الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اكاذيب الثورات وأصحاب الثروات!

عماد فواز

2014 / 4 / 24
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


شهد التاريخ الحديث لمصر خمس ثورات، اختلفت أحداث كل منها من حيث الأسباب والنتائج، لكنها اتفقت وبشكل غريب في أساس واحد قام على فن ترويج الأكاذيب وصناعة المنتفعين من الوصوليين والمنافقين، فصنعت كل ثورة رجالها المدافعين عنها والمروجين لأكاذيبها، وتأكد من خلال الثورات الخمس أن "الكذب" كان عماد كل نظام وضمان بقاؤه مؤيدا من الشعب.

"الثورة العرابية وثورة 1919"

يمكن تشبيه الفترة ما بين الثورة العرابية وثورة 1919 والتي امتدت 37 عاما، بليل طويل حالك السواد، جاء بعد غروب شمس العرابيين، وقهر الأمل في قلوب المصريين، ففي هذه الفترة أصبح كرومر المعتمد البريطاني فى مصر سيد البلاد بلا منازع، وصاحب الأمر والنهي فى كل مقدراتها، وأضحت دار المعتمد مقصد طلاب الحاجات والباحثين عن الثراء والجاه والمجد.

ويؤكد الكاتب الكبير جمال بدوي في كتابه "نظرات في تاريخ مصر" أن هذه الفترة شهدت انتشار موجة الفساد والنفاق والوصولية.. وكانت الهزيمة كالإعصار المدمر اكتسح المبادئ الخلقية والقيم الروحية.. وساد اليأس والقنوط حتى ظن الناس أن ليل الاحتلال ليس له صباح.

وكان من المؤسف أن نجد كبار الأدباء والشعراء يدبجون قصائد المديح في جبار الاحتلال كرومر.. وينشرون ما تجود به قرائحهم في كل مناسبة انجليزية، وكان من الطبيعي أن يقتدي بهم صغار الشعراء والأدباء، وأن تتأثر بهم الجماهير التي كانت تتلقف ما يكتبون بإعجاب وشغف.

ثم بدأ كرومر خطة جهنمية لتغيير خريطة المجتمع المصري، وأظهرته الصحف الموالية للانجليز وكأنه الفارس الموعود، الذي بعثت به الأقدار لتحقيق الأماني القومية التي فشل الثوار فى تحقيقها.. لقد ثار المصريون على السخرة والظلم والغطرسة التركية والارستقراطية الشركسية التي احتكرت ملكية الأراضي الزراعية، وكتمت أنفاس المصريين، وسعدت بفشل الثورة، فعمل كرومر على تغيير الهرم الاجتماعي بما يظهر طبقة من كبار الملاك المصريين تزاحم الفلول الشركسية وترثها، فبرزت على سطح المجتمع الفئة الجديدة من الملاك المصريين تدين بالولاء للاحتلال، ليس عن كفر بالوطن، ولكن عن شعور بأن مقامهم ارتفع بقيام السلطة الجديدة التي أنقذتهم من طغيان السلطة القديمة، والتي لم يكونوا يستطيعون لها دفعا.

" ثورة يوليو 1952"

وجاءت أحداث 23 يوليو 1952، وانقلب اللواء محمد نجيب على الملك فاروق، وأيد الشعب هذا الانقلاب لما أطلقه الضباط الأحرار من الأماني والوعود للفقراء، فأصبحت ثورة شعبية، وقام مجلس قيادة الثورة بسحق الأسرة المالكة والأمراء وكل من كانوا على صله بها والمستفيدين من الملك ونظامه، وانقلب عبد الناصر على محمد نجيب، وأيضا حصل على تأييد الشعب، فأصبح الانقلاب ثورة، وأطلق مجلس قيادة الثورة والمدافعين عنه والمتملقين له والطبقة الجديدة من المنتفعين أكاذيب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والشعارات الرنانة، واكتسب عبد الناصر ثقة الفقراء بما اسماه قانون الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي الزراعية المصادرة من الإقطاع على صغار الفلاحين، وما تبعها من قرارات وإجراءات كانت وقتها تصب فى صالح الفقراء، وسريعا ما تكونت طبقة جديدة من الأثرياء، استثمروا شعارات الثورة، فكونوا الثروات والنفوذ، واشتروا الأتباع لترويج الأكاذيب التي باتت بالنسبة لهم مربعة، وخلال 60 عاما من حكم العسكريين تكونت طبقات من الأثرياء الجدد، استغلوا شعارات العدالة الاجتماعية ومجانية التعليم ومجانية العلاج ودعم الفقراء لتخدير الشعب، وبعد 60 عاما اكتشف الشعب أنه مخدوع، فلا التعليم مجاني ولا العلاج ولا حتى الدعم يصل اليهم، وكثرت البطالة والفساد، فثار الشعب على الرئيس الاسبق حسنى مبارك وخلعوه هو ونظامه شر خلعه.

"ثورة 25 يناير 2011"

وبعد ثورة 25 يناير 2011 وخلع مبارك، تصدرت جماعة الإخوان المسلمين المشهد السياسي وقدمت نفسها للثوار والمجلس العسكري الحاكم المؤقت على أنها التنظيم السياسي الوحيد الموجود القادر على القيادة، وأمام تخبط الثوار وعشوائيتهم وضعف المجلس العسكري فرضت جماعة الإخوان نفسها على الساحة كأمر واقع سريعا ما تم ترجمتها بالسيطرة على مجلس الشعب، ثم الانتخابات الرئاسية، وملكت الجماعة كل مقاليد الحكم فى مصر.

