الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنافس القوى الكبرى على الموارد الاولية في الشرق الاوسط

ايلاف نوفل احمد العكيدي

2014 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


تنافس القوى الكبرى على الموارد الاولية في الشرق الاوسط

يعد التنافس بشكل عام ابرز سمات البقاء والاستمرار سواء انعكس الامر علينا كأفراد او على الدول ، والتنافس الاقتصادي الدولي اصبح جلي مع عصر العولمة والثورة التكنولوجية والانفتاح الاقتصادي ، تدعمه المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية ((WTO .وظهر مفهوم التنافسية-;---;-- في عقد التسعينات من القرن العشرين بعده نتاج للنظام الاقتصادي العالمي، ومن كل هذا التأطير لحقيقة التنافس بين القوى الكبرى على الموارد الاولية ومن اهمها مورد الطاقة (النفط والغاز ومشتقاتها) ، ولبيان تصاعد التنافس فانه من المهم توضيح من هي الدلو الكبرى واسباب هذا التنافس على الموارد الاولي سيما في منطقة الشرق الاوسط ، فان من الواجب فهم ما تمثله هذه الموارد الاولية للدول ، وانعكاسها على اقتصاداتها.
تعود جذور التنافس الدولي على منطقة الشرق الاوسط الى اتفاقية سايكس بيكو 1916، اذ تم بموجبها تقسيم الشرق الاوسط بين فرنسا وبريطانيا ، وهو مثالاً واضحاً للتنافس على المنطقة، ومن المعروف وقبل اكتشاف مصادر الطاقة كانت تمثل المنطقة اهمية من حيث انها مركز المواصلات العالمية بين القارات الثلاثة (اسيا-افريقيا-اوروبا)، ويمكن ملاحظة حدة التنافس الدولي على منطقة الشرق الاوسط وبالتحديد في بداية الصراع الأيديولوجي (الحرب الباردة ، اذ اكد وزير الخارجية الاميركي " فوستر دلاس" في عهد الرئيس "ايزنهاور" على اهمية المنطقة بالقول: (اذا سقطت هذه القلعة –يقصد الشرق الاوسط- بيد الروس- يترتب على ذلك سيطرة الروس على سائر طرق المواصلات بين الغرب والشرق واسيا وافريقيا) شهدت منطقة الشرق الأوسط العديد من التطورات المهمة التي أوضحت في مجملها دور القوى الكبرى ارتباطاً بمصالحها المتباينة وعلاقاتها بدول المنطقة ، برز نشاط عدد من القوى (الولايات المتحدة - الاتحاد الأوروبي - روسيا - الصين – اليابان) خاصة في ظل المتغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط أخيرا، ارتباطاً سواء بمتغيرات ثورات الربيع العربي ، أو بتطورات بعض القضايا الرئيسية على المستوى العربي والإقليمي(القضية الفلسطينية - الأزمة العراقية - الملف النووي الإيراني - الأوضاع في سوريا ..) ، وضعاً في الحسبان خصوصية وأهمية وتأثير تنافس بعض القوى الإقليمية المؤثرة (تركيا - إيران – إسرائيل) على إيجاد دور لها في تلك التطورات، وبشكل يتسق مع مصالحها .
ان اهم القوى المتنافسة على الموارد الاولية في منطقة الشرق الاوسط هي الدول المتقدمة الصناعية كالولايات المتحدة الاميركية والدول الاوربية الى جانب اليابان ، فضلاً عن القوى الصاعدة التي خرجت من الاكتفاء الذاتي الى الحاجة الملحة لمواكبة تقدمها في مختلف القطاعات الاقتصادية الصناعية والخدمية منها كالصين والهند والبرازيل.

1-الولايات المتحدة الاميركية :
وفي قياس اهتمام القوى الكبرى بالمنطقة وتنافسها وصراعها علياها تأتي قضية الطاقة في المحصلة الاولى ، فهي المصلحة الأميركية الأولى اذ تحوي الجزء الأكبر من احتياطات النفط والغاز في العالم. ففي عام 1970 تحولت الولايات المتحدة الاميركية من دولة منتجة الى دولة مستهلكة للنفط ولا تستطيع ان تلبي احتياجاتها ، ثم جاءت مسالة تأميم النفط وارتفاع اسعار النفط الى 4 اضعاف عالمياً1973 ، لتجعل التنافس ليس فقط الاميركي على منطقة الشرق الاوسط لرسم مخططات لفك هذا القرار الذي جاء كرد فعل القضية الفلسطينية .
ومن هنا سعت الولايات المتحدة الى ضمان التحكم بتدفق هذه الموارد تحت اشرافها الى الأسواق العالمية، كما تريد أن تتأكد من أن أي قوة أخرى إقليمية أو عالمية لن تتمكن من التحكّم بهذا التدفق. وسعياً منها الى تحقيق هذه الغاية، ستحافظ الولايات المتحدة على وجودها العسكري في الخليج العربي، وكذلك على تحالفاتها العسكرية مع العديد من دول الخليج العربية، إلى أجل غير مسمى. من المعلوم ان احد الابعاد الاقتصادية لاحتلال العراق والتواجد العسكري في منطقة الشرق الاوسط هو السيطرة على منابع النفط والحفاظ على هذه الامدادات لأنها تديم الهيمنة ، بالرغم من انها منتجة للنفط ، وهذا ما حدا بالدول الكبرى الى منافسة الولايات المتحدة في المنطقة والسعي الى تقويض نفوذها حتى من قبل الدول المنتجة للنفط والغاز كروسيا، والقضية السورية الحالية هي ذات ابعاد تتعدى سوريا بل تشكل هاجس وتأثير على المنطقة ككل، وبالوقت نفسه يتعدى التنافس الى صراع سياسي لتحقيق المصالح العليا التي ترنوا اليها كل دولة .

2-الاتحاد الاوربي :
لدول الاتحاد الاوربي جذور تاريخية في الشرق الاوسط تعلق بمصالحها، ولعل اثارها ومخططاتها ما زالت تسير وفق تلك الرؤية القائمة التفتيت والتقسيم ، وان كانت القيادة بيد الولايات المتحدة الاميركية، فالتنافس الاميركي الاوربي على هذه المنطقة ليس وليد اللحظة وانما يعود بعد افول اوروبا وبزوغ اميركا ، فما السوق الاوربية الشرق اوسطية الا هي مثال للتنافس الاقتصادي على المنطقة ، كما ان رفض اوروبا لكثير من سياسات اميركا في المنطقة سيما فيما يتعلق بقضية الحرب على الارهاب والقوائم السوداء والعقوبات على ايران ، فهي تختلف من حيث الرؤية والتوجه . وهذا التنافس السياسي ياتي لكسب المواقف وجذب التأييد لتحقيق مردودات مختلفة الاشكال.

3-روسيا الاتحادية :
تاريخياً، كان الاتحاد السوفياتي السابق (روسيا الاتحادية) هو المنافس الرئيس لأميركا واوروبا في الشرق الأوسط، اذ نجح في جوانب من مقارعة القوة الأميركية في المنطقة في ذروة الحرب الباردة. بيد أن قدرات روسيا وطموحاتها اليوم أكثر محدودية. فقوة ( روسيا الاتحادية) تبددت تقريباً من الشرق الأوسط خلال حقبة التسعينات. وقد أعاد "فلاديمير بوتين" روسيا إلى الشرق الأوسط في مطلع القرن الحادي والعشرين من خلال التعاون مع معظم الدول الرئيسة في المنطقة، فجدد الدعم العسكري لسورية، حليف روسيا القديم، لكنه بنى أيضاً شبكة واسعة من العلاقات مع إيران وتركيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر.
وتسعى روسيا الآن إلى إعادة بناء نفوذها في الشرق الأوسط من خلال كلٍ من صناعتها العسكرية، وثقلها السياسي والدبلوماسي العالمي، ووزنها في أسواق النفط والغاز العالمية. ومع ذلك، ليس لديها لا الطموح ولا القدرة الكافية على تحدي الوجود الأميركي هناك، فهي تُركّز بدلاً من ذلك على ترسيخ هيمنتها على منطقة القوقاز ومنطقة آسيا الوسطى. وتشاطر روسيا الولايات المتحدة الخوف من التطرّف الإسلامي، وتخشى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ما قد يؤدي إلى تفاقم الراديكالية الإسلامية وإلى تسهيل تمددها بين جيران روسيا الجنوبيين وبين المسلمين الروس. وما لم تنمُ القوة الروسية باطراد، وهو الأمر غير المرجح نظراً إلى الواقع السياسي والاقتصادي الراكد في البلاد، فإن طموحات موسكو ستظل محدودة.

4-الصين :
اما التوجه الصيني الجديد في هذه المنطقة جاء نتيجة لتغيير وضع الصين من دولة مصدرة للنفط الى دولة مستوردة له تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الامريكية إذ ترتفع احتياجاتها من النفط بنسب (5%) سنوياً. لذلك تحرص الصين على ممارسة دوراً في تنمية اقتصاديات المنطقة وربطها بالاقتصاد الصيني. وايضاً تتطلع الصين الى اداء دور المنافس للولايات المتحدة الامريكية على الساحة الدولية على المدى المنظور ساعية الى تأمين إيراداتها النفطية لمواكبة الحراك الاقتصادي الذي يتجسد بنسبة نمو اقتصادي غير مسبوق تتجاوز (9%) سنوياً، هذا فضلاً عن ان الصين استوعبت درس احتلال العراق إذ رأت في هذه الحرب محاولة من الولايات المتحدة الامريكية للاستئثار بمنابع النفط في العالم سيما في منطقة الشرق الاوسط ، مما حدا بالصين الى تبني ردة فعل تجسدت في اختراقاتها المتتالية لدوائر النفوذ التقليدية للولايات المتحدة الامريكية في كل من امريكا اللاتينية والخليج العربي وذلك بعقدها صفقات نفطية مع كل من فنزويلا وايران والمملكة العربية السعودية.

