس سياسة المزاودة منذ اليوم الأول حتى تثبت مقولة أن الأنظمة الاستبدادية لا تنتج سوى معارضات استبدادية مثلها.
مزاودة في حجم و شكل التدخل الاجنبي و مزاودة في حتمية حمل السلاح دون استراتيجية وطنية موحدة و مزاودة في تحجيم قوة النظام و إطلاق الوعود بإسقاط النظام بين الفترة و الأخرى و المزاودة في حجم الدعم العربي و الغربي و الأمريكي للثورة و المزاودة في تجاهل الدور الروسي و الايراني ثم المزاودة على أهداف الثورة نفسها في طلب الحرية و الكرامة و الديمقراطية و المزاودة بالحل الاسلامي للدولة ثم المزاودة بالصراع الطائفي المذهبي في بلد لم يشهد بتاريخه مثل هذا الصراع.
في السياسة, التي مازلنا نفتقدها حتى اليوم في الثورة السورية, لا يمكن أن نعمل على مبدأ ردود الأفعال المستمر دون أن تكون لك القدرة على الفعل العلمي و الواقعي و هذا الفعل ليس بالضرورة أن يكون مبنياً على روح الثأر البدوية بالمعنى السلبي في بلد تجازوها بمراحل جيدة. يقول أحد المفكرين (أن الحقد مرشد سيء في السياسة) و لكن مزاودي المعارضة مازالوا يضعون الحقد و الانتقام فوق أي سياسة و بأنهم يريدون كل شيء أو لا شيء, إنها بالضرورة سياسة اللاعقل العقيمة التي ندفع ثمنها غالياً.
الثورة كحركة جماهيرية سلمية كانت أم مسلحة, لن تصل إلى أهدافها دون فكرة التقدم التي تتحقق عندما تكون السياسة أحد أهم معاركها. و نحن نتجاوز السنة الرابعة مع كل هذا الدمار و الدم السوريين, علينا أن ندرك أن العمل العسكري هو فوضى بدون عمل سياسي إلى جانبه و يقوده ضمن أجندة وطنية تحارب سياسة المزاودة و التهويل و خلط الأحجام و تضخيم الأحلام و المعارك المتعثرة و المبعثرة, لأن من يمارس المزاودة إما أنه جاهل في العمل السياسي و إما أنه تاجر يبيع و يشتري بدماء السوريين و يؤسس لليأس و الخراب و الاستسلام و لضياع تضحيات عظيمة و ترسخ نظام الاستبداد بشكله الحالي أم باشكال أخرى أكثر استبداداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيلينسكي يحذر من خطورة الوضع على جبهة القتال في منطقة خاركيف


.. لماذا يهدد صعود اليمين مستقبل أوروبا؟




.. بيوت منهوبة وافتقار للخدمات.. عائلات تعود لمنازلها في أم درم


.. زلزال قوي يضرب غواتيمالا




.. ترقب في إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية في قضية -الإبادة ا