لم تستسلم فلول الحزب الوطني المخلوع للأمر الواقع، فتوارى قيادات الحزب عن الأنظار مسلمين لقرار الحل في العلن، لكنهم أسسوا قناوات فضائية وانطلقت هذه القناويات لدفع الرأي العام الى التسليم بأن ثورة يناير مؤامرة من تدبير الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وقطر لهدم الدولة مستغلين الإخوان كمعول لتنفيذ المخطط، ومع تكرار هذه الاكاذيب اقتنع الرأي العام المصري بما يروج له عبر قناوات فلول الحزب الوطني، وساهم فشل جماعة الإخوان الذريع في تكوين جماعة من الشباب أطلقت على نفسها "حملة تمرد" لإسقاط جماعة الإخوان المسلمين، وبالفعل نجحت الحملة فى جميع ملايين التوقيعات على عزل الجماعة من الحكم فى ايام قليلة معدودة، وبذلت كافة التيارات السياسية والجماعات والحركات السياسية وغير السياسية مجهودات مضنية لإسقاط الجماعة، ليس ذلك وحسب بل تدخلت أجهزة حكومية سيادية وكذلك إعلام قيادات الحزب الوطني لقيادة الحملة والترويج لها، وأعلنت الحملة يوم 30 يونيو 2013 موعدا للتظاهر لخلع مرسي وجماعته عن حكم البلاد، وساهمت استفزازات قيادات جماعة الاخوان للرأي العام من حشد الرافضين لحكم الإخوان في الميادين، وتدخلت القوات المسلحة سريعا ومنح الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع وقتها، لمرسي مهلة 48 ساعة للتخلي عن الحكم او إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكن مرسي وجماعته كابرت ورفضت، فأعلن السيسي خلع مرسي وتم القبض عليه وحبسه فى مكان غير معلوم، واعلن السيسي عن تولية رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلى منصور رئاسة البلاد بصفة مؤقته طبقا لنص الدستور، وتبعها العديد من الإجراءات، التى انتهت بإعلان خارطة الطريق.

" 30 يونيو 2013"

وحتى تلك اللحظة حسمت المعركة لفلول الحزب الوطني، والأثرياء وأصحاب المصالح الجدد الذين صنعتهم ثورة 25 يناير، ومثل اى ثورة مضت كما سبق أن أسلفنا صنعت 30 يونيو مستفيدين جدد انضموا الى سابقيهم، واتجه اعلام الفلول بكل قوته لترويج مصطلحات ومفاهيم جديدة تصب كلها فى بوتقة الفريق اول عبد الفتاح السيسي وتسوقه كمنقذ جديد، والمؤتمن الوحيد على الوطن، وقدم كل صاحب مصلحة من الفلول وأصحاب المصالح الجدد مصوغات اعتماده فى النظام الجديد، فانطلق كل صاحب موهبة فى النفاق والرياء ومسح الجوخ ليلمع فى السيسي الذي أصبح مشيرا، ويطالبوه بالترشح للرئاسة، واستجاب الرأي العام للفكرة وألحت المنابر الإعلامية وغير الإعلامية الخاضعة للفلول وأصحاب المصالح على السيسي للترشح للرئاسة ومهدت له الرأي العام، فاستقال الرجل وخلع بزته العسكرية، وأعلن ترشيحه للرئاسة، وارتفع صوت المنابر واجتهد "المطبلتيه" فصار السيسي الرجل الأوحد حتى قبل بدأ الانتخابات الرئاسية.

ولان المشهد مفسرا ولا يحتاج للاجتهاد لتبيانه، لم يتقدم احد لمنافسة الرجل الأوحد – السيسي- الذي يقف خلفه رأسمال لا يمكن منافسته وأصوات مرتفعة ومحترفة في مثل هذه الحروب، وأيضا لأن أصحاب المصالح قد اتفقوا جميعا على رجل واحد على غير العادة، وكان السيسي هذا الرجل.

وتقدم حمدين صباحي صاحب التاريخ النضالي، لخوض معركة في منتهى الشراسة، وكعادته قرر أن ينافس، بالرغم من أنه تقريبا لا يمتلك اى شيء مما يتوفر للسيسي، بل بالعكس وجد الرجل كل شيء يعمل ضده، الإعلام وأصحاب الأموال وما يملكون من قوة بشرية مستأجر اغلبها في كل بقعة من بقاع الجمهورية، وكذلك إمكانات تقنية وفنية، بالإضافة إلى أجهزة ومؤسسات الدولة فى الخفاء والعلن، مما يجعل العملية الانتخابية على غير العادة في مصر وحتى خارجها، عملية محسومة ومسرحية هزلية تصب في تأكيد الانقلاب العسكري وتدعم مفهومة وتفضح أركانه، برغم السيناريو الهابط الذي حاولت ماكينة السيسي ترويجه.

من العرض السابق يوضح التاريخ أن لكل انقلاب أو ثورة مجموعة من المنتفعين الذي يقدمون أنفسهم لخدمة قادتها، وترويج مشروعهم الجديد المبنى على القليل من الرؤية السياسية والحقائق والكثير من الأكاذيب والأماني الخداعة، لغرس جذور النظام في المجتمع عن طريق خلق تأييد شعبي له، في المقابل يجني المنتفعين الجدد ثورات مهولة مقابل خدماتهم، فتصنع كل ثورة رجالها من الأغنياء الذين يتقنون ترويج الأكاذيب التي تسكن الرأي العام وتساهم فى بقاء النظام مستقرا الى أن تستنزف تلك الأكاذيب ويبطل مفعولها ويتوحش المنتفعون فيثور الشعب من جديد، وتعود الثورة لصنع ما صنعته سابقتها من أكاذيب ومروجون لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي