الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ظل الانهيار العربي .. هل من تواضع ؟؟!

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2014 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


يصف الشاعر أحمد مطر حال العرب المأساوي في كثير من قصائده، فيقول في إحداها:

مائتا مليون نملة أكلت في ساعة جثة فيل

ولدينا مائتا مليون إنسان ينامون على قبح المذلة ويفيقون على الصبر الجميل

مارسوا لإنشاد جيلاً بعد جيل

وحين خاضوا الحرب، عجزوا عن قتل نملة !

تفقأ العزة عين المستحيل

تصنع العزة للنملة دولة

ويعيث النمل في دولة إنسان ذليل !

----------------------------------
أشير إلى أن أحمد مطر كتب ينعي العرب من منفاه في لندن بجوار صديقه الميت الحي ناجي العلي، وإلى أن لافتات أحمد مطر كتبت معظمها في ثمانينات القرن الماضي بينما نحن الآن في القرن الواحد والعشرين .. فإلى أين وصل حالنا ؟!

من عاداتي التي لا أعلم هل هي جيدة أم لا، أنني أتابع الأخبار أثناء كتابة أي مقال بين الفينة والأخرى، وعند هذه اللحظة قرأت خبراً مأساوياً نقلاً عن الجنرال في الاحتياط، والباحث الإسرائيلي إفرايم لبيد ( جريدة رأي اليوم ) يقول فيه أن رأفت الهجان ضابط المخابرات المصرية كان عميلاً مزدوجاً وقد زود المصريين بمعلومات مضللة عشية حرب حزيران 67 !! حتى الرموز التي اعتبرناها مشاعل قومية تتهاوى أمامنا كمن يضع الملح على الجرح الغائر !

يقول مطر في لافتة أخرى:

مرصوصة صفوفنا كلاً على انفراد

مشرعةٌ نوافذ الفساد

مقفلةٌ مخازن العتاد

والوضع في صالحنا، والخير في ازدياد
حي على الجهاد

رمادنا من تحته رماد

حي على الجماد !

-----------------------------------

لا أعلم لماذا لا يتعلم شعبنا العربي شيئاً من التواضع الياباني ؟؟! في الواقع أن أدب الطفل بالإضافة إلى الإعلام يعلم الناس الشعور بـ " العظمة " .. عظمة الزعماء وعظمة التاريخ وعظمة الكلام !! يا سادة نحن على أرض الواقع لا نرى عظمة بل نرى الخسة والدناءة والكذب إلا من رحم ربي .. لا نعلمهم أن العظمة تكمن في الصدق أو التعاون أو تقديس العمل والإنتاج ! صحيح ما قاله أحمد مطر عندما أعمل مبضعه فينا .. هل كنا بحاجة إلى عالم ياباني لكي يقول لنا أن العرب " متدينون جداً .. فاسدون جداً " ؟؟!

عندما أتأمل لوحات رخامية في المدارس كتب عليها ( شيدت بتبرع من الحكومة الألمانية / شيدت بدعم من الاتحاد الأوروبي / شيدت بدعم من الشعب الكندي / شيدت بدعم من الحكومة اليابانية / .. إلخ ). جميع مدارسنا شيدت بتبرع من المحسنين والمتصدقين والمتبرعين لشعب متسول ( ولكنه عظيم ويعلم أبناؤه العظمة !! ).

ميزانية وكالة الغوث تتبرع بها أمريكا والدول الأوروبية وبعض الدول النفطية، وميزانية السلطة تتبرع بها أمريكا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، وموازنات مشاريع الـ NGO s تتبرع بها الدول الغربية واليابان. يقال أن رواتب حماس من قطر وطبعاً رواتب الجهاد من إيران !! ما هذه المأساة ؟؟! أين إنتاج شعبنا ؟؟! أين صناعته ؟؟ أين تجارته ؟؟! أين تصديره ؟؟! لنتخيل لحظة أن المانحين والمتبرعين قد قرروا عدم التبرع ؟؟! ما مصير المجتمع ؟؟! من أين سيأكل الناس ؟؟؟

تخيلوا أعزائي أن طفلة في الصف الخامس تتغيب كل يومين عن المدرسة ليوم أو يومين ثم تعود .. ليس لديها دوام منتظم أبداً، وعند البحث والتقصي اتضح أن الطفلة تعاني من فقر دم شديد الأمر الذي يسبب لها الدوخة والإغماء، وعند زيارة بيتهم تبين أن المنزل خال من جميع أنواع المواد الغذائية والخضار بما فيها ملح الطعام، وأن الأطفال الستة وأمهم لا يقتاتون إلا الخبز الحاف صباح مساء ! هذا حال غزة بعد سبع سنوات من الحصار !

نحن لدينا قدرة هائلة على التزوير وطمس الواقع، لدرجة أن الانتكاسات والنكبات والهزائم نحولها بقدرة قادر إلى انتصارات " عظيمة " .. كعظمة تاريخنا !

يا جماعة إلى متى سنظل نعيش في الماضي التليد ؟؟! إلى متى نتغنى بأمجاد الغزو والفتوحات ؟؟! إذا كان احتلال الأمم الأخرى والاعتداء عليها يعتبر مفخرة فإن جنكيزخان وهولاكو عظماء. لكن يبدو أننا لسنا وحدنا، فالإنجليز يسمون مملكتهم المتحدة حتى يومنا هذا Great Britain !! لكن حتى بريطانيا اعتذرت عن عصور الاستعمار ويكفيها فخراً أن 40 % من المخترعين في عصر الثورة الصناعية كانوا من الإنجليز !!

العظمة اليوم تكمن في قيم المحبة والتعاون ورد الجميل والإحسان إلى الفقير ومساعدة الضعيف .. العظمة تكمن في القدرة على الابتكار والاختراع والتصنيع مثلما تفعل اليابان وكوريا الجنوبية والصين وألمانيا ودول كثيرة. احتلال الأمم الأخرى واستعباد أهاليها وتخريب حضاراتهم ليس من العظمة ولا من المجد في شيء .. ما وضعنا الآن ؟؟ نحن نعيش على الصدقات والمعونات والتبرعات، لنتعلم التواضع إذن ؟؟! لن ننهض من كبوتنا وهزيمتنا الحضارية إذا ظلت ثقافة " وهم العظمة " في مدارسنا وكراسات أطفالنا !!

لقد تساءل المفكر العربي شكيب أرسلان في أوائل القرن التاسع عشر " لماذا تقدموا هم وتخلفنا نحن ؟ " وتساءل طه حسين " امريء القيس يمني الأصل، فكيف وصلتنا كل أشعاره بلهجة قريش ؟ " وكتب محمد الجابري من المغرب " في نقد العقل العربي " وكتب محمد جابر الأنصاري ونشرت مجلة العربي للمفكر علي حرب والمفكر فؤاد زكريا والباحث سيد القمني. قتل فرج فودة لأنه قال الحقيقة التي غابت عنا، وقتل الباحث حسين مروة للسبب نفسه !

نزار قباني كتب بألم ينعي الأمة العربية فقال " متى يعلنون وفاة العرب ؟ "، وهو القائل قبل ثلاثون سنة من الآن:

بالحر قانعون / بالبرد قانعون

بالحرب قانعون / بالسلم قانعون

بالعقم قانعون / بالنسل قانعون

بكل ما في لوحنا المحفوظ في السماء قانعون

احترق المسرح من أركانه ولم يمت بعد الممثلون

وكل ما نملك أن نقول

إنا إلى الله لراجعون !

أخيراً يجب أن نفهم معنى القيم ودورها في تطوير منظومة الأخلاق لكي نتمكن من كتابة مناهج أطفال وصياغة أنشطة تربوية تؤدي إلى صياغة سلوك حضاري واقعي يبادل الآخرين المحبة والتعاون ويفهم معنى التضحية لأجل الآخرين .. يجب تعليم سير المخترعين والمكتشفين صناع الحضارة الحديثة، ويجب إعادة الاعتبار للعقل العربي .. نحن الذين هزمنا ابن رشد وأحرقنا كتبه أمام تلامذته ! لقد قال يومها لتلميذ يبكي ( إذا كنت تبكي حال المسلمين فاعلم أن بحار العالم لن تكفيك دموعا، أما إذا كنت تبكي الكتب المحروقة فاعلم أن للأفكار أجنحة وهي تطير لأصحابها )، فهل تجد الأفكار أصحابها ؟؟!

دمتم بخير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس أمم أوروبا: إسبانيا تكتسح جورجيا وإنكلترا تفوز بصعوبة عل


.. الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية: نتائج ودعوات




.. أولمرت: إذا اندلعت حرب شاملة مع حزب الله قد يختفي لبنان.. وا


.. إسرائيل تتحدث عن جاهزية خطط اليوم التالي للحرب وتختبر نموذجا




.. ميليشيا عراقية تهدد باستهداف أنبوب النفط المتجه إلى الأردن|