5-الهند :
اما في ما يتعلّق بالهند فهذه الدولة الكبرى الصاعدة تحصل على ثلثي احتياجاتها من الطاقة من منطقة الشرق الأوسط، وتجني تحويلات مالية قيّمة من مئات الآلاف من الهنود الذين يعملون ويمارسون أنشطة تجارية في دول الخليج. ولذا فهي غير قادرة على تحمّل نشوب صراع أو اضطراب في منطقة الخليج. هذا إضافة إلى أنها تُشاطر الولايات المتحدة الخوف من التطرّف الإسلامي. وتعتبر نفسها حليفاً للولايات المتحدة في هذا الصراع. وتقتصر طموحات الهند على الهيمنة في شبه القارة الهندية، وليس لها الطموح أو القدرة على تحدي الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
والحقيقة التي يجب الاضطلاع بها في خضم تفسير اسباب التنافس بين القوى الكبرى ، انا القوى العالمية الأخرى - أوروبا وروسيا والصين والهند - لها أدوار متنامية في المنطقة، لكن أياً منها لا تريد أو لا تستطيع أن تتحدى أو تعطّل في شكل كلّي او مباشر الدور الأميركي في المنطقة. فهذه القوى الأربع كلها تخشى التطرف الإسلامي، كما أن ثلاثاً منها تعتمد اعتماداً كبيراً على تدفق الطاقة من المنطقة، لكنها كلها لا تملك الموارد - أو لا ترغب في إنفاق مواردها - للاضطلاع بأدوار أمنية وسياسية تقوم بها الولايات المتحدة في الوقت الحاضر. إنها اجمالاّ تستفيد من دور أميركا في مجالي الأمن والطاقة في المنطقة، وتسعى فقط إلى حصد الفوائد أنّى أمكنها ذلك.

وتأسيساً على ذلك فان التنافس خرج عن مساره بين القوى الكبرى الى صراع بالنيابة سيما بعد ما يسمى (ثورات الربيع العربي) ، واصبح الدور الاقليمي بالوكالة عن الدول الكبرى في منطقة الشرق الاوسط ، فبسط النفوذ العسكري والامني وتقوية الحلفاء وكسب المؤيدين يضمن مصالح الدول الكبرى . واذا ما عدنا الى مستقبل الطلب العالمي للنفط والغاز نفهم حجم التنافس الدولي على منطقة والشرق الاوسط ، فالولايات المتحدة هي اكبر مستهلك للنفط في العالم وتستهلك نحو 20 مليون برميل يوميا، في حين تستهلك الصين نحو ستة ملايين برميل يوميا، لكن الطلب المحلي على النفط في الصين، رابع أكبر اقتصاد في العالم، من المتوقع ان ينمو بنسبة 6 % هذا العام، أي بضعف معدل نموه عام 2005 بالمقارنة مع انكماش طفيف في الطلب الاميركي في الفترة نفسها. ومن المتوقع أن يبلغ الطلب العالمي على الطاقة (118) مليون برميل يوميا بحلول عام 2030 بالمقارنة مع 85 مليون برميل يوميا عام 2006 وستكون الولايات المتحدة والصين والهند مسؤولة عن نصف هذا النمو حسب بيانات الحكومة الاميركية. وفي حين ستورد السعودية الكثير من البراميل الاضافية التي ستستهلكها الصين في الاعوام القليلة المقبلة، فان المسؤولين في شركة النفط الحكومية السعودية يسعون لتهدئة المخاوف الاميركية.
كما لا يخفى على احد ان منطقة الشرق الاوسط تمثل منطقة تنافس تجاري بين الشركات المنتجة والشركات الاستثمارية عابرة القارات، لان هذه المنطقة هي منطقة ذات شعوب استهلاكية من الطراز الاول ، اذ يبلغ عدد سكان منطقة الشرق الاوسط اكثر من (320) مليون نسمة ، فاغلب اقتصادات هذه الدول هي اقتصادات ريعية نفطية ، وان هذه العوائد المالية المتأتية للنفط تجعل من دخول الافراد محطة مهمة للتنافس بين الشركات الاميركية والاوربية والصين وغيرها . واتسمت سمة التنافس بأنماط مختلفة منها استخدام القوة الناعمة لاستمالة اذواق المستهلكين ورفد المنتجات بالنوعية والجودة التي لا تضاهيها منتجات اخرى ، اما الصين فقد اتكأت على عامل السعر لاستمالة المستهلكين لوفرة اليد العاملة ، اما روسيا فهي لديها مجالات اقل من غيرها من الدول الكبرى في استحواذها على نسب اكبر ، لان اقتصادها يعتمد بشكل كبير على صناعة النفط وتجارة الاسلحة فضلاً عن قطاع التعدين